دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قد يشعر الأشخاص بالقلق بشأن صحة القلب أو الأمعاء لديهم، في حين أن العضو الذي يجب أن يثير القلق الأكبر هو الدماغ.
من جانبها، تساءلت طبيبة الأعصاب الوعائية الدكتورة ناتاليا روست، المديرة المساعدة لمركز السكتات الدماغية الشامل في مستشفى ماساتشوستس العام والأستاذة بكلية الطب بجامعة هارفارد في بوسطن:"ألا ينبغي لنا أن نقلق بشأن العضو الرئيسي في أجسادنا الذي يعد مركز القيادة والسيطرة على كل ما هو بشري في داخلنا".
ووفقًا لما ذكرته الأكاديمية الأمريكية لطب الأعصاب، فإن عصر علم الأعصاب الوقائي قد وصل.
وقالت روست، وهي الرئيسة المنتخبة للأكاديمية الأمريكية لطب الأعصاب إنها "ثورة في صحة الدماغ. نريد أن نساعد الجمهور على فهم أن الصحة مدى الحياة تبدأ بصحة الدماغ".
وتتمثل رؤية الأكاديمية بأنه في يوم من الأيام خلال الـ 25 عامًا المقبلة، سيقوم الفرد مع أطفاله وأحفاده بزيارة الطبيب لإجراء فحوصات سنوية "لسلامة الدماغ" التي يغطيها التأمين كرعاية وقائية.
ومع تقدم الشخص في العمر، يركز كل فحص لسلامة الدماغ على الوقاية المبكرة من الأمراض المعروفة بأنها تلحق الضرر بالدماغ، مثل مرض السكري، والسمنة، وأمراض القلب، وغيرها.
وأوضحت روست أن هذه الزيارات ستستمر "حتى مراحل نهاية الحياة، لأنه حتى مع تقدمنا في السن أو إصابتنا بمرض إدراكي، لا يزال بإمكاننا تحسين صحة الدماغ أثناء التعايش مع اضطرابات الدماغ".
إليك نظرة على كيفية فحص الدماغ في عصرنا الحالي:
دراسة شيخوخة الدماغ
في عام 2013، افتتح طبيب الأعصاب الوقائي ريتشارد إيزاكسون، واحدة من أولى عيادات الوقاية من مرض الزهايمر في الولايات المتحدة، بكلية طب وايل كورنيل ونيويورك بريسبيتيريان في مدينة نيويورك.
وفي برنامجه الجديد، شاركت كاتبة CNN ساندي لاموت في تجربة سريرية جديدة تركز على رعاية الدماغ الذي يعاني من الشيخوخة.
وستُحدد الدراسة المخاطر الجينية والسلوكية ونمط الحياة التي تواجهها لاموت فيما يتعلق بالتدهور المعرفي، وستزودها بقائمة مخصصة من مجالات التحسين، وستتتبع تقدمها من خلال اختبارات الدم التجريبية الجديدة.
ويمكن أن تحدد اختبارات الدم مستويات الأميلويد والتاو وغيرها من المؤشرات الحيوية المميزة لمرض الزهايمر والحالات التنكسية الأخرى. ويمكن أن تبدأ رواسب الأميلويد بالتراكم في الدماغ قبل عقود من ظهور الأعراض، حتى في الثلاثينيات والأربعينيات من عمر الشخص.
وأوضح إيزاكسون أنه "يقدر حاليًا أن أكثر من 46 مليون أمريكي يعانون من مرض الزهايمر قبل ظهور الأعراض، حيث يمكن اكتشاف السمات المرضية للمرض في الدم والدماغ قبل بدء التدهور المعرفي".
وبهدف المشاركة في الدراسة الجديدة، طُلب من لاموت الخضوع لمجموعة من الاختبارات الجسدية والمعرفية لتحديد خط الأساس لدماغها والمناطق الأكثر عرضة للخطر.
أولاً، أُرسلت عينة دم لاموت إلى مختبر في بوسطن لتحديد مستويات الكوليسترول الجيد والسيئ، والالتهابات، ومقاومة الإنسولين، والتغذية، إذ أن كلها عوامل خطر قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، والسكتة الدماغية، ما قد يُساهم بضعف صحة الدماغ.
وأشار إيزاكسون إلى أنه "قد لا تكون عوامل الخطر الوعائية مثل ارتفاع ضغط الدم، أو ارتفاع نسبة الكوليسترول، أو مرض السكري، هي التي تسبب الإصابة بمرض الزهايمر، ولكنها يمكن أن تسرّع من تطور مرض الزهايمر".
وطُرح على لاموت سؤالا رئيسيا حول جين صميم البروتين الشحمي E، إذ أن الأشخاص الذين لديهم نسخة واحدة أو أكثر من هذا المتغير الجيني هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بداء الزهايمر.
بعد ذلك، حدد فحص العظام والجسم خطر إصابة لاموت بترقق العظام أو هشاشة العظام، الذي تم ربطه بالضعف الإدراكي بالإضافة إلى خطر الكسور والسقوط الذي يمكن أن يعيق القدرة على بقاء الشخص نشيطًا أو ممارسة الرياضة، أو أداء المهام اليومية، أو ممارسة الرعاية الذاتية.
وسيوفر الفحص أيضًا معلومات مهمة حول كتلة العضلات ونسبة الدهون في الجسم وتوزيعها، التي يمكن أن تكون ضارة بشكل خاص للدماغ عندما تتراكم حول محيط الخصر.
وأكدّ إيزاكسون أنه "كلما زاد حجم البطن، أصبح مركز الذاكرة في الدماغ أصغر".
ولم يحدد الفحص الشامل للعينين ما إذا كانت لاموت تعاني من مشاكل في الرؤية قد تؤثر على معرفتها فحسب، بل قدم أيضًا نظرة على الجزء الخلفي من عينيها أو شبكية العين. ويمكن أن تظهر الأوعية الدموية الصغيرة هناك علامات مبكرة لتلف الأعصاب بسبب مرض السكري، أو ارتفاع ضغط الدم، أو مرض الشريان التاجي، أو حتى السرطان.
خط الأساس المعرفي
كانت لاموت تخشى الاختبارات المعرفية، وطُلب منها تكرار 15 كلمة سمعتها على الفور، إضافة إلى تذكر وجوه وأسماء عدد من الأشخاص ظهروا على شاشة الحاسوب، وكذلك تذكر ورسم شكل هندسي معقد.
التاريخ مهم
وكان التاريخ الطبي في غاية الأهمية، إذ سُئلت لاموت حول تاريخ عائلتها الطبي فيما يخص مرض الزهايمر، أو مرض السكري، أو السرطان، أو أمراض الغدة الدرقية، أو ارتفاع ضغط الدم، أو أمراض القلب.
كما سُئلت عن تعرضها لأي حوادث سقوط أو ارتجاج أو إصابات في الدماغ، وهو أمر مهم لأنه حتى إصابات الدماغ المؤلمة الخفيفة الناتجة عن السقوط أو ممارسة الرياضة، يمكن أن يكون لها تأثير طويل الأمد على الدماغ.
وسُئلت كذلك عن عدد سنوات التعليم التي أمضتها من مرحلة رياض الأطفال فصاعدًا؟ إذ يمكن للتعليم والتعلم تطوير "الاحتياطي المعرفي"، الذي يُعتقد أنه يعوض الضرر الذي يلحق بالدماغ.
وسُئلت أيضًا عن تمارينها البدنية، وعاداتها الغذائية، وصحة أسنانها ومدى انتظامها بإجراء فحوصات الأسنان، إذ ربطت الدراسات بين أمراض اللثة والتدهور المعرفي.
قد تبدو بعض الأسئلة غير متوقعة، مثل متى بدأت دورتها الشهرية؟ كم عدد مرات حملها؟ إذ وجدت الدراسات روابط قوية بين كمية هرمون الأستروجين طوال حياة المرأة، وعدد الأطفال الذين أنجبتهم، ومخاطر تعرضها للمشاكل المعرفية.
وأخيرا، سُئلت لاموت عن صحتها العاطفية، إذ تبين أن التجارب السلبية في مرحلة الطفولة تعيق نمو الدماغ الصحي لدى الأطفال، وتساهم في مشاكل صحية متعددة طوال العمر.
وحتى عند البالغين، يمكن أن يؤثر الاكتئاب، والقلق، والأمراض النفسية الأخرى على قدرة عمل الدماغ، في حين أن الصدمات العاطفية، مثل العنف المنزلي، أو الاغتصاب، أو فقدان طفل، أو زوج، أو وظيفة يمكن أن يغمر الدماغ بهرمونات التوتر التي تتمتع بتأثيرات سلبية مع مرور الوقت.
وقال إيزاكسون: "تسمح الدراسة للجمهور بالوصول إلى البرامج التي ترشدهم عبر تقييم مجاني للمخاطر، واختبارات الذاكرة المعرفية، والمشورة الشخصية"، مضيفًا: "من الممكن استخدام هذه الأنواع من موارد صحة الدماغ الرقمية، لتطور مجال علم الأعصاب الوقائي".