دراسة: حذارِ التدخين فله تأثيرات طويلة الأمد على جهاز المناعة!

علوم وصحة
نشر
7 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- توصّلت دراسة جديدة إلى أنّ تدخين التبغ مضر جدًا بالجسم، فهو يُغيّر الجهاز المناعي للشخص ويجعله عرضة لمزيد من الأمراض والعدوى، حتى بعد سنوات من الإقلاع عنه.

رغم أنّ  معدلات التدخين آخذة بالانخفاض منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أنّه ما زال يشكّل سبب الوفاة الرئيسي الذي يمكن الوقاية منه في الولايات المتحدة، إذ يودي بحياة أكثر من 480 ألف شخص سنويًا.

منذ عقود، يُطلع مقدمو الرعاية الصحية المدخّنين على المشاكل الصحية الخطيرة التي قد يواجهونها جراء هذه العادة، مثل سرطان الرئة، أو الأزمة القلبية، أو السكتة الدماغية. إلا أنّ دراسة نشرت في مجلة نيتشر، الأربعاء  قدّمت سببًا آخر للإقلاع عن التدخين.

فقد بيّن البحث كيف يقلّل التدخين من قدرة الجسم على مكافحة العدوى على الفور ومع مرور الوقت، وأنه قد يُعرّض الشخص أيضًا لخطر الإصابة بأمراض مزمنة تنطوي على التهابات، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والذئبة.

ونبّهت الدكتورة فيولين سانت- أندريه، المؤلفة المشاركة في الدراسة، والمتخصصة بعلم الأحياء الحسابي في معهد باستور بباريس، من ضرورة "التوقف عن التدخين في أقرب وقت ممكن. فإنّ الرسالة الرئيسية لدراستنا، خصوصًا للشباب، تتمثل بالاهتمام الكبير بالمناعة طويلة الأمد وبالتالي عدم البدء بالتدخين مطلقًا".

أثر التدخين الكبير على الجهاز المناعي

وفحص الباحثون مع مرور الوقت عينات دم أخذت من مجموعة مكونة من 1000 شخص يتمتعون بصحة جيدة،  وتتراوح أعمارهم بين 20 و69 عامًا. وتم تقسيم المجموعة بالتساوي بين الرجال والنساء.

وأراد الباحثون معرفة كيف يؤثر 136 متغيرًا، ضمنًا نمط الحياة، والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والعادات الغذائية، بالإضافة إلى العمر، والجنس، وعلم الوراثة، على الاستجابة المناعية. وقاموا بتعريض عينات الدم للجراثيم الشائعة مثل بكتيريا الإشريكية القولونية، وفيروس الأنفلونزا، ثم قاسوا الاستجابة المناعية.

وكان للتدخين، ومؤشر كتلة الجسم، والعدوى الكامنة الناجمة عن فيروس الهربس الأثر الأكبر، حيث أحدث التدخين أكبر تغيير. وكان له الأثر عينه تقريبًا على الاستجابة المناعية، إسوة بالعوامل المهمة مثل العمر أو الجنس.

وأشارت سانت-أندريه إلى أنه "اكتشاف مهم".

وأوضح الدكتور داراغ دوفي،المؤلف المشارك في الدراسة  الذي يشرف على وحدة علم المناعة الانتقالية في معهد باستور، أنه عندما أقلع المدخنون المشاركون في الدراسة عن التدخين، تحسّنت استجاباتهم المناعية إلى مستوى ما، لكنها لم تتعافَ تمامًا حتى بعد سنوات.  

وتابع: "الخبر السار يكمن بأنه (جهاز المناعة) بدأ عملية إعادة الضبط. ليس هذا هو الوقت المناسب لبدء التدخين، لكن إذا كنت مدخنًا، فإن أفضل وقت للإقلاع عنه هو الآن".

ووجدت الدراسة أيضًا أنه كلّما زاد تدخين الشخص، زاد تغير استجابته المناعية.

وقال دوفي: "إن خفض أي كمية من التدخين يُعد جيداً بالنسبة للأثر".

وأظهرت الدراسة أن ثمة تأثيرات جينية طويلة المدى للتدخين تتبدّى على شكلين رئيسيين من الحماية في الجهاز المناعي: الاستجابة الفطرية والاستجابة التكيفية. ويختفي التأثير على الاستجابة الفطرية بسرعة عندما يتوقف الشخص عن التدخين، لكن التأثير على الاستجابة التكيفية يستمر حتى بعد الإقلاع عن التدخين.

والاستجابة المناعية الفطرية، هي الطريقة العامة التي يحارب بها الجلد، والأغشية المخاطية، وخلايا الجهاز المناعي، والبروتينات، الجراثيم. إنه تحرك سريع، لكنه أداة صلبة وغير حادة. عندما يقرّر الجسم أنّ الاستجابة الفطرية وقايتها غير كافية، يبدأ عمل الجهاز المناعي التكيفي الذي يتكوّن من أجسام مضادة في الدم وسوائل الجسم الأخرى، والخلايا الليمفاوية B و T التي يمكنها "تذكر" التهديد واستهداف التهديدات بشكل أفضل.

وأوضحت سانت-أندريه أنّ "الاكتشاف الرئيسي لدراستنا يتمثّلأ بأنّ التدخين له تأثيرات قصيرة وطويلة المدى على المناعة التكيفية المرتبطة بالخلايا البائية والخلايا التائية التنظيمية، والتغيرات اللاجينية".

قيود البحث 

البحث الجديد لديه بعض القيود. وشرح دوفي أن الدراسة أجريت على عيّنات الدم في المختبر، لكن الجهاز المناعي قد يتفاعل بشكل مختلف في الحياة الحقيقية. ومع ذلك، لا تزال دراسات التحدي البشري محدودة الحجم نسبيًا مقارنة بما تمكنت من إظهاره عبر مجموعة كبيرة من عينات الدم.

من جهتها، رأت الدكتورة ياسمين ثانافالا، أستاذة علم الأورام بقسم علم المناعة في معهد روزويل بارك للسرطان، أنّ هذا البحث الجديد الذي أشار  إلى دراستها حول الاستجابة المناعية للتدخين، يعتبر "تصديقًا رائعًا" على ما توصلت إليه أبحاثها على مدار السنين.

وقد عرّضت ثانافالا في أبحاثها الفئران للتدخين عوض دم الإنسان. وتبيّن لها أن الفئران تخلصت من العدوى البكتيرية بكفاءة أدنى وباستجابة مناعية أقل قوة من الفئران التي لم تتعرض للتدخين. وقالت إن التغيرات في الرئتين تنحسر، لكنها "لا تختفي أبدًا".

وأشارت إلى أحد القيود في الدراسة الجديدة التي تأمل أن يعالجها الباحثون مستقبلًا: تجانس المشاركين الذين كانوا جميعهم فرنسيين ولم يكن لديهم أوزان عالية.

ولفتت إلى "أنّنا نعلم أن أمورًا كثيرة إلى جانب التدخين تؤثر على استجابتنا المناعية، منها خلفيتنا الجينية". وتابعت ثانافالا: "هناك أيضًا أدلة متزايدة على أن وزن الجسم والسمنة يؤثران على الاستجابة المناعية".

وقال الدكتور ألبرت ريزو، كبير المسؤولين الطبيين في الجمعية الطبية الأمريكية، إن الأطباء عرفوا منذ فترة طويلة أن التدخين يؤدي إلى التهاب في الرئة، لكن هذا لا يفسر جميع مشاكل الجهاز المناعي.

ويبدو أيضًا أنه يفسر سبب استمرار إصابة المدخنين الذين ربما أقلعوا عن التدخين بأمراض مثل الانسداد الرئوي المزمن COPD.

وخلص ريزو غير المشارك في البحث الجديد إلى أنّ "هذه الدراسة مفيدة لأنها تخبرنا بما كنا نفكر فيه دومًا، لكنها بدأت بشرح السبب".