دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كشف الباحثون عن رؤى أعمق حول كيفية تقدّم الدماغ البشري في السّن، والعوامل التي قد ترتبط بالشيخوخة المعرفية الصحية.
وبحسب ورقة مراجعة بحثية نُشرت في مجلة Genomic Psychiatry الخميس، التابعة لـGenomic Press New York، قد تكون بعض جوانب القدرات المعرفية في سن أكبر مرتبطة بنتائج الاختبارات التي أجريت حول سن 11 عامًا.
وتشير الدراسة التي استندت إلى بيانات من دراسات Lothian Birth Cohorts في أسكتلندا، إلى أنّ حوالي نصف الاختلافات في إدراك الأشخاص بسن أكبر (قد يعاني البعض من تدهور إدراكي أسرع) ربما كانت موجودة بالفعل في طفولتهم.
إلا أنّ بعض عوامل نمط الحياة لدى البالغين لا تزال مرتبطة بتحسن الأداء الإدراكي وإبطاء شيخوخة الدماغ.
وقال سيمون كوكس، مؤلف الدراسة الجديدة ومدير دراسات Lothian Birth Cohorts في جامعة إدنبرة، لـCNN: "لقد وجدنا أن جوانب مثل الحفاظ على النشاط البدني والعقلي والانخراط الاجتماعي، وندرة عوامل الخطر الوعائية (مثل ارتفاع ضغط الدم، والكوليسترول، والتدخين، ومؤشر كتلة الجسم)، والتحدث بلغة ثانية، والعزف على الآلات الموسيقية، والتمتع بدماغ يبدو أصغر سنًا، وسواها.. تُظهر ارتباطات يمكن اكتشافها لكنها صغيرة".
ولاحظ كوكس أنّ المكاسب الهامشية طريقة جيدة للتفكير في وصفة لتحسين الشيخوخة المعرفية، وشرح: "فعوض اكتشاف أن أمرًا واحدًا ينطوي على مخاطر كبيرة، نرى الكثير والكثير من العوامل (المتداخلة جزئيًا في كثير من الأحيان) التي يحتمل أن يساهم كل منها قليلاً في خطر الشيخوخة المعرفية".
وأضاف أن مثل هذه العوامل المتعلقة بأسلوب الحياة، عندما يُنظر إليها جميعًا معًا، قد تتراكم لتفسير "حوالي 20%" من الاختلافات التي لوحظت في التدهور المعرفي بين سنّي 70 و82 عامًا.
تتضمن Lothian Birth Cohorts بيانات من دراستين لكبار السن: مجموعة من البالغين الإسكتلنديين الذين ولدوا في عام 1921، ومجموعة أخرى ولدت في عام 1936. وقد خضعوا جميعًا لاختبار معرفي معتمد في سن 11 عامًا ثم مجددًا في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من العمر للوظائف المعرفية واللياقة البدنية، بين عوامل أخرى.
وكتب كوكس في الورقة البحثية: "قمنا أولاً بتصوير المشاركين بالرنين المغناطيسي عندما كانوا في الثالثة والسبعين من العمر. ومن أكثر الأمور التي لفتت انتباهي في الدراسة مدى التباين الكبير بين الفحوص".
وتابع: "رغم أنهم كانوا جميعًا في العمر ذاته، إلا أن بعض الأدمغة بدت صحية تمامًا (ولن تكون غريبة بين فحوصات أدمغة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 30 أو 40 عامًا)، فيما أظهرت أدمغة أخرى الكثير من الانكماش والتلف في اتصالات المادة البيضاء، بالإضافة إلى سمات أخرى مرتبطة بالشيخوخة المعرفية والخرف".
والمادة البيضاء هي النسيج الذي يشكل اتصالات بين خلايا المخ وبقية الجهاز العصبي، ما يساعد هذه المناطق على التواصل مع بعضها من خلال الإشارات العصبية. يمكن أن يؤدي انخفاض أو تلف المادة البيضاء إلى إبطاء قدرة المخ على معالجة المعلومات.
وعلّق أنه بشكل عام، "يُظهر لنا (هذا البحث) أن شيخوخة الدماغ في سن 73 عامًا ليست حتمية، وأن هذا الأمر يُحفّزنا أيضًا بقوة على البحث عما يمكننا القيام به لمحاكاة هؤلاء القلائل المحظوظين الذين يصلون إلى هذا العمر بأدمغة نقية".
ويُشار إلى كبار السن الذين تبدو ذاكرتهم حادة مثل ذاكرة الأشخاص الأصغر سنًا بعشرين إلى ثلاثين عامًا باسم "المسنين الخارقين في الإدراك" (cognitive super agers).
بصفته باحثًا في الدماغ المتقدم في السن، قال الدكتور ريتشارد إيزاكسون، إن البحث الجديد عنى له الكثير.
ورأى إيزاكسون، مدير الأبحاث بمعهد الأمراض العصبية التنكسية في فلوريدا، غير المشارك في البحث أنه "قدّم نظرة عامة عملية وسردية حول الأساسيات المتصلة بصعوبة هذا النوع من البحث، والعديد من أفضل الممارسات للاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من القيمة عندما تبدأ دراسة طويلة الأمد مثل هذه".
هناك مجموعة قوية من الأبحاث حول الاختلافات الرئيسية في نمط الحياة التي قد تساهم بالاختلافات في الدماغ المتقدم في السن. على سبيل المثال، تُعد قلّة النوم عامل خطر رئيسي للتدهور المعرفي، وقضايا الصحة العقلية مثل الاكتئاب، تشكّل عوامل خطر معروفة للإصابة بالخرف.
وفقًا لدراسة أجريت عام 2018، فإن ممارسة الرياضة بانتظام من خلال المشي، أو ركوب الدراجات ثلاث مرات فقط في الأسبوع قد يحسن مهارات التفكير. كما أنّ إضافة نظام غذائي صحي للقلب إلى روتينك يمكن أن يساعد أيضًا على إبطاء شيخوخة الدماغ وتقليل خطر الإصابة بالخرف.
وتشير دراسة أجريت عام 2020 إلى أن التأمل اليومي يمكن أن يبطئ شيخوخة الدماغ.
وطوّر الخبراء أداة تسمّى Brain Care Score. وأظهرت دراسة نشرت العام الماضي، أن هذه الوسيلة قد تساعد على تقييم خطر إصابة الشخص بالخرف أو السكتة الدماغية، مع تقدّمه في السن.
وأشارت النتيجة المكوّنة من 21 نقطة إلى مدى أداء الشخص في 12 عاملاً متعلقًا بالصحة لجهة المكونات الجسدية، ونمط الحياة، والمكونات الاجتماعية والعاطفية للصحة، بحسب دراسة التي نُشرت في مجلة Frontiers in Neurology.
ووجد الباحثون أنّ المشاركين الذين حصلوا على درجة أعلى كان لديهم خطر أقل للإصابة بالخرف، أو السكتة الدماغية، في وقت لاحق من الحياة.
هذه العوامل الـ12 هي ضغط الدم، وسكر الدم، والكوليسترول، ومؤشر كتلة الجسم، والتغذية، واستهلاك الكحول، والتدخين، والأنشطة الهوائية، والنوم، والتوتر، والعلاقات الاجتماعية، وإيجاد معنى أو هدف في الحياة.