(CNN) -- تستخدم الطابعة الثلاثية الأبعاد حاليا في العديد من الصناعات، بدءاً بطباعة ألعاب الأطفال، وقطع غيار السيارات وصولاً إلى اللحوم وحتى المنازل وغيرها. وفي الطب، فيمكن أن تستخدم بالفعل لطباعة الأطراف الإصطناعية وتقديم نماذج محددة من أعضاء جسم الشخص المريض، والتي يمكن للأطباء الجراحين استخدامها خلال الجراحة التجميلية. وليس من المستغرب إذن، أن العلماء في جميع أنحاء العالم يحققون فيما إذا كانت الخلايا الحية يمكن استخدامها لطباعة الأعضاء والأنسجة التي يتم استبدالها.
وتعتبر تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد تطورا مثيرا، سيتمكن بتقديري من تأدية دور استثنائي هام، حيث أن العلماء يوسعون من قدراتهم على هندسة الأنسجة والأعضاء في المختبر. أما ما لا يدركه الكثير من الناس، مع ذلك، فهو أن الطابعة الثلاثية الأبعاد بحد ذاتها ليست عنصرا "سحريا" لتحويل أعضاء مصنوعة في المختبر، إلى أعضاء حقيقية. وبدلا من ذلك، فإن الطابعة الثلاثية الأبعاد، هي وسيلة لزيادة وأتمتة العملية والتي يجب أن تبدأ في المختبر.
وقبل أن يتم هندسة أي عضو، سواء كان ذلك مطبوعا أو تم صناعتة باليد، فهناك الكثير من الأسس التي يجب إنجازها. أما ما يعتبر أمراً حيوياً في العملية فيتمثل بالفهم الدقيق لبيولوجيا الخلية. ويجب على العلماء أن يحددوا ليس فقط أنواع الخلايا التي يجب استخدامها، ولكن كيفية توسيعها في المختبر والحفاظ عليها حية وقابلة للحياة في جميع مراحل عملية الهندسة. ومدى الحاجة لدمجها في المواد الحيوية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي المادة البيولوجية الأنسب لذلك؟ أما حيز النجاح فيعتبر مرتفعاً، إذ أن الهياكل التي يتم هندستها يجب أن تعمل مثل الأنسجة الأصلية.
أعضاء الجسم المصنوعة في المختبر
وقد أثبتت العلماء في مجموعات عدة، أن أعضاء الجسم التي يتم صناعتها في المختبر، يمكن أن تعمل بشكل جيد جداً لدى المرضى. أما القصب الهوائية التي تم هندستها، والمثانات، والأوعية الدموية وأنابيب البول فقد تمت زراعتها بنجاح. أما ما هو مشترك بين هذه الهياكل، فيتمثل بأنها مجموعة من الخلايا، والمواد الحيوية على شكل عضو أو نسيج. ومن خلال خبرتنا الهندسية الأولى للأنسجة، فقد صنعنا هياكل ثلاثية الأبعاد باليد. وعلى سبيل المثال، فقد تمكنا من صنع سقالات لأنابيب البول من خلال خياطة شريط من المواد الحيوية في شكل أنبوبي، ومن ثم إدخال الخلايا باليد إلى هذه الهياكل.
أما الطابعة الثلاثية الأبعاد، من ناحية أخرى، فتتيح الفرصة للجمع بين الخلايا والمواد بدقة متناهية حتى تحقق الشكل المطلوب. أما استبدال الأنسجة أو أعضاء الجسم فيمكن تصميمه على الكمبيوتر باستخدام المسح الطبي للشخص المريض. ومن ثم فإن الكمبيوتر يتحكم بالطابعة، إذ تطبع على وجه التحديد الشكل المطلوب وتحدد موضع الخلية. أما الطابعة الثلاثية الأبعاد التي قمنا بتصميمها، فتقدم خيار استخدام اثنين أو أكثر من أنواع مختلفة من الخلايا ووضعها بالضبط في مكانها، ما يعتبر أمراً غير ممكن باستخدام اليد.
وتتمتع الطابعة الثلاثية الأبعاد، بالمرونة في استخدام مجموعة متنوعة من المواد الحيوية، حيث أن الخلايا يمكن طباعتها في سقالات هلامية أو جامدة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يمكن طباعة الهياكل دون الخلايا، كما كان الحال في طباعة جبيرة هوائية طورتها جامعة ميشيغان والتي أنقذت حياة أحد الأطفال.
والهدف النهائي من طباعة الأعضاء بطبيعة الحال، يتمثل بالقدرة على طباعة الهياكل المعقدة، مثل الكلى، والتي يمكن أن تساعد في حالة وجود نقص في الأعضاء المتاحة للزراعة. وبينما أعتقد أن هذا الأمر يمكن تحقيقه، فهناك العديد من التحديات التي يتعين التغلب عليها قبل أن يتحول الأمر حقيقة.
امدادات الأوكسجين
وأي هيكل عضو كبير في الجسم، بغض النظر عن كيفية هندسته، فهو ليس مثل أي عضو يعمل بشكل كامل ويتم زراعته من شخص متبرع. وبدلا من ذلك، فإنه حتى عندما تصنع الهياكل المطبوعة من الخلايا الحية، فيجب أن "يتم احتضانها" في الجسم لتصبح وظيفية بالكامل، وتنتج أنسجة جديدة، ما يؤدي إلى عضو جديد. أما التحدي الأساسي في هندسة الأنسجة فيتمثل بتزويد هذه الهياكل بالأوكسجين لدى عملية اندماجها في الجسم.
وبينما يتمثل أحد الاحتمالات بطباعة قنوات صغيرة، في الهياكل، والتي يمكن ملؤها بخلايا الأوعية الدموية، فإن الخيار الآخر يتمثل بطباعة المواد المنتجة للأكسجين في السقالات. وبينما هناك الكثير من التحديات لمواجهتها، فأنا أعتقد أن طباعة الأعضاء المعقدة، ستصبح حقيقة ملموسة، ولكن ليس على مدى عقود.
وحالياً، يعمل فريقنا على طباعة أنسجة أصغر تابعة لمعهد القوات المسلحة الممولة من الجيش للطب التجديدي، مثل العظام والعضلات، والتي يمكن استخدامها في ترميم الوجه. ونحن نعمل أيضا على طباعة خلايا الجلد مباشرة على الجروح الحروق.
ولكن زراعة الأنسجة ليست هي السبيل الوحيد لاستفادة المرضى من الطباعة الثلاثية الأبعاد. ويعمد فريقنا ومجموعات بحثية وطبية أخرى إلى استخدام الطابعة لطباعة الكبد، بهدف إجراء اختبار المخدرات. بالإضافة إلى ذلك، وبالتعاون مع خمس مؤسسات أخرى، نحن نعمل على طباعة قلب مصغر، ورئة، وأوعية الدموية، وكبد على "رقائق" التي من شأنها أن تكون مرتبطة ببدائل الدم. ويسمى هذا النظام بـ "الجسم على رقاقة" ولديه القدرة على تسريع وتطوير عقاقير جديدة، إذ من المحتمل أن تحل محل الاختبارات على الحيوانات، والتي يمكن أن تكون بطيئة ومكلفة وليس دائما دقيقة.
وتعتبر الطباعة البيولوجية، حقلاً من العلوم ينمو بسرعة، والتي من الواضح أن لديها العديد من التطبيقات المحتملة في مجال الطب. وحتى بعد خمس سنوات من الآن، فإن الباحثين سيتابعون العلاجات المحتملة والتي لا يمكن تصورها اليوم.
ومن المهم أن نتذكر، أن العملية تنطوي على أكثر من وضع الخلايا في خرطوشة والضغط على زر الطباعة، إذ أن التطورات التي تحصل في المختبرات، هي جزء لا يتجزأ من المعادلة وما يمكن إنجازه من خلال الطباعة البيولوجية يعتمد، في جزء كبير منه، على التقدم في بيولوجية الخلية والعلوم.
* بقلم الدكتور أنتوني عطالله، مدير معهد "ويك فوريست" للطب التجديدي في ونستون سالم في ولاية شمال كارولينا. ويشرف على فريق يتكون من أكثر من 300 طبيب وباحث يعملون على تطوير علاجات لشفاء الخلايا ونمو الأنسجة والأعضاء التي يتم استبدالها في المختبر.
يشار إلى أن الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبه الدكتور أنتوني عطالله ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.