رأي: ذراع اصطناعية ثلاثية الأبعاد تعطي الأمل لأطفال جنوب السودان

علوم وصحة
نشر
8 دقائق قراءة
رأي: ذراع اصطناعية ثلاثية الأبعاد تعطي الأمل لأطفال جنوب السودان
Credit: Courtesy not impossible labs

(CNN)  -- لم أعرف بالضبط مدى خطورة الرحلة التي كنت سأقوم بها، بعدما تركت المنزل في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2013 للسفر إلى السودان. كنت أشعر بالخوف بما فيه الكفاية، إذ بصراحة، ما قد التزمت به، كان الشيء الأكثر استحالة الذي حاولت إنجازه مقارنة بأي وقت مضى.

فقبل ثلاثة أشهر، خلال دعوة عشاء، علمت عن طبيب في جبال النوبة في السودان، وهو الدكتور توم كاتينا، والذي كان يعالج الآلاف من الناس، وغالبيتهم من الأطفال الذين نُسفت أطرافهم، خلال قصف الحكومة السودانية بالغارات.

وبالصدفة، كنا قد نشرنا مقالا على موقعنا عن ريتشارد فان، والذي اخترع اليد الاصطناعية المطبوعة الثلاثية الأبعاد بكلفة منخفضة. وأثرت احتمال أنه سيكون من الرائع إذا تمكنا من جلب الطابعات الثلاثية الأبعاد إلى السودان، وصنع الأيدي لهؤلاء الأطفال.

وكان من الممكن أن تنتهي القصة هنا. إذ ماذا يمكن لشخص واحد أن يقوم به في مواجهة آلاف حالات الحزن على نطاق واسع الأميال؟

ولكن عندما وصلت إلى المنزل وبحثت عن الدكتور كاتينا، قرأت عن أحد المرضى الذي عالجهم، وهو دانيال، صبي يبلغ من العمر 12 عاماً، والذي بينما كان يحاول حماية نفسه من هجوم جوي، لف ذراعيه حول شجرة. ورغم أن الشجرة حمت جسمه، إلا أن الانفجار الذي وقع على بعد أمتار قليلة تسبب بنسف يديه.

أما العلاج في المستشفى وبتر ذراعيه، فأنقذا حياته. ولكن بعدما استيقظ دانيال، وأدرك ما حدث، قال إنه تمنى أن يكون قد مات. وهذه واحدة من أكثر قصص المحزنة التي قرأتها.

كانت الساعة 11 ليلا. نظرت إلى أسفل الرواق حيث ينام ثلاثة من أولادي وفكرت "ماذا لو كان طفلي؟" ماذا لو حدث هذا لهم وهناك شخص ما كان يمكن أن يساعدهم ولم يقم بذلك؟

وفي تلك اللحظة، أدركت أنه لا يمكن أن أغلق الكمبيوتر، وأتناول كوب من الماء، وأذهب إلى السرير. كان علي أن أفعل شيئا.

الرحلة إلى السودان ومحاولة مساعدة الآلاف من الناس أمر شاق للغاية، ولكن، أنا لا يمكنني مساعدة الكثير من الأشخاص، بل يمكنني مساعدة شخص واحد فقط. يمكنني أن أساعد دانيال.

دورة مكثفة في الطباعة الثلاثية الأبعاد

تذكروا، في الوقت الذي كنت أعرف فيه القليل جدا عن الطباعة الثلاثية الأبعاد، وحتى أقل عن الأيدي الاصطناعية، فعلت ما أفعله دائما، أحطت نفسي بمجموعة من الناس الأذكياء، وجمعت حولي جميع الخبراء بمن فيهم فان نفسه، لإعطائي دورة مكثفة في الطباعة الثلاثية الأبعاد، والأيدي الاصطناعية.

الخطوة 1: طباعة الملفات الثلاثية الأبعاد.

الخطوة 2: تنعيم مادة "أورثوبلاستيك" في الماء الساخن، ومن ثم لفها حول أطراف المريض لقولبة الجهاز.

الخطوة 3: إرفاق اليد والقفاز، ووضع خيوط الكابلات من خلال كل رقم، وتشغيلها مرة أخرى إلى النقطة التي تعلق فيها وراء معصم المريض أو الكوع، وتثبيت حركة المعصم ( صعودا وهبوطا) أو الكوع ( جنبا إلى جنب) ثم سحب الكابلات وتوجيه الأصابع. وباختصار، فإن الكابلات تشتد وترتخي حول النقطة المحورية.

وبعد إنهاء الدورة المكثفة، وبعد مرور ثلاثة أشهر فقط على دعوة العشاء، وجدت نفسي في ييدا وهو مخيم مهجور في جنوب السودان، ويعتبر موطناً لـ 70 ألف شخص جائع ويائس، طردوا من منازلهم بسبب حملات القصف وأهوال لا يمكن تصورها.

وهناك، أنشأت موقعا لي وحضرت نفسي لأصنع ذراعا ميكانيكية. ورغم درجة الحرارة المرتفعة والبق، إلا أني تمكنت من الحصول على الطابعات الثلاثية الأبعاد، والعمل على وضع ذراع حقيقية لصبي حقيقي، يجلس على بعد خمسة أقدام مني. وهذا الفتى قرأت عنه تلك الليلة في مطبخي، في يوليو/تموز الماضي، وهو دانيال.

مقابلة دانيال

وكان دانيال شخصاً غير تواصلي عندما التقينا للمرة الأولى. وكان يحدق بمن حوله بتجهم. وأعطيته كمبيوتري ليتسلى عليه خلال عملي، وفعل ما يفعله أي مراهق آخر، أي العثور على لعبة فيديو وبدء اللعب مستخدما ما تبقى من عضديه بدلا من أصابعه. وشيئا فشيئا، بدأ يثق بي وبدأ يظهر بعض الاهتمام في ما كنت أفعله. وفي كل مرة كنت أصاب بالإحباط أو أواجه المصاعب كان علي أن أنظر فقط إلى دانيال ولا شيء آخر غيره سيبدو مهما بالنسبة إلي. كان يجب أن أجعل الذراع تعمل.

وبعد عدة أيام، وبعض الأخطاء، تمكنا من زراعة ذراع في جسم دانيال. ولكنه لم يكن قويا، بما فيه الكفاية للسيطرة على حركة اليد، الأمر الذي سيأتي في وقت لاحق. ولكن كان بوسع دانيال التلاعب بيده ورفعها حتى مستوى فمه. ولقد ركبت فيها ملعقة قصدير، وجلسنا أمام وعاء من حساء اليقطين والماعز.

وتمكن دانيال من إطعام نفسه للمرة الأولى منذ عامين. نظر في وجهي، وابتسامة متكلفة رسمت على شفتيه. والتفت إلى الوراء ونظر إلى الحشد الصغير الذي تجمع حوله.

كنت أعرف منذ ذلك الحين، أنني وقعت على شيء أكبر مني ومن دانيال، وأكبر من وجبة واحدة. وكانت الفكرة أنه من خلال مساعدة شخص واحد، لديك القدرة على مساعدة الكثيرين، وهذا قد يكون السر في ذلك كله.

وفي اعتقادي، أن كل تغيير يبدأ صغيراً. أما الصورة الكبيرة فهي غير عملية، وغير مفهومة. لكنها تقدم إلينا شيئا فرديا قابلا للقياس الكمي وإضفاء الطابع الشخصي، وفجأة، يتجه نظرنا نحو إلى شخص واحد.

خطوة واحدة فقط، وابتسامة واحدة، ودولاراً واحداً فقط، وقبلة واحدة، إذ عندما ننظر إلى الحياة من خلال عدسة "شخص واحد"، يصبح كل شيء اكثر من ذلك بكثير مما يمكن بلوغه.

وبحلول نهاية الأسبوع، كنت في جبال النوبة في السودان حيث لا تزال مستشفى الدكتور كاتينا، تقدم خدماتها للسكان المحليين. ورغم أن الحرارة كانت مرتفعة، تجمع حولي السكان في غرفة مليئة، بعضهم كان مدعوا والبعض الآخر لم يكن مدعوا، وعلمتهم كيفية استخدام الطابعة الثلاثية الأبعاد. وغالبيتهم لم ير جهاز كمبيوتر من قبل، فضلا عن طابعة ثلاثية الأبعاد. ومع ذلك، كانوا مستعدين لبدء مصنع لصناعة الأيدي، للأشخاص المبتوري الأطراف.

وبينما كنت أتحضر للمغادرة، تحدثنا جميعا عن ما أردنا تحقيقه. وتحدثنا حول عدد الأطراف التي نريد صنعها، وكم شخصا أردنا مساعدته.

وفي تلك اللحظة، أوقفت نفسي.

.لا يهم العدد الذي نصنعه" قلت لهم. "سوف نصنع العدد المطلوب في نهاية المطاف."

أما "في الوقت الراهن، فاصنعوا واحدة فقط."

.ميك ابيلينج هو مؤسس مختبرات "نوت إيمبوسيبل لابز" ومجموعة ابيلينج. وهو متحدث دولي حول موضوع الأجهزة الطبية المفتوحة المصدر و"يو أس أي نتورك توب 10 كالتشيرال تريل بليزر."

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.