بقلم ليلى سلامة
الآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يقول الأستاذ علي الحديدي في مقدمة كتابه "في أدب الأطفال" إنّ "كتّاب القصّة ورواتها رسل لا تستغني عنهم الحضارة الإنسانية، فهم يصورون العالم ويخططون حدوده وأشكاله في ذهن أطفال اليوم ورجال المستقبل."
بدأت مؤخراً في عملية البحث عن كتب تقدم تجربة نوعية ممتعة ومفيدة لأطفالي، ولأنني أم أعلم جيداً أنّ الأمومة تفتح أوسع الأبواب نحو أدب الأطفال وخصوصاً القصص، وكوني استمتع بتجربة "الأم الحكواتية"، بينما أحكي لأطفالي قصص ما قبل النوم، اكتشفت أنّ الأم هي أفضل حكواتي.
إن كتابة ورواية قصص الأطفال ليست مجرّد أدب على الورق، بل عدّة أنشطة تفاعلية ومهارة تحتاج لتوظيف عناصر وخصائص فنية معينة وأهمها التفكير بعقل وخيال الطفل، واكتساب مثل هذه المهارة يتطلب جهداً مضنياً من الكاتب لدراسة عالم الطفل من منظور الإثارة والفضول والتشويق، ولذا يقال أنّ الأطفال أكثر براعةً، في كتابة قصص الأطفال، من الكبار، لأنهم يتمتعون فطرياً بالخيال الواسع. وقد يعتبر ما نسميه بـ "كذب الأطفال" في المراحل العمرية المبكرة للطفل إحدى وسائل الخيال التي تجعل الطفل يخترع من خلالها شخصيات وأسماء وأحداث وهمية في حياته تقوده إلى تأليف أحداث قصة ممتعة ومثيرة من نسج خياله في نهاية المطاف.
وعن علاقة الطفل بالأدب، فإنّ عالم الطفل هو عالم مليء بالتجارب والبحث والتحليل والحوار ولذلك يجب عدم التقليل من ذهنية وقدرة الطفل القارئ والمستمع، لأنه الناقد الرئيسي للمحتوى وليس مجرّد متلقي. ويبحث الطفل عند قراءة وسماع قصص الأطفال عن الشخصيات المثيرة والمؤثرة التي تسافر به إلى عالم آخر ويتفاعل معها، والتي تجسّد نموذج يقتدي به ويرى فيها انعكاساً لذاته وآماله وأفكاره ومبادئه فضلاً عن مشاريعه المستقبلية.
أمّا لماذا نكتب للطفل؟، فمن المهم أن يخلق الكاتب بعض الأحداث التي تترك بصمة من الغموض والمفاجآت غير المتوقعة لجذب اهتمام الطفل واندماجه في أحداث الحكاية، وهذا يعتمد على مدى قدرة الكاتب لفهم مشاعر وأحاسيس ورغبات الطفل وطموحاته. وقالت الكاتبة فاطمة شرف الدين، إنّ " من الضروري أن نعالج ككتّاب مواضيع مختلفة، حتى القاسية منها كالحرب أو الموت أو التشرد. فكما نكتب له عن المحبة والتعاون والأسرة والأصحاب، علينا أن نكتب له عن الخوف من الحرب، أو الفقر، أو الهجرة. هذه عناصر من واقع العيش، ودورنا ككتاب أن نعالجها في كتبنا لأن من حقّ الصغير أن يفهمها كي يتمكّن من التعامل معها في الحياة." وأضافت شرف الدين: "حين نقدّم كتابًا يعالج مواضيع تهمّ الطفل، مثل الخلافات بين الأصدقاء، أو طلاق الوالدين، نسمح له بفسحة تفكّر وتفاعل الشخصيّات وأفعالها."
ولطالما عانى الطفل العربي من فقر التجربة، لكن حيثيات وتوجهات فن قصص الأطفال في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين أصبحت تتغير لتحاكي واقع الطفل العربي المعاصر وما يحيط به. واكدّت شرف الدين أنّ "الطفل العربي لا يختلف بشيء عن سائر أطفال العالم، فالكتاب عنصر أساسي في حياة كل الأطفال."
ورغم أن عنصر التسلية والترفيه ضروري في قصص الأطفال، إلا أن الهدف الرئيسي لكل قصة لا يخرج عن الحيز التربوي والتعليمي، والكاتب مسؤول عن ابتكار حوادث وشخصيات تقدم رسالة ذات فكرة ومغزى وقيمة، لأن القصة وسيلة تؤدي وظيفة تربوية وتثقيفية وتعليمية.
ورأى الكاتب إبراهيم سند ، أنّ "الكاتب للكبار ربما لا يجد صعوبة في مخاطبة جمهور المتلقين لأنه يكتب حسب رؤيته للعالم، ولكن كاتب الصغار عليه مهمة تربوية لأن الطفل يتأثر بالمادة المكتوبة، وكاتب الأطفال كاتب ومربٍّ لأنه يغيّر في سلوك الصغار وهو محاسب على كل كلمة،" مشيراً إلى أنّ "هناك معايير خاصة وضعت لمن يكتب لأدب الصغار في الدول المتقدمة وخاصة أوروبا." وأكدّت شرف الدين على ذلك بأنّ "في العالم العربي، ليس كل ما يكتب للأطفال هو جيد بالمعايير العالمية لهذا الفن. فنحن ما زلنا بحاجة ماسة إلى كتاب متخصصين بنمو الطفل، يملكون المواصفات الضرورية للكتابة الإبداعية للفئة العمرية التي يتوجهون إليها."
من جهتها قالت الكاتبة ناهد الشوا إن "كتب الأطفال تعتبر أحد الأدوات المهمة لتلبية حاجات الطفل، فالكتابة للأطفال تعتبر أصعب أنواع الكتابة وهي من النوع السهل الممتنع، ويجب أن تخضع لاعتبارات تربوية وسيكولوجية، وأدبية وفنية."
وأضافت الشوّا أنّه " أجد نفسي ككاتبة للطفل أحمل رسالة، ولقد كتبت أولى كتبي لأطفالي بداية كوسيلة لتحفيز الخيال لديهم وحثهم على التفكير والتساؤل. وما زلت أكتب لأطفالي كأنهم قرائي من حول العالم .. بهدف أن أوضح بطريقة غير مباشرة ماهية السلوكيات السليمة أو لأعزز مفاهيماً فكرية مهمة مثل التفكير الحر ونبذ العنصرية وتقبل الآخر والمبادرة والتفكير خارج الصندوق."