إعداد جيمس مونتاغ وتحرير عمار بن عزيز
(CNN)-- مع ظهور ادعاءات جديدة حول كيفية اختيار منظمي نهائيات كأس العالم لكرة القدم، يلتقي قاض أمريكي سابق في قضايا الإرهاب، وشخصيات من حملة قطر لتنظيم مونديال 2022، الاثنين في سلطنة عمان.
وتعهدت قطر للقاضي مايكل غارسيا "بالتعاون الكامل"، مع اهتزاز الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" على فضيحة جديدة، بمطالبة صحيفة بريطانية بالتحقيق في كيفية منح تنظيم النهائيات.
ووفقاً لصحيفة "صنداي تايمز، فإنّ مسؤولاً قطرياً دفع أكثر من خمسة ملايين دولار، لتأمين دعم بلاده، وإنجاح سعيها لتنظيم مونديال 2022.
وقالت الصحيفة إنّ محمد بن همام دفع مبالغ سرية لمسؤولين في عدة دول.. وبن همام هو الرئيس السابق للاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وسبق له أن كان عضواً في الاتحاد الدولي وأحد أعضائه الأقوياء الـ24 الذين يشكلون مكتبه التنفيذي الذي يختص بالتصويت على اختيار الدول لتنظيم الأحداث الرياضية الدولية، ومنها عملية التصويت التي جرت عام 2010.
ورغم صغر مساحة البلد، وتقرير فني من الفيفا ساعتها أشار إلى أنّ هناك "مخاطر عالية" في حال نظمت قطر النهائيات والحرارة التي قد تبلغ أكثر من 50 درجة صيفاً هناك، صدمت قطر العالم بفوزها بالتنظيم، متغلبة على الولايات المتحدة وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية.
ملايين من رسائل البريد الإلكتروني
وقالت الصحيفة إنها اطلعت على ملايين من الرسائل الإلكترونية تعرض بالتفصيل عمليات الدفع لمسؤولين في الكاريبي وأفريقيا والهادئ، خصصت لضمان دعمهم للدولة الخليجية، حتى تحصل على تنظيم أكبر تظاهرة كونية.
وقالت نائبة رئيس تحرير الصحيفة لـCNN: "شيئاً فشيئاً اطلعنا على كل شيء، ورتبنا ما رأينا، إلى أن حصلنا على جوهر الحقيقة.. لقد رأينا ملايين الوثائق التي تثبت لنا، بما لا يدع مجالا للشكّ، أن الفساد كان حاضراُ.. هناك دليل واضح يربط بين عمليات الدفع لأشخاص لهم تأثير في قرار من سيتولى التنظيم.. ولديكم أيضاً أشخاص مستعدون لبيع تأثيرهم، وما فعله بن همام هو أنّه اشترى أشخاصاً يمكن أن يكون لهم تأثير."
نفي من قطر 2022
وردّ بن همام بالقول إنّه لن يصدر أي تعليق باستثناء أنّه يؤمن بأنّ "الحقيقة ستجد طريقها للرأي العام بطريقة أو أخرى محمد بن همام- عضو الفيفا السابق."
أما لجنة قطر 2022 فقد نفت بقوة أي "عمل خاطئ، أو معرفة بأن عمليات دفع قد تمت.. وأوضح البيان القطري أن "لجنة ملف مونديال قطر 2022 اتبعت أعلى المعايير الأخلاقية والمستقيمة في ملفها الناجح، لاستضافة كأس العالم 2022."
وشددت اللجنة القطرية على أن محمد بن همام، رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ، عضو اللجنة التنفيذية بالفيفا سابقاً، لم يلعب أي دور، رسمياُ أو غير رسمي، بملف استضافة قطر لكأس العالم 2002، ولا أي عضو آخر باللجنة التنفيذية."
وأشارت اللجنة إلى أن إحدى مهام فريق ملف الاستضافة كانت تتمثل في قيام السيد بن همام بإقناع أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا بمزايا الملف القطري، وأضافت اللجنة: "نحن نتعاون بشكل كامل مع رئيس لجنة القيم بالفيفا، السيد ميشيل غارسيا، في التحقيقات الجارية، ونظل في كامل الثقة في أن التحقيق الموضوعي سيتوصل إلى أننا فزنا بملف تنظيم كأس العالم 2022 بشكل عادل."
وختمت اللجنة القطرية بالقول: "لقد فزنا بحق استضافة البطولة لأننا قدمنا أفضل ملف، ولأنه حان الوقت للشرق الأوسط لتنظيم أول بطولة فيه لكأس العالم."
ادعاءات واتهامات لا تنتهي
وتقريباً بمجرد حصول قطر على تنظيم نهائيات كأس العالم 2022، تناسلت ادعاءات الرشوة والفساد عليه.. ففي تصويت 2010، تم طرد عضوين من المكتب التنفيذي بعد أن أظهر تحقيق مصور من نفس الصحيفة، العضوين النيجيري أموس أدامو، والتاهيتي رينالد تيماري، وهما يعرضان بيع صوتيهما مقابل أموال.
أما بن همام نفسه، فقد تمّت معاقبته بالمنع من أي نشاط رياضي مدى الحياة، بعد أن جرى اتهامه أولاً بعرض رشوة على مسؤولين رياضيين في الكاريبي، لحشد الدعم لحملته الفاشلة من أجل خلافة سيب بلاتر في رئاسة الفيفا عام 2011.. لكن لاحقاً تمت تبرئته من هذه الاتهامات، بعد جلسة استماع عقدتها محكمة التحكيم الرياضي.. غير أنّه جرى منعه لاحقاً على خلفية عدة اتهامات "بتضارب المصالح" في علاقة بالفترة التي قضاها رئيساً للاتحاد الآسيوي لكرة القدم.
تحقيق لجنة الأخلاقيات
وجاءت ادعاءات الصحيفة البريطانية الجديدة عشية تحقيق لجنة الأخلاقيات التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم، بشأن ملفي نهائيات 2018 و2022.
وتواصل اللجنة تحقيقها منذ سنتين، ويقودها القاضي غارسيا، الذي تعهدت له قطر 2022 بالتعاون الكامل.
ودعا الرئيس التنفيذي للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، غريغ ديك، الأحد، إلى إعادة التصويت في حال صحة مزاعم الفساد.. كما قال نائب رئيس الاتحاد الدولي، جيم بويسي، في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية "بصفتي عضواً في اللجنة التنفيذية، لم يكون لدي أي مشكل إطلاقا إذا كانت توصية التقرير (لجنة غارسيا) بأن تتم إعادة التصويت جيم بويسي نائب رئيس الفيفا ."
لكن رئيسة لجنة الإعلام في الفيفا، داليا فيشر، قالت لـCNN إن بويسي لم يكن يتحدث بصفته عضواً في الاتحاد الدولي، عندما أشار إلى إعادة التصويت، وأن الاتحاد لن يصدر أي بيان قبل اجتماع غارسيا بالبعثة القطرية في عمان (الاثنين). ولم يردّ غارسيا على محاولات CNN الاتصال به.
عالم من المحسوبية والتلاعب ورنين المال
ويكشف التقرير الصحفي ذو الـ11 صفحة، ما يشتبه في كونه عالماً من المحسوبية والتلاعب ورنين المال.. ومن ضمن الادعاءات أن بن همام كان يدير 10 حسابات لدفع أموال لثلاثين مسؤولاً رياضياً أفريقياً.
وضمن ملفها، صنّفت الصحيفة الوثائق التي أطلقت عليها "ملفات الفيفا: الوثائق"، حسب مواضيع وشخصيات، وكانت هناك أسماء مذكورة في عناوين الأقسام لشخصيات معروفة، من ضمنها النجم الليبيري السابق جورج واياه، والمغربي سعيد بلخياط، والكاميروني عيسى حياتو.
وتشير الادعاءات إلى أن ما لا يقل عن 1.6 مليون دولار دفعت لنائب رئيس الفيفا السابق، جاك وارنر.
ورغم أن بيان لجنة قطر 2022 نفى أي ضلوع لبن همام، إلا أن حواراً سابقاً يعود لسنة 2010، يبدو أنّه يعارض ذلك، ويؤكد أنه لعب دوراً في حملة قطر.
وقال رئيس حملة قطر 2022 الشيخ محمد بن حمد بن خليفة آل ثاني، في حوار مع World Football Insider : "عندما يتعلق الأمر بأعضاء اللجنة التنفيذية، فإنه لا تكون لنا أي علاقة بما يحدث داخلها، لأن الفيفا صارمة جداً.. ولكن خارج اللجنة التنفيذية وداخل حملتنا نفسها، فقد كان محمد بن همام معلماً جيداً لنا محمد بن حمد آل ثاني- رئيس لجنة حملة قطر 2022.. كان مساعداً جيداً لنا في تقديم المشورة فيما يتعلق بتراسلنا، وكيف يكون لذلك التاثير الأكبر.. لطالما كان يقدم لنا المشورة، ولطالما كان إلى جانبنا.. إنه من دون شكّ الأصل الأكبر من بين الأصول التي اعتمدت عليها حملتنا."
The Pacific Connection
أما أخطر الادعاءات المضرة فهي التي تتمحور حول رئيس اتحاد أوقيانوسيا، رينالد تيماري.. فبعد أن كشفته الكاميرا وهو يعرض صوته للبيع، تم تعليق عضويته في اللجنة التنفيذية، وكان- وفقاً للبريد الذي حصلت عليه الصحيفة - يستعد للاستقالة، بما يعني أن نائبه هو من سيشارك في عملية التصويت بدلاً منه.
لكن الصحيفة قالت إن بن همام دفع لتيماري أتعاب المحامين والتقاضي، والتي تناهز 300 ألف دولار، مما دفع التاهيتي إلى التراجع والاستمرار في منصبه، وهو ما نتج عنه استبعاد صوت أوقيانوسيا من عملية الاختيار، وهو الصوت الذي كان يفترض أن يذهب إلى أستراليا بدلاً من قطر.
وفي هذا الصدد، قال أحد أبرز الصحفيين المختصين بملفات تنظيم أحداث الاتحاد الدولي لكرة القدم، جيمس كوربيت: "لا أعرف ما إذا كان الأمر يتعلق بالجرم المشهود.. لكن الادعاءات المتعلقة بتيماري تنطوي على دلالة خاصة.. فهي تظهر بكل وضوح عملية تلاعب من قبل شخص قريب جداً من الحملة جيمس كوربيت - الكاتب الرياضي البارز."
ويعتقد كوربيت أنّ الكثير من الاتهامات بالرشوة ودفع مبالغ مشبوهة، يمكن أن تكون مرتبطة بحملة بن همام المجهضة في رئاسة الفيفا أكثر منها بملف قطر.. فوضع شخص، لنقل من الصومال مثلاً، في فندق خمس نجوم ومنحه 5000 دولار، لا يضمن لك الفوز بتنظيم كأس العالم، ولكنه قد يضمن دعم هذا الشخص في الفوز برئاسة الفيفا.. وهذا يمكن لأن يكون صالحاً للاستخدام في المستقبل."
اللوم على الفيفا وبلاتر؟
ويعتقد كوربيت أن المشكل ربما يقع أعمق من دفوعات فاسدة من بضعة أشخاص، "فالأمر لا يتعلق ببن همام ولا حتى قطر.. إنه يتعلق بنظام هيكلي من السهل التلاعب به.. كما أن هناك أسئلة مهمة تتعلق بسيب بلاتر.. فبن همام كان من الشخصيات الفاعلة الداعمة لقيادة بلاتر إلى رئاسة الفيفا عام 1998.. هل كان يستخدم مثل هذه الأساليب لهزم (السويدي رئيس الاتحاد الأوروبي السابق ونائب رئيس الفيفا السابق) لينارت يوهانسون؟.. السؤال ينبغي أن يطرح."
ووعدت الصحيفة بأن تكشف المزيد، لاسيما في البرازيل، والتي تبدأ النهائيات فيها في غضون أسبوعين.. وقالت نائبة رئيس تحرير الصحيفة، سارا باكستر لـCNN : "يتعين على قطر نفسها أن تدعو لإعادة التصويت.. لم نقل إنه ليس من حق الشرق الأوسط تنظيم هذا الحدث.. ولكن قطر فازت بأساليب فاسدة.. فكيف يمكن لك أن تنظم كأس العالم من دون كرامة؟.. يتعين عليهم أن يدعوا إلى إعادة التصويت.. إذا لم يقبلوا بذلك، فينبغي إجبارهم على ذلك.. فسمعة الفيفا على المحك سارا باكستر - نائبة رئيس تحرير صانداي تايمز."
نهاية اللعبة؟
وتأتي أحدث الادعاءات، في أعقاب تقارير سلبية بشأن ملفات على علاقة بنهائيات 2022 والدولة المضيفة لها.. فمحاولات تغيير موعدها من الصيف إلى الشتاء يثير الجدل والغضب في أنحاء من العالم.. وادعاءات بسوء معاملة بناة البنية التحتية ومعاناتهم من نظام الكفالة، تزيد يوماً إثر آخر، وتلطخ ما كان يوماً "مجيداُ" في تاريخ قطر القصير.
ولكن أحدث الادعاءات، إذا أرفقت بتقرير لجنة الأخلاقيات المحدد صدوره في 9 يونيو/ حزيران الجاري، يمكن أن يكون بداية نهاية اللعبة.
وقال كوربيت: "إنها نقطة تحول.. فللمرة الأولى شاهدنا ادعاءات قوية تتعلق بالتلاعب في عملية التصويت.. أعتقد أنها بداية النهاية."