كيف أدى نجاح المغرب غير المتوقع في كأس العالم إلى توحيد العرب؟

رياضة
نشر
8 دقائق قراءة

تقرير من إعداد دون ريدل وسيلين الخالدي ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN.

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- إنهم معروفون باسم "أسود الأطلس"، فريق كرة القدم المغربي الذي مزق كتب تاريخ كأس العالم. فلقد قلبت مسيرتهم كل التوقعات، وتقدموا بعمق داخل منطقة مجهولة، أبعد مما تمكنوا هم، أو أي فريق إفريقي آخر من تحقيقه من قبل.

ويعرف رسامو الخرائط للعبة الجميلة، أنه تم إعادة رسم خريطة كرة القدم العالمية بشكل دائم في قطر 2022. ولقد خلق إنجاز المنتخب المغربي، بعض اللحظات التي لا تنسى، حيث تعادل مع منتخب كرواتيا الذي وصل إلى نهائيات مونديال عام 2018، وحقق انتصارًا مثيرًا على بلجيكا صاحبة التصنيف الثاني عالميًا، وحقق انتصارًا آخر على كندا، مما جعل منتخب أسود الأطلسي يزأر متصدرًا مجموعته.

وأصبحت صور مدرب المنتخب المغربي وليد الركراكي، ولاعبوه وهم يرفعونه ببهجة في الهواء، واللاعبين وهم يسجدون على العشب مبدعة، لكن يمكن القول إن أقوى مشاهد البطولة وأكثرها دفئا للقلوب، كانت من هؤلاء الأبطال وهم يحتفلون علنا وبشكل جنوني بالفوز، مع أمهاتهم.

وقال ماهر مزاحي، خبير كرة القدم من شمال إفريقيا، لشبكة CNN، إن عائلات اللاعبين كانت جزءًا لا يتجزأ من نجاح الفريق الذي ينتمي لاعبوه المولودون في الخارج إلى ست دول مختلفة. وأضاف مزاحي أن مدربهم وليد الركراكي أخبرهم بقوله: "لدينا جميعًا خلفيات ثقافية مختلفة، لكن الشيء الوحيد الذي يوحدنا هو والدينا، ولن نحقق أي نجاح إذا لم يكن آباؤنا سعداء".

إنها أجواء تبعث على الشعور بالرضا، امتدت إلى ما هو أبعد من الملاعب والشوارع في قطر، وهي أجواء تتعارض مع الرواية الأكثر شيوعًا في العالم العربي، والتي تتمثل في البطالة المتزايدة بين الشباب، وتزايد معدلات الفقر والعنف السياسي.

وقالت سامية الرزوقي، الطالبة المرشحة لإعداد درجة الدكتوراة في تاريخ شمال غرب إفريقيا في جامعة UC Davis، لشبكة CNN، إنه "مصدر فرح للمنطقة التي شابها العنف والاضطراب، أعتقد أن لحظة الفرح هذه تلقى صدى لدى كل شخص مضطهد".

ولقد بعث نجاح المغرب أيضًا، حياة جديدة في هوية فقدت ذات يوم، حيث احتفل الناس من جميع أنحاء العالم العربي بانتصارات الفريق، وقال مزاحي: "إن الناس قالوا إن القومية العربية قد ماتت، ولم نعد متحدين، ولكن الأولمبياد، وتنافس الجزائر في كأس العالم 2014، وكأس العالم الحالي بشكل خاص، قد أصبحت هذه المشاعر القومية موجودة، ونراها تتجلى في الوقت الحالي".

وكانت القضية الفلسطينية، التي تعتبر قضية مركزية في هوية العديد من العرب حول العالم، حاضرة في كل مكان في الملاعب والشوارع خلال هذه البطولة. وعندما وقف الفريق المغربي بالعلم الفلسطيني خلال احتفالاته، استفادت القضية الفلسطينية من الدعم الإعلامي خلال البطولة.

وكشفت نزهة، ليلة الاثنين الماضي، في سوق واقف القطري عن مشجعي كرة القدم من جميع أنحاء المنطقة، الذين كانوا يرتدون العلمين الفلسطيني والمغربي. وتحدثت شبكة CNN مع فتيان يبلغون من العمر 15 عامًا من سوريا ومصر، ومع فتيات يبلغن من العمر 17 عامًا من السودان، ورجل من الجزائر وآخر من مدينة نابلس بالضفة الغربية. وقال أنور رمضان الذي سار في السوق مرتديًا وشاح "فلسطين الحرة" حول كتفيه، إن "كل الدول العربية من الخليج إلى المحيط جسد واحد". وأضاف لشبكة CNN، أنه يرتدي العلم الفلسطيني حتى يرى بقية العالم أن "فلسطين حاضرة في كل مكان".

مشجعون مغاربة في المونديال
جماهير المغرب تحتفل بفوز فريقها في مواجهة كندا حاملين العلم الفلسطيني في المونديال

وقال رمضان: "نأمل أن يتمكن القادة العرب من توحيد هذه المنطقة بنفس الطريقة التي استطاع بها أمير قطر توحيد العرب في هذا البلد خلال المونديال".

ومن جانبه، قال عمرو علي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الدار البيضاء، إن قطر منحت أنصار القضية الفلسطينية مساحة "غير مفلترة ولا وساطة فيها"، حيث يمكنهم التعبير عن تضامنهم مع محنة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

وفي عام 2020، كان المغرب واحدًا من أربع دول عربية قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، متخلية عن سياسة إقليمية طويلة الأمد، اشترطت التطبيع بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، حيث لا تزال إسرائيل تفرض حصارًا إلى جانب مصر على القطاع. وتسلط مظاهر التضامن الكاسحة مع الفلسطينيين، الضوء على الانفصال بين المواقف الرسمية للحكومات، والعداء المستمر لإسرائيل لدى الشعوب.

وأضاف عمرو علي: "أظهر كأس العالم تناقضًا صارخًا بين الحكام والمحكومين، بين الأنظمة والشعوب، ففلسطين لم تذهب طي النسيان".

كما أن نجاح المغرب في عام 2022، والفخر الإقليمي الذي تزايد نتيجة لذلك، يتعارض مع الرواية السائدة في التحضير لهذه البطولة، والتي ركزت على انتهاكات حقوق الإنسان والحقوق المدنية. فبينما كانت هذه الأمور مهمة لتسليط الضوء عليها، فقد جعل التركيز الفظ على تلك للقصص، العديد من سكان قطر والمنطقة بشكل عام يتهمون الكثير من المنتقدين بالعنصرية.

وبعد المباريات التي تغلب فيها المغرب على كندا وإسبانيا ثم البرتغال، تحدثت شبكة CNN مع المشجعين المبتهجين الذين جاءوا من المغرب ومصر والمملكة العربية السعودية وأورلاندو ولندن، وغالبا ما كانت ردود فعلهم المبتهجة بالنتيجة، هي الثناء على مضيفي البطولة.

وقال أحد الرجال قبل أن يجرفه حشد المشجعين: "أعتقد أنني بالتأكيد في حلم، شكرا لقطر على التنظيم الرائع"، وأعرب مشجع آخر عن أمله في أن يجعل المغرب، المنطقة العربية فخورة، وقال: "أود أن أشكر قطر على هذا الحدث، الذي يجمع بين مختلف الجنسيات، ويجعلنا نشعر بأننا مثل الإخوة".

وقبل أيام من تصويره وهو يرقص مع والدته، شكر لاعب وسط المنتخب المغربي سفيان بوفال جمهوره، وكل المغاربة في جميع أنحاء العالم، وكل الشعوب العربية وكل المسلمين.

لاعبو المغرب
لاعبو منتخب المغرب يحتفلون بهدف يوسف النصيري في مرمى البرتغال خلال مباراة ربع النهائي في المونديال

لكن مدربه وليد الركراكي حاول إعادة توصيف فوز بلاده، على أنه إنجاز لقارته السمراء وليس لمن يتحدثون باللغة العربية. وقال الركراكي لمجلة "جول": "لست هنا لأكون سياسيًا، نريد رفع علم إفريقيا عاليًا مثل السنغال وغانا والكاميرون، نحن هنا لتمثيل إفريقيا".

ويمكن أن تشعر أن هناك إحساسًا بالمصير لكل شيء، ففاز فريق كرة القدم المغربي على اثنين من المستعمرين السابقين للمغرب، وهما: إسبانيا والبرتغال، قبل أن يواجه فرنسا، ثالث المستعمرين في نصف النهائي التاريخي، مساء الأربعاء.

وكالعمل الفني، يمكن للجميع رسم تفسيرهم الخاص لمسار المغرب نحو المجد. ولطالما امتلكت الرياضة القدرة على تغيير العالم، ولكن بغض النظر عما يحدث بسبب هذه الأسابيع الأربعة في قطر، يعلم اللاعبون والمشجعون والصحفيون الذين يتابعون المباريات، أنه لا داعي لتضخيمها.

وقال الصحفيون الرياضيون المغاربة الذين يغطون الألعاب إنهم يحاولون استيعاب كل التفاصيل، لأنهم يعرفون أنه في غضون 40 عامًا، ستطالب الأجيال القادمة بإعادة إنتاج هذه الأحداث التاريخية.

وبحلول ذلك الوقت، ستكون القصة أسطورة، سيصبح اللاعبون شخصيات أسطورية تقريبًا، وسيصبح المشجعون وبخاصة النساء وأمهات اللاعبين، أمرًا محوريًا في ذلك، ولن يتم نسيان فخر أمهات لاعبي أسود الأطلس أبدًا.

ساهم في إعداد التقرير: كيم مخلوف وعباس عاصم من CNN في الدوحة.