دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- كان بونيفاس باراسا، يعمل عامل بناء في قطر لمدة ثلاث سنوات، لكنه مشجع لكرة القدم طوال حياته، يقول الآن إنه أصيب بصدمة قوية من التجربة، لدرجة أنه انزعج من مشاهدة المباريات خلال كأس العالم في قطر 2022.
وأضاف باراسا، 38 عامًا، أنه شاهد زميلا في العمل يموت بعد انهياره من الحرارة الشديدة، التي يمكن أن تصل إلى 120 درجة، ويشتبه في أنه قد أصيب بالجفاف بسبب انقطاع المياه المحدودة المقدمة للعمال لفترات. لم تتمكن شبكة CNN من التحقق من ادعائه بشكل مستقل.
وأوضح باراسا الذي كان يعمل في استاد لوسيل لشبكة CNN: "رأيت المشرف على العمال، ينادي عاملا كينيًا آخر، ووصفه بأنه "قرد أسود كسول"، وعندما سأله الكيني: "لماذا تناديني بالقرد الأسود؟" صفعه المشرف.
وتعكس تلك الرواية آراء العمال الأجانب الآخرين، ومعظمهم من جنوب آسيا وإفريقيا، الذين لعبوا دورًا مهمًا في تحضير قطر لكأس العالم.
واعترفت السلطات القطرية بوقوع مئات الوفيات في قطاع البناء والصناعات ذات الصلة بأنشطة المونديال، خلال 13 عامًا، منذ أن منح الفيفا البطولة للدولة الخليجية. كما توفي عاملان مهاجران في ظروف غامضة خلال البطولة.
ففي 10 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، سقط حارس الأمن الكيني جون نغوي كيبو، البالغ من العمر 24 عامًا، من الطابق الثامن في استاد لوسيل وتوفي في المستشفى، حسب ما أفادت عائلته لشبكة CNN، كما توفي عامل آخر في منتجع استخدمه المنتخب السعودي خلال منافسات مرحلة المجموعات بالبطولة.
وقال منظمو البطولة إنهم يحققون في وفاة كيبو، الأمر الذي جدد التدقيق في معاملة قطر للعمال المهاجرين مع اختتام نهائيات كأس العالم.
النضال من أجل حقوق العمال
وبينما يتخذ التحقيق مجراه، تستمر شكاوى العمال الموجودين حاليًا في قطر، بحسب ما أفاد أحد نشطاء حقوق المهاجرين المقيمين في كينيا، الذي قال إنه يتلقى آلاف الرسائل من العمال المقيمين الموجودين في منطقة الخليج.
ويقول جيفري أوينو، 40 عامًا، إنه عمل في وظيفة ضابط سلامة في قطر من 2018 حتى يونيو/ حزيران الماضي، عندما قامت السلطات القطرية بترحيله. ولقد دافع عن حقوق المهاجرين عندما كان هناك ولا يزال يفعل ذلك حتى اليوم. وأضاف أوينو لـCNN، أن العديد من الشكاوى التي يتلقاها تتراوح بين حجب الأجور والاعتداء الجسدي.
وأكد أوينو أنه عانى بشكل مباشر من الانتهاكات التي يواجهها بعض العمال المهاجرين عندما كان يعمل في قطر. ففي أسبوعه الأول في 2018، قال إنه تعرض لضغوط لتوقيع عقد عمل لم يقرأه، ورفض في البداية لكنه وقع في النهاية بعد التفكير في مقابل أجر التوظيف البالغ 1500 دولار التي دفعها لوكيل في كينيا لتأمين وظيفة بـ400 دولار شهريًا، وعندما وصل إلى هناك، قال إنه كان يتقاضى 200 دولار فقط في الشهر، ويعيش مع سبعة أشخاص آخرين في غرفة واحدة.
ويقول أوينو، بصفته مفتشًا للسلامة، إنه تحدث كثيرًا عن عمال البناء في استاد لوسيل الذين يعملون في درجات حرارة قصوى. لكنه تم تجاهله. وأوضح أن السلطات احتجزته ثلاث مرات دون إبداء أسباب، وأرسلته إلى معسكر للترحيل، لأنه اشتكى من سوء معاملة زملائه الموظفين. وقال إنه طعن في الترحيل مرتين وأُطلق سراحه. لكن بعد أن احتجزته السلطات للمرة الثالثة، قال إنه توقف عن النضال حتى تم طرده من البلاد.
واتصلت CNN بالحكومة القطرية للتعليق على ظروف عمل المهاجرين في البلاد، وكذلك على مزاعم أوينو، لكن مسؤولا قطريًا قال في وقت سابق، لشبكة CNN، إن أي أحاديث بأنه تم سجن أو ترحيل العمال دون تفسير، هي مزاعم كاذبة.
وبعد عودته إلى نيروبي، أدى كفاح أوينو من أجل المعاملة العادلة للمهاجرين في قطر، إلى اكتسابه لقب "السيد"، موضحا أنه يواصل مساعدة العمال في الخارج ويدافع عن تلقيهم التعويضات من هيئات مثل الفيفا.
إغراء الفرص في الخارج
يعمل أوينو أيضًا مع إكواديم - Equidem، وهي منظمة لحقوق الإنسان والعمالة، تقوم بتوثيق تجارب العمال الذين عادوا إلى كينيا، ويقضي وقته في حي غاتشي في ضواحي العاصمة نيروبي.
وكانت المنطقة ذات الدخل المنخفض، التي تنتشر فيها الجريمة وعنف العصابات، منذ ذلك الحين، هدفًا رئيسيًا لمن يسعون لاستقطاب العمالة، ويعدونهم بفرص مربحة في الشرق الأوسط. وبالتالي فالوعود مغرية بالنظر إلى معدل البطالة المرتفع في كينيا، والذي يبلغ 5.7٪ وهو الأعلى في شرق إفريقيا.
وتحقق Equidem في مزاعم بشأن سوء المعاملة، أبلغ بها العمال المهاجرون الحاليون والسابقون في أنحاء منطقة الخليج، لكن في تقرير الشهر الماضي، ركزت المنظمة على قطر، وكشفت عن انتهاكات واسعة النطاق بما في ذلك العمل القسري، والأجور غير المدفوعة، والتمييز على أساس الجنسية، والانتهاكات المنهجية، وذلك من خلال مقابلات مع 60 عاملا مهاجرا، يعملون في ملاعب كأس العالم.
وفي رد مكتوب على التقرير، قال منظمو كأس العالم إن التقرير "مليء بالمخالفات" وشددوا على التدابير التي تم وضعها لحماية العمال، والتقدم الذي أحرزته قطر لتحقيق الإصلاحات، مشيرين إلى أن التزامهم بضمان الصحة، وسلامة العمال وكرامتهم "كانت" ثابتة " منذ بدء الإنشاءات.
وأضافت اللجنة العليا للمشاريع والإرث في قطر أنه بينما "هناك دائمًا مجال لتحقيق التحسن، يقدم التقرير، صورة غير متوازنة تمامًا للتقدم الكبير مقابل التحديات الحتمية المتبقية"، وأوضحت: "لقد كنا دائما شفافين بشأن تحدياتنا والتقدم وحافظنا على حوار مفتوح مع جميع أصحاب المصلحة لدينا".
ومن جانبه، قال رئيس اللجنة العليا للمشاريع والإرث، حسن الذوادي، في مقابلة تلفزيونية بريطانية الشهر الماضي، إن ما بين 400 و500 عامل مهاجر لقوا حتفهم في جهودهم لتجهيز الدولة الخليجية لكأس العالم، وهو رقم أكبر بكثير مما اعترفت به السلطات القطرية من قبل، لكن الذوادي قال، إن عددًا قليلا فقط من القتلى كانوا على صلة مباشرة ببناء الملاعب.
وقامت قطر بخطوات نحو الإصلاح ردًا على الانتقادات ووقعت اتفاقية مع منظمة العمل الدولية في عام 2017. فعلى سبيل المثال، فككت نظام الرعاية الحكومي، المعروف باسم الكفالة، ومنحت العمال حرية تغيير وظائفهم قبل انتهاء العقد دون موافقة صاحب العمل.
كما أصبحت قطر أول دولة في المنطقة، تطبق حدا أدنى غير تمييزي للأجور، وسياسة تطالب أصحاب العمل بدفع أجور العمال في الوقت المحدد، واعتمدت سياسة جديدة بشأن الصحة والسلامة والتفتيش.
وتمت الإشادة بقطر على الخطوات التي اتخذتها لحماية العمال المهاجرين بشكل أفضل. ومع ذلك، أكدت منظمة العمل الدولية، الشهر الماضي، أن هناك حاجة إلى المزيد من العمل مع استمرار ورود تقارير عن العمال الذين يواجهون الانتقام من أصحاب العمل واستمرار تأخر الأجور.
شهرة المهاجرين عبر الإنترنت
ومع انطلاق كأس العالم، تولى بعض العمال المهاجرين السود، أدوارًا واضحة في بلد غالبًا ما يكونون فيه جزءًا من القوة العاملة، ولكن ليسوا في المجتمع.
وأصبح الكيني أبو بكر عباس - المعروف أيضًا باسم "رجل المترو"، رمزًا مهمًا على وسائل التواصل الاجتماعي، كونه يوجه المشجعين إلى الطريق ومترو الأنفاق باستخدام مكبر صوت، ورفع منظمو البطولة، مكانة الكيني البالغ من العمر 23 عاما، في محاولة واضحة لمواجهة الانتقادات حول معاملة قطر للعمال المهاجرين. حتى أنه خرج على أرض الملعب كضيف مفاجئ قبل مباراة إنجلترا ضد الولايات المتحدة، حيث قاد الاستاد المزدحم بهتافات تردد "مترو"!
وفي مكان آخر في الدوحة، تمتع الكيني، دينيس كاماو، بشهرة عبر الإنترنت كمراقب متحمس لتنظيم حركة المرور، حيث كان يرقص وهو يوجه السيارات والمشاة إلى الملاعب.
ومع ذلك، فإن المشهد يكذب الواقع القاتم لأولئك الذين يعملون وراء الكواليس بحسب ما يقول مالكولم بيدالي، وهو مدافع كيني عن حقوق المهاجرين وحارس أمن سابق كان يعمل في قطر، حاول فضح ظروف العمل والمعيشة التي يعاني منها المهاجرون.
حيث وصف الأوضاع في محطة المترو التي كان عباس يوجه المشجعين إليها بأنها مروعة للعمال المهاجرين، ويقول بدالي إن السلطات القطرية وضعته في الحبس الانفرادي عام 2021، بعد أن دعا إلى تحسين ظروف العمال الوافدين على وسائل التواصل الاجتماعي.
ووجهت له الحكومة القطرية، تهمة تلقي أموال من "عملاء أجانب" لعمله مع منظمات غير حكومية دولية، كما اتهمته بنشر معلومات مضللة على الإنترنت. وبعد أن قامت منظمات مثل العفو الدولية بحملة من أجل إطلاق سراحه، تم إطلاق سراحه في نهاية المطاف، وقال إن محنته المؤلمة دفعته إلى مغادرة قطر، وأضاف أنه قلق على مصير العمال في قطر بمجرد انتهاء كأس العالم وتلاشي الانتباه، كما يخشى أن يتم تقييد حقوق العمال دون أي مساءلة.
وقال بدالي: "لا يزال لدينا أشخاص لا يتقاضون رواتبهم، ولا يزال الناس يعيشون في ظروف صعبة، ولا يزال لدينا أشخاص يواجهون الاعتداء الجسدي واللفظي والجنسي والتمييز وساعات العمل الطويلة وظروف العمل الرهيبة".