دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- متى كانت آخر مرة رأيت فيها جداراً يجسد بين تشققاته قصص الماضي في وسط الغابة الخرسانية والهياكل العصرية اللامعة التي تحاصرنا من كل جهة؟ وفي ظل التطور العمراني الذي نشهده، أصبحت ناطحات السحاب بأسطحها الملساء مشهداً متكرراً نراه كل يوم. وشجع ذلك المصور الألماني بيتر أورتنر على توثيق ما تبقى من هياكل ملونة تُعد شواهد على حقبةٍ منتهية في التاريخ.
وعلى مدى 7 أعوام، سافر أورتنر حول مختلف الدول التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي سابقاً من من أجل توثيق مواقف الحافلات القديمة التي تُعتبر شواهد على تلك الحقبة التي انهارت منذ عقود.
ووثق أورتنر مواقف الباصات الملونة التي وجدها في كتاب يُدعى "Back in the USSR: Soviet Roadside Architecture from Samarkand to Yerevan". ومن ضمن البلدان التي حرص على زيارتها من أجل مشروعه التصويري هي أذربيجان.
وفي مقابلة مع موقع CNN بالعربية، أشار المصور إلى أن مصدر إلهام الكتاب كانت رحلة أخذها إلى أوزباكستان برفقة زوجته، فقال: "بعد عدة أيام في على الطريق، لاحظنا هذه الهياكل في الطرق السريعة.. ولذلك، زرنا هذا البلد مرة أخرى فقط لالتقاط هذه الصور، ولا شيء غير ذلك".
وبعد ذلك، تشجع المصور على زيارة بلدان أخرى مثل قيرغيزستان، وجورجيا، وأوكرانيا، وأذربيجان.
نسمة من الهواء المنعش وسط الهياكل المكررة
ويعتقد أورتنر أن مواقف الباصات من الحقبة السوفييتية تعطي مظهراً مختلفاً في وسط الأبنية العصرية التي اعتدنا على رؤيتها، فقال: "هناك تنوع كبير من ناحية الشكل، والألوان، والمواد. وذلك بالمقارنة مع أماكن الانتظار الموحدة الموجودة في الغرب".
وفي حديثه عن مواقف الباصات التي وثقها في أذربيجان، قال المصور إن تصاميمها تتناسب مع نمط العمارة الأذربيجانية القديمة، مضيفاً أن أنماطها تذكره بالمساجد أو حتّى النُزُل التاريخية التي كانت القوافل تتوقف عندها في القرون الوسطى.
وما يجعل هذه الهياكل مثيرة للاهتمام هي تجسيدها لأنماط وألوان تتعلق بالمنطقة التي تتواجد فيها، مشيراً إلى أنه "في بعض الأحيان، هناك تصاميم فسيفسائية تتعلق بقصة مكان، أو منطقة ريفية مجاورة".
ورغم كون بعض مواقف الباصات الملونة هذه مهترئة، إلا أنه من المهم رؤية التصاميم الأصلية، والأفكار وراء هذه الهياكل، وفقاً لما قاله المصور الألماني.
وبما أن الحقبة السوفييتية كانت تُعرف بقساوتها، بحسب تعبير أورتنر، فهو يرى الحرية والبراءة في تصاميم هذه الهياكل.
وأشار المصور إلى الجانب الاجتماعي لمواقف الباصات هذه، فقال: "هي مصممة للإنتظار، وهي عبارة عن نقطة للقاء.. ولا تزال تُستخدم إلى اليوم".
جواهر مخبأة في بيئة سريعة التغيّر
وبسبب التطورات السريعة التي تشهدها أذربيجان، تشهد البلاد تغيراً في البُنى التحتية، والتي تتضمن الطرق ومواقف الباصات، وفقاً للمصور.
وشكل ذلك تحدياً أمام مشروع أورتنر بسبب استبدال مختلف الهياكل في البلاد بهياكل عصرية في بعض الأحيان.
وخلال عمله على كتابه، زار المصور الألماني أذربيجان مرتين في عام 2015 للقيام بالبحث والتصوير، وقال مؤكداً: "هناك بعض الأماكن (مواقف الباصات) المتبقية في الجبال وفي المناطق الجنوبية. وعندما يأتي الأمر لباكو، لم يتبق شيء".
ورغم كون بعض صوره تعكس السكينة والهدوء، إلا أن المصور أكّد أنه التقطها بجانب طرق سريعة صاخبة، مما جعل عملية التصوير أصعب.