دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- خلال فترتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وضع المعماريون الحالمون تصميمات لهياكل معمارية عملاقة في مخيلاتهم، وهي متعددة الأغراض، ويمكن أن تضم مجتمعات أو حتى مدناً بأكملها.
وغالباً ما كانت الهياكل المعقدة والمكلفة في البناء مستوحاة من المُثُل الطوباوية. ومع مساحات المعيشة المعيارية الموضوعة وسط أُطر عملاقة للمناطق العامة ووسائل النقل المترابطة، لم تكن الهياكل العملاقة مجرد مبان فحسب، بل مخططات لإعادة تنظيم المجتمع بطريقة أكثر إنصافاً ومرونة.
وكمفاهيم معمارية، كانت الهياكل العملاقة شائعة في جميع أنحاء العالم، من طوكيو ولندن إلى محافظة توكومان في الأرجنتين، ولكن عدد قليل منها اكتمل بالفعل أو بدأ العمل عليه.
ومع وجود العديد من مدارس الفكر والتفسيرات، قد يكون تحديد مفهوم البنية العملاقة غامضاً.
وتشمل الأمثلة الأشهر على هذا المفهوم المجمع السكني المكدس، الذي يحمل اسم "Habitat 67" في مونتريال، للمعماري موشيه صفدي، والذي شُيّد في عام 1967 على نطاق أصغر، ومشروع "Marine City" الذي لم ير النور، للمعماري كيونوري كيكوتاكي، من عام 1958.
وتخيل كيكوتاكي أبراجاً شبيهة بالأشجار مع مساكن تشبه الكبسولات، ترتفع من جزر خرسانية عائمة مبنية قبالة سواحل اليابان، بحسب رؤيته.
ورغم من تلاشي الحماس للهياكل العملاقة، إلا أن الخيال العلمي منحها مساحة أكبر للازدهار، من "نجمة الموت" في فيلم "حرب النجوم" إلى إعادة التخيل المستقبلي لمدينة نيويورك في فيلم "العنصر الخامس"، بشبكتها من المباني المعدلة وأنماط حركة المرور العمودية.
صعود الهياكل العملاقة
ولم تكن الهياكل العملاقة مجرد أفكار خيالية. ومن خلال معالجة قضايا مثل الإسكان ميسور التكلفة، وتناقص المساحات الحضرية المفتوحة، يعتقد أنصارها أنها ضرورية للتخطيط الحضري المستقبلي.
وكان مفهوم المعماري السويسري الفرنسي، لو كوربوزييه، الذي يحمل اسم "Fort l'Empereur" من عام 1930، بمثابة أحد أكثر تصميمات الحركة تأثيراً.
وأشار الناقد الراحل راينر بانهام في استطلاع عام 1976 بعنوان "البنية العملاقة: "المستقبل الحضري للماضي الحديث"، والذي أعيد إصداره مؤخراً من قبل مطبعة موناسيلي، إلى أن التصميم يشبه "خزانة كتب عملاقة من الخرسانة المسلحة على رفوفها، بنى سكانها منازل من طابقين لتناسب أذواقهم".
ولكن حتى قبل لو كوربوزييه، كان من الممكن رؤية الأمثلة على الهياكل العملاقة في أعمال المهندس المعماري المستقبلي أنطونيو سانت إيليا، الذي توفي عام 1916، وألهم العوالم السينمائية لفيلم الخيال العلمي "بليد رانر" وفيلم "متروبوليس" الملحمي من عام 1927.
وأشار بانهام أيضاً إلى جسر بونتي فيكيو في فلورنسا، والمحطة المركزية الكبرى في مدينة نيويورك باعتبارهما أسلافاً غير مقصودة للحركة، بسبب تخطيطاتهما القابلة للتكيف ومتعددة الأغراض.
وفي عام 1959، بدأ المهندس المعماري كينزو تانجه، الذي كان حينها أستاذاً في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومجموعة من طلابه حركة العمارة الاستقلابية اليابانية، التي تعد أول مجموعة رسمية مخصصة للهياكل الضخمة، مع خطتهم الخاصة بهيكل سكني ومواصلات على هيئة حرف "A"، مكتمل مع الطرق والسكك الحديدية الأحادية.
وعلى مدى السنوات القليلة التالية، بعد ظهورهم في مؤتمر طوكيو للتصميم في عام 1960، كشف أتباع مبادئ العمارة الاستقلابية عن مقترحات سعت إلى توسيع المساكن العائمة أو استخدام الأرض بطريقة أكثر ديناميكية، بما في ذلك مشروع خليج طوكيو، وهو عبارة عن امتداد هائل للمنازل حول سلسلة من الطرق السريعة الدائرية التي تعبر المياه.
أفكار قديمة أم حمقاء؟
ولفت بانهام إلى أنه "إذا نظرنا إلى الوراء في النصف الأول من الستينيات والهياكل الضخمة المميزة لتلك الفترة، فإنه من الملاحظ، بل إنه من المثير للقلق، أن قلة منها تقدم في الواقع أي مقترحات صامدة بشأن كيفية تأمين العناصر المؤقتة للهيكل الضخم".
وقد تم بناء بعض المقترحات الأكثر تواضعاً، بما في ذلك مركز مدينة كومبرنولد في اسكتلندا، ولكن بعضها لم يُقابل بالترحيب.
وكتب بانهام أن الهياكل الضخمة التي تم الانتهاء منها بالفعل ضمنت إلى حد ما وجود استقبال عدائي ونقد لاذع من قبل الصحافة، موضحاً أن "بناء الهياكل استغرق وقتاً طويلاً بسبب حجمها الكبير، حتى أن الموضة الفكرية التي أنجبتها قد تلاشت قبل اكتمالها".
ورغم من فشل الهياكل المعمارية العملاقة في تغيير المجتمع بالطريقة التي أرادها أصحابها، فإن مقترحاتهم الحماسية لا زالت تلهم كيفية تصورنا للمستقبل، على كوكب الأرض وخارجه.
وجنباً إلى جنب مع كتّاب وصانعي أفلام الخيال العلمي، نظرت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" في الهياكل المعمارية العملاقة لبناء رؤى جديدة لكيفية عيش البشر بين النجوم.