دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- لأكثر من 20 عامًا، ظل تمثال "عمود العار" بمثابة نصب تذكاري لضحايا مذبحة ميدان تيانانمن عام 1989، حين استخدم الجيش الصيني القوة المميتة في مواجهة الاحتجاجات التي قادها طلاب الجامعات في بكين.
وارتفع هذا التمثال الذي يبلغ طوله 8 أمتار فوق منصة في حرم جامعة هونغ كونغ. ويعتبر أحد أواخر النصب التذكارية لضحايا القمع الدموي المتبقي على أراضي هونغ كونغ.
لكن في منتصف ليل الخميس، وُضعت حواجز صفراء حول التمثال، وسُمعت أصوات هدم التمثال تحت جنح الظلام.
وتُظهر الصور التي تم التقاطها أثناء عملية الإزالة عمالًا يلفون التمثال بطبقة واقية ووضعه على رافعة خارج الحرم الجامعي.
وقال مجلس إدارة جامعة هونغ كونغ، في بيان إن التمثال سيتم حفظه.
وأوضح شاهد عيان صباح الخميس أن موقع التمثال فارغ حاليًا، وشوهد طلاب يبكون بعد إزالته داخل الحرم الجامعي. ووافقت شبكة CNN على عدم الكشف عن اسم هذا الشاهد خوفًا من انتقام السلطات.
ويعتبر الخوف من الانتقام شائعًا بين أولئك الذين يتحدثون ضد السلطات في هونغ كونغ، منذ أن فرضت بكين قانون الأمن القومي على المدينة عام 2020، جرّاء تعاقب جرائم مثل التخريب وغيرها، بأحكام تصل إلى السجن مدى الحياة.
وقال مجلس جامعة هونغ كونغ في بيان إن إزالة النصب التذكاري "استند إلى مشورة قانونية خارجية وتقويم المخاطر لمصلحة الجامعة".
وكان التمثال، الذي تم وضعه في مبنى Haking Wong التابع للجامعة، جزءًا من سلسلة أعمال للفنان الدنماركي ينس غالسكيوت، التي أنجزها عام 1997.
وحفر على التمثال قول: "لا يمكن للكبير أن يقتل الصغير إلى الأبد".
وبُني التمثال حتى يكون بمثابة "تحذير وتذكير للناس بحدث مخزٍ لا يجب أن يتكرر أبدًا"، وفقًا للوصف الموجود على موقع غالسكيوت على الإنترنت.
وبعد تسليم السلطة عام 1997، كان يُنظر إلى الوقفات الاحتجاجية المستمرة، والنصب التذكارية المماثلة، على أنها اختبار حاسم للحكم الذاتي المستمر في هونغ كونغ والحريات الديمقراطية، على النحو الموعود في دستورها الفعلي.
رغم ذلك، تمّ سجن عشرات السياسيين والنشطاء البارزين المؤيدين للديمقراطية أو الهاربين من المدينة، تحت ظل قانون الأمن القومي، وتم إبعاد العديد من مجموعات المجتمع المدني.
وتأثرت محاولات إحياء ذكرى أحداث 4 يونيو/ حزيران بشكل سلبي.
وحظرت الشرطة آخر وقفتين احتجاجيتين في تيانانمن، بحجة القيود الموضوعة بسبب تفشي فيروس كورونا.
وتم سجن نشطاء بارزين، بينهم جوشوا وونغ، ورجل الإعلام جيمي لاي، في وقت لاحق لمشاركتهم في احتفال عام غير مصرح به، عام 2020.
وتم إجبار متحف في هونغ كونغ مخصّص لضحايا 4 يونيو/حزيران على الإغلاق في وقت سابق من هذا العام، حيث نقل مجموعته بالكامل على الإنترنت مستشهدًا "بالقمع السياسي".
وبعد أنباء إزالة التمثال، كتب الفنان غالسكيوت في حسابه عبر تويتر: "لقد صُدمت تمامًا من تدمير جامعة هونغ كونغ لعمود العار.. إنه أمر لا يمت إلى المنطق بصلة".
وأضاف في بيان: "نشجع الجميع على التوجه إلى جامعة هونغ كونغ، وتوثيق كل ما يتعرّض له النصب التذكاري.. لقد فعلنا كل ما في وسعنا لإخبار جامعة هونغ كونغ بأننا نرغب بشدة في استعادة التمثال إلى الدنمارك".
وعن إزالة التمثال، قال غلاسكيوت "إنه اعتداء قوي على حرية الكلمة في العالم".
وقال لـCNN إنه يأمل في أن يعود التمثال إلى الدنمارك فيتمكن من إعادة تجميعه. ويأمل أن ينقله في ما بعد إلى واشنطن العاصمة، حيث يأمل نصبه أمام السفارة الصينية. هناك، سيمرر رسالة إلى بيكين أن المجازر تبقى في الذاكرة وتتداول باستمرار.
وقال مجلس جامعة هونغ كونغ في بيانه: "لم يحصل أي طرف، على أي موافقة من الجامعة لعرض التمثال في الحرم الجامعي.. وتملك الجامعة الحق في اتخاذ الإجراءات المناسبة للتعامل معه في أي وقت".
وأضاف أن الجامعة "قلقة للغاية بشأن قضايا السلامة المحتملة الناتجة عن التمثال الهش.. وأن النصائح القانونية الأخيرة حذرت الجامعة من أن استمرار عرض التمثال من شأنه أن يعرّض الجامعة لمخاطر قانونية، بناءً على قانون الجرائم الصادر في ظل حكومة هونغ كونغ الاستعمارية".
وهناك جهود جارية بالفعل للحفاظ على ذكرى التمثال، حيث قامت المجموعة الناشطة الفنية "ليدي ليبرتي هونغ كونغ" بإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد، تم صنعه من خلال استخدام أكثر من 900 صورة.
وقال مؤسس المجموعة، أليكس لي: "الفكرة هي أنه يمكن للجميع طباعة نسخة منها ووضعها في أي مكان يريدون.. في العصر الرقمي، لا توجد قيود على ما يمكنك فعله بالأشياء الافتراضية أو المادية.. نأمل أن يحاول الجميع الحفاظ على هذا الرمز".