دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تُعتبر ماريا بريماتشينكو واحدة من بين أعظم الفنانين العصاميين في القرن العشرين، وهي أيضًا بمثابة رمز للهوية الوطنية الأوكرانية.
وستجد لوحاتها الخيالية، التي أشاد بها أمثال بابلو بيكاسو، في بعض أهم المتاحف في البلاد.
ولكن، بعد مرور 25 عامًا على وفاتها، يهدد الغزو الروسي لأوكرانيا إرث بريماتشينكو.
وقالت وزارة الخارجية الأوكرانية، الأسبوع الماضي، إن العديد من لوحات الفنانة كانت قد دُمرت بمتحف في منطقة إيفانكيف، على بعد حوالي 50 ميلاً شمال غرب العاصمة كييف، في أعقاب هجوم شنته القوات الروسية.
ويظهر مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع على الإنترنت ألسنة اللهب وهي تجتاح المؤسسة المؤلفة من طابق واحد، والتي وصفت أعمال بريماتشينكو سابقًا بأنها "فخر المتحف".
وكان يُعتقد أن صورها الزاهية، التي تعكس النباتات والحيوانات، إضافة إلى المزارعين الذين يقومون برعاية المحاصيل وحراثة الحقول، قد فُقدت في البداية.
ولكن، ظهرت تقارير تشير إلى إنقاذ أكثر من عشرة من أعمالها من الحريق.
وفي الواقع، تعتقد مؤسسة "Maria Prymachenko Family Foundation"، التي تديرها حفيدتها الكبرى أناستاسيا، أن جميع لوحات بريماتشينكو قد أُنقذت من المتحف، من قبل أحد السكان المحليين.
وقالت المحامية ناتاليا غناتيوك، وهي إحدى شركاء المؤسسة، عبر الهاتف من غرب أوكرانيا: "تمكن رجل بطل من إبعاد اللوحات عن النار.. هناك 14 منها، لكنها لا تزال غير آمنة".
ولكن، يُعتقد أنه تم تدمير عملين خزفيين.
وبينما قالت غناتيوك إن مؤسستها كانت على اتصال منتظم بالرجل، إلا أنه تم فقدان الاتصال به مع استمرار القتال في الضواحي شمال كييف.
ورفضت بدورها ذكر اسمه أو التعليق على المكان المحتمل للفن خوفًا على سلامة كليهما.
وأضافت: "بعد انتهاء الحرب، ستكون هذه القصة البطولية الأولى التي سنرويها".
وتُعتبر لوحات بريماتشينكو مثالًا بارزًا على "الفن الأوروبي الفطري"، وهو مصطلح يستخدم لوصف أعمال الفنانين، الذين لم يتلقوا أي تدريبات رسمية.
وولدت الفنانة في عام 1908، حيث نشأت من بداية متواضعة حتى حصلت أخيرًا على اللقب المرموق لـ"فنان الشعب الأوكراني" في عام 1970، عندما كانت البلاد تحت السيطرة السوفيتية.
ورغم أن أعمال بريماتشينكو قد اشتهرت داخل بلدها الأم، إلا أنها عُرضت في مدن في جميع أنحاء أوروبا خلال مسيرتها المهنية التي استمرت حوالي ستة عقود.
وعند عرض لوحاتها في باريس عام 1936، ورد على نطاق واسع أن بابلو بيكاسو قد أشأد بأعمالها قائلًا: "أنحني أمام المعجزة الفنية لهذه الأوكرانية الرائعة".
وبعد أن تعلمت الفنون الشعبية مثل التطريز وزخرفة بيض عيد الفصح، قبل أن تبدأ في رسم اللوحات القماشية في ثلاثينيات القرن الماضي، تأثرت بشدة بتقاليد الصناعة في أوكرانيا، فضلاً عن الفولكلور والحياة البرية والزخارف التقليدية.
وأدت تأكيدات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأخيرة بأن البلاد هي جزء تاريخي وثقافي من روسيا، إلى مخاوف من أن جيشه قد يسعى إلى تدمير أمثلة من التقاليد الفنية الفريدة لأوكرانيا.
ولذلك، تعتقد غناتيوك أن المتحف في إيفانكيف كان هدفًا مباشرًا وليس ضحية لأضرار جانبية.
وبحسب ما ذكرته غناتيوك، تم العثور على ثلث اللوحات، التي أنتجتها بريماتشينكو بحياتها، في المتاحف الأوكرانية. وتتواجد باقي الأعمال في مجموعات خاصة داخل البلاد.
ويضم المتحف الوطني للفنون الزخرفية الشعبية الأوكرانية في كييف أكثر من 600 عمل من إبداعاتها من بين مجموعته المكونة من 80 ألف قطعة.
ودعا المجلس الدولي للمتاحف الأوكرانيين إلى المساعدة في حماية التراث الثقافي، قائلاً في بيان إنه "يدعو أعضاء المجتمع المدني للوصول إلى المتاحف المحلية لمساعدتهم على حماية مبانيهم ومجموعاتهم".
رمز للأمل
ومع انتشار أنباء هجوم متحف إيفانكيف بسرعة في جميع أنحاء العالم الأسبوع الماضي، كان النشطاء الأجانب والمنظمات الفنية يتطلعون إلى نشر فن بريماتشينكو كعمل تضامني.
وكان التركيز على عمل "A Dove Has Spread Her Wings and Asks for Peace"، أي "حمامة تفرد أجنحتها وتطلب السلام"، التي تعود إلى العام 1982.
ورغم أنها ليست من بين الأعمال الموجودة في مجموعة المتحف المنكوبة، إلا أنها تكتسب زخمًا باعتبارها رمزًا للأمل في البلاد.
وفي مدينة سانت لويس بولاية ميزوري الأمريكية، أعادت الفنانة ماريا كارمن كنيشت رسم الصورة كجدارية شارع.
كما أنه بتجمع حاشد في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية يوم الأحد، أعاد ستة فنانين وأكثر من 100 مشارك رسم الصورة كجدارية أرضية، بعرض 23 قدمًا، خارج مبنى فيري بالمدينة.
وقال منظم الفنون ديفيد سولنيت، الذي ساعد في تنسيق المبادرة الأخيرة، في مقابلة عبر الهاتف: "تحاول الحرب الروسية في أوكرانيا أن تدمر ثقافتها، لذلك ما يمكننا فعله هو جعلها أكبر وعالمية.. يمكنهم حرق المتحف لكننا سنجعله أكبر وسنعود مجددًا.. إنها رغبة في إظهار بعض الحب والتضامن مع أوكرانيا".
وأضاف سولنيت، أن اللوحة التي تصور حمامة بيضاء على خلفية زهرية نابضة بالحياة، تنقل رمزًا معترفًا به عالميًا ورسالة خاصة بموطن بريماتشينكو، قائلًا إنها "علامة سلام عالمية، وليست حربًا، لكنها في الغالب على النمط الأوكراني التقليدي".