اكتشاف مفاجئ لرسوم سرية ستغير نظرة العلماء إلى فن الكهوف.. ما هو؟

ستايل
نشر
8 دقائق قراءة
اكتشاف مفاجئ لرسومات سرية ستغير نظرة العلماء إلى فن الكهوف.. ما هو؟
Credit: S. Alvarez, J. Simek/Antiquity Publications Ltd

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- اكتشف فريق من العلماء رسومًا ضخمة تعود لأميركيين أصليين، بقيت مجهولة داخل كهف في ولاية ألاباما أكثر من ألف عام. وتعتبر أكبر فن كهوف عثر عليه في أمريكا الشمالية حتى الآن.

وكانت هذه الرسوم غير مرئية إلى أن أجرى الباحثون عمليات مسح ثلاثية الأبعاد للكشف عن الأعمال، بينها رسم يبلغ طوله 11 قدمًا (3.4 أمتار). ونَشرت دراسة تفصيلية النتائج التي تمّ التوصّل إليها في مجلة Antiquity.

واكتُشفت هذا العمل الفني الكبير داخل الكهف 19 مجهول الإسم (19th Unamed Cave) في ألاباما، الذي لم يكشف عن هويته بهدف حماية الموقع من عمليات التخريب. ورغم اكتشاف موقع الكهف للمرة الأولى عام 1998، إلا أنّ الحدود الضيقة للكهف حالت دون رؤية هذا الكبير الحجم، المرسوم بالوحل. غير أنهم اكتشفوا حينها مئات الرسوم الصغيرة الحجم داخل الكهف.

اكتشاف مفاجئ لرسومات سرية ستغير نظرة العلماء إلى فن الكهوف.. ما هو؟
Credit: S. Alvarez, J. Simek/Antiquity Publications Ltd

وتجسّد الرموز العملاقة المرسومة أرواح العالم السفلي، ويعود تاريخها إلى الألفية الأولى ميلاديًا. ووفق الدراسة فإن هذا الفن نشأ في مرحلة تسبق مرحلة احتكاك الأمريكيين الأصليين التواصلي مع الثقافات الخارجية.

وعثر البروفسور جان ف. سيميك، أستاذ العلوم المتميز في جامعة تينيسي بمدينة نوكسفيل الأمريكية، وفريق من الباحثين بداية على الرسوم العملاقة خلال عملهم على مشروع توثيقي داخل الكهف، مطلع عام 2017.

وقال سيميك، المؤلف الرئيسي للدراسة، "إنّنا علمنا أن الكهف يحتوي على رموز طينية لأمريكيين أصليين تعود لمرحلة ما قبل التواصل، وكنا بصدد تنفيذ مشروع توثيقي عبر إجراء مسح تصويري ثلاثي الأبعاد للمساعدة في الإدارة والحفظ". وأوضح أنه "لا يمكن رؤية الرسوم الفنية الكبيرة جدًا من داخل الكهف شخصيًا بسبب مساحة الموقع المحدودة".

وتضمنت عملية القياس التصويري التقاط آلاف الصور لإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد لشيء ما. وأُنتج سجل دقيق للموقع، لكن فائدته الإضافية تمثلت بالكشف عن العمل الفني السري، لا سيّما أنّ سقوف الكهف منخفضة جدًا. والتقط فريق العمل خلال شهرين من العمل الميداني، 16 ألف صورة.

وخلال جلسات التصوير ثلاثية الأبعاد، صوّر الفريق مساحة واسعة النطاق للسقف تتخطى تلك التي يصل إليها ضوء الشمس داخل الكهف، واكتشفوا خمس رسوم كانت مجهولة في السابق.

شخصيات غامضة

اكتشاف مفاجئ لرسومات سرية ستغير نظرة العلماء إلى فن الكهوف.. ما هو؟
Credit: S. Alvarez, J. Simek/Antiquity Publications Ltd

قد يغيّر استخدام القياس التصويري في هذا الكهف وفي مواقع أخرى كيفية اكتشاف العلماء لفن كهوف الأمريكيين الأصليين وفهمهم له، وهذا الأمر يشمل النوايا، والمعاني الكامنة وراء التصاميم.

وتمكن الباحثون من معالجة سقف الكهف افتراضيًا من خلال استخدام نموذجهم لدراسة الرموز المرسومة بالتفصيل، وإنشاء رسوم رقمية شبيهة استنادًا إلى أنماط التظليل المتقاطع. وأظهرت أربعة من الرسوم شخصيات شبيهة بالبشر ترتدي ملابس متقنة.

إحدى "الشخصيات البشرية المميزة" تتميّز بجسم طويل، وذراع ممدودة، وكتفين مستديرين. ويتميز بتصميم معقد عند الصدر يتكون من أنماط مختلفة من الخطوط، التي يحتمل أنها تشير إلى نوع من الملابس أو الشعارات، بحسب الباحثين. وعند تتبّع مسار الخطوط خلف الرسم، فهي تدلّ إلى وشاح، وبدا خط آخر يُظهر الشخص يخرج رمزيًا من الصخرة.

شكل آخر يتمتع برأس مربع به خطوط تمتد من الأعلى، وصدر مستطيل، ورجل واحدة. تُظهر العديد من الرسوم التصويرية نوعًا من النقش أو الوشاح الموضوع على الصدر. أحدهما له رأس مثلث يحوي أشكالًا بيضاوية تبرز من الجانبين، وتشبه "رأس حيوان أذنيه مثقوبتين"، لكن اليدين "بشريتين بوضوح".

يتكون الشكل المنفصل من خطوط عدة ملتوية ومنحنية وله ذيل يشبه ذيل الأفعى الجرسية، لكن الباحثين "يجهلون ما يرمز إليه".

أما الرسم الخامس، وهو الأكبر، فيصوّر أفعى ذات ظهر ألماسي عليه نقوش واضحة تتماثل مع تلك الخاصة بالأفعى الجرسية ذات الظهر الماسي. من الرأس إلى الذيل، يبلغ طول الرسم 11 قدمًا (3.4 أمتار).

الثعبان الماسي هو أكبر أفعى عثر عليها في الأمريكتين، وكان السكان الأصليون الذين يعيشون في جنوب شرق الولايات المتحدة يقدّسونه.

أما مصدر إلهام الشخصيات المصورة ما زال لغزًا.

وكتب الباحثون في الدراسة "بما أننا لم نر مثلهم قبلًا، فنحن لا نعرف هوية مجسّمات فن الكهوف القديمة هذه". وتابعوا "هي لا تجسد شخصيات يمكن التعرف عليها في الروايات الإثنوغرافية الموثقة في أمريكا الجنوبية الشرقية، وليست من المواد الأيقونية المعروفة أثريًا".

لكن ما يجمع هذه الرسوم مواضيع روحية، مثل الشخصيات التي تظهر خصائص خارقة للطبيعة، تماهيًا مع الفن الصخري المعروف في المنطقة، لذلك قد تظهر شخصيات من "روايات دينية لم تكن معروفة من قبل، يرجّح أن تعود لفترة الغابة الوسطى" التي امتدت بين 200 سنة قبل الميلاد و 600 سنة بعد الميلاد.

اكتشاف مفاجئ لرسومات سرية ستغير نظرة العلماء إلى فن الكهوف.. ما هو؟
Credit: S. Alvarez, J. Simek/Antiquity Publications Ltd

ربما يكون الجانب الأكثر إثارة للاهتمام هو كيفية إنشاء العمل الفني. فرغم أنّ المدخل يبلغ ارتفاعه 32.8 قدمًا (10 أمتار) وعرضه 49.2 قدمًا (15 مترًا)، إلا أن الغرفة التي تحتوي على الرسوم سقفها منخفض ويرتفع 1.9 قدمًا (0.6 متر) فقط من أرضية الكهف. هذا يعني أن كل من ابتكر الفن كان عليه الانحناء أو الزحف عبر الغرفة، ولا يمكن رؤية الرسوم إلا من خلال الاستلقاء على أرضية الكهف.

حول ذلك أفاد الباحثون: "إنها كبيرة جدًا لدرجة أن صانعيها اضطروا إلى رسمها من دون امتلاك القدرة على رؤيتها بالكامل"، مشيرين إلى أنّ "من رسموها استلهموا من خيالهم، وليس من منظور بصري حر".

رموز سرية

اكتشاف مفاجئ لرسومات سرية ستغير نظرة العلماء إلى فن الكهوف.. ما هو؟
Credit: S. Alvarez, J. Simek/Antiquity Publications Ltd

أنشئ هذا العمل الفني في وقت كانت فيه قبائل السكان الأصليين تنتقل من كونها باحثة عن الطعام إلى الزراعة وبناء مستوطنات طويلة الأجل.

واستخدمت هذه القبائل محيطها لتكريم معتقداتها الدينية والروحية، وبناء تلال كمسارات تسهل صعود الأرواح إلى العالم العلوي، واستخدام الكهوف كأماكن مقدسة واعتبارها بمثابة طرق إلى العالم السفلي.

وأشار الباحثون في الدراسة إلى "أننا نعلم أن الأمريكيين الأصليين عدلوا مناظرهم الطبيعية على نطاقات واسعة جدًا بهدف ربط الأحياء بالعوالم الطبيعية، وتلك الخارقة للطبيعة، إلى العناصر المتنوعة لتلك العوالم". وأوضحوا "أنّ الشخصيات الكبيرة المرسومة في الكهف 19 المجهول الاسم، تمثل على الأرجح أرواح العالم السفلي، وقد تم التعبير عن قوتها وأهميتها من خلال شكلها وحجمها وسياقها. إنها تجسّد عناصر من المشهد الروحي المقدس الأوسع للأمريكيين الأصليين في مرحلة قبل التواصل".

في حين أن هذا الإبداع مشابه للفن الصخري الضخم في الهواء الطلق الذي نقع عليه في يوتا ومواقع أخرى في أمريكا الشمالية، فمن غير المألوف العثور على مثل هذه الرسوم الكبيرة مخبأة داخل كهف، وهذا هو السبب في أن وجودهم كان "غير متوقع" على الإطلاق.