دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- صباح الأحد، سار "كائن منتفخ" يُشبه "رجل ميشلان" عبر ساحة "تايمز سكوير" في مدينة نيويورك الأمريكية، وكان يلهث من الحركة بسبب ارتداء 27 بدلة واقية.
وداخل الشرنقة البيضاء، ستقابل الفنان الصيني البالغ من العمر 28 عامًا، زيشينغ وو، والذي قدمّ أداءً في الشارع لانتقاد سياسة "صفر كوفيد" في الصين.
وقال وو، وهو طالب دراسات عليا في كلية معهد شيكاغو للفنون: "أصبحت البدلات الواقية رمزًا مرئيًا للتجربة والذاكرة المشتركة لكل شخص صيني".
وعند إحكام غطاء البدلات حول رأسه، والتي كشفت عن أنفه، وجزء من عينيه فقط، أشار وو إلى أنه تحوّل إلى "وحش" بحواس ضعيفة.
وكان وو يُخطط في الأصل لارتداء 100 بدلة واقية، لكنه اكتشف أن ارتداء 27 بدلة هو أقصى قدرته.
وبينما كان يترنّح أثناء الأداء، انحنى الفنان إلى الأسفل حتى اضطر إلى الزحف.
وفي النهاية، سقط الفنان على الأرض، وأعانه مساعده على التحرّر من البدلات التي كان يرتديها، والكشف عن وجهه الأحمر اللون، والمغمور بالعرق.
وقال وو: "أريد أن أستخدمها كاستعارة لكل مواطن صيني يغرق في السيول السياسية".
وخلال الأداء الذي استمر لساعة تقريبًا، توقف المارّة مؤقتًا للنظر إلى وو، أو التقاط الصور، وظهرت ملامح الارتباك على العديد من الأشخاص.
وفي الولايات المتحدة، بقيت البدلات الواقية مشهدًا نادرًا في الحياة اليومية، حتّى في ذروة جائحة "كوفيد-19".
ولكن في الصين، لا يزال الموظفون الذين يعملون بمجال السيطرة على فيروس كورونا، يرتدون بدلات واقية تغطيهم من الرأس حتّى أخمص القدمين، ويتواجدون في كل مكان بعد حوالي 3 أعوام من ظهور الفيروس.
ويُطلق عليهم لقب "داباي" أو "الكبار البيض".
ويعمل هؤلاء في مواقع اختبار "كوفيد-19"، ومعسكرات الحجر الصحي، ويحرسون المطارات، ومحطات القطار، كما أنهم يقومون برش المطهرات في الشوارع، والتجمعات السكنية.
وبالنسبة إلى وو، يُجسّد هؤلاء العمال السلطة، والخضوع، إذ قال: "تشعر وكأنك لا تستطيع التحرّر من سيطرتهم أبدًا".
والـ"داباي" عبارة عن جنود مشاة في حملة الحكومة للقضاء على كورونا.
ومن بينهم أشخاص تطوعوا لمساعدة جيرانهم أثناء عمليات الإغلاق، إضافةً للبيروقراطيين، والعاملين في مجال الصحة العامة، والذين يُطبقون إجراءات قد تبدو سخيفة بالنسبة لمن يراقبهم من الخارج.
وفي الحالات التي أثارت احتجاجات وطنيّة، قام عمّال مجهولي الهوية بإبعاد المرضى الذين يعانون من حالات حرجة، والنساء الحوامل من المستشفيات، كما أنهم اقتادوا السكان إلى الحافلات في وقتٍ متأخر من الليل للتوجّه إلى معسكرات الحجر الصحي، ودخلوا منازل خالية لتطهير الأثاث، والأجهزة.
وقال وو: "هم عبارة عن أشخاص عاديين، أو جيرانك. ولكن بمجرد ارتداء بدلة داباي، فإنهم يتحوّلون لمدراء منعزلين، وآلات بلا مشاعر".
كلفة السياسة الصارمة
وعاش وو في بكين بأواخر عام 2019، وخلال ظهور أول تفشّي لفيروس كورونا في العالم على بعد أكثر من 600 ميل بووهان وسط الصين.
وكان وو محبوسًا في بكين لأسبوعين، وتراوده مشاعر القلق، والخوف من المستقبل.
ولكن سرعان ما تحسّن وضع الجائحة في الصين، وتم احتواء الفاشيات إلى حدٍ كبير بحلول أبريل/نيسان، وعادت الحياة لطبيعتها إلى حدٍ ما.
وتم قبول وو في برنامج الدراسات العليا في مدينة شيكاغو الأمريكية، ولكن بسبب إغلاق الحدود الصينية، وحظر أمريكا على الرحلات الجويّة من البلاد، كان عليه حضور دروسه عبر الإنترنت.
وكان وو خائفًا جدًا من الإصابة بالفيروس لدرجة أنه بحلول وصوله إلى الولايات المتحدة في أغسطس/آب من عام 2021، اعتبر أن الكمامات أصبحت جزءًا من بشرته، بحسب تعبيره.
ولم يستغرق وو، الذي تم تطعيمه، وقتًا طويلاً للتغلّب على خوفه، إذ أنه أُصيب "بكوفيد-19"، ولكنه كان محظوظًا بما يكفي للتعافي بسرعة.
وفي الوقت ذاته، أصبحت القيود في الصين أكثر صرامة بعد ظهور متغيّر "أوميكرون" شديد العدوى.
ومن شيكاغو، تابع الصيني أخبار إغلاق شنغهاي لشهرين، وتحطّم حافلة في وقتٍ متأخر من الليل أسفر عن مقتل 27 شخصًا، وذلك أثناء نقلهم لمنشأة للحجر الصحي في قويتشو، والعديد من المواقف الأخرى المُبلغ عنها، والناجمة عن سياسة "صفر كوفيد"، وإغلاق الأعمال التجاريّة، وارتفاع معدّل البطالة.
أُجبر على التصرّف
وسابقًا استخدم وو، الذي درس في الأكاديمية المركزية للفنون الجميلة المرموقة في بكين التركيبات، ومختلف الوسائط، والنحت، والتصوير لاستكشاف القضايا التي تواجه الصين اليوم.
وقرّر الفنان التحدّث علانية ضد سياسة "صفر كوفيد" في الصين عبر تقديم أداء في ساحة "تايمز سكوير" في الـ 16 أكتوبر/تشرين الأول، والذي يُصادف افتتاح المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني، وهو أهم حدث في التقويم السياسي للبلاد.
ولن يكون أداء كهذا ممكنًا في الصين، حيث يواجه الفنانون رقابة صارمة بشكلٍ متزايد منذ تولّي الرئيس الصيني، شي جين بينغ، السلطة في عام 2012.
ولكن تنظيم هذا العرض في نيويورك قد يضع وو وعائلته في خطر.
وأعرب الفنان عن شعوره بالقلق بشأن سلامة والديه في الصين، وخوفه من تعرّضهما لانتقام مُحتمل من الحكومة.
ورُغم ذلك، إلا أنه شعر بأنه مضطر للمضي قدمًا في المشروع، والتعبير عن مشاعره المكبوتة تجاه سياسة الصين.
ودافع شي الأحد عن سياسته بشأن فيروس كورونا، وأصر على أنها "توفّر الحماية القصوى لحياة الأشخاص، وصحتهم".
واعتبر بعض المحللين الأمر بمثابة إشارة إلى أن تخفيف الصين لقيودها المتعلقة بالجائحة غير مرجّح في المستقبل القريب.