لماذا يُشيد معماريون بالعودة إلى حياة الكهوف بدلًا من المساكن الحالية؟

ستايل
نشر
5 دقائق قراءة
كهوف
Credit: Courtesy Noguchi Museum

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قد يشكّل الزجاج والفولاذ عناصر حداثوية فائقة أساسية لبناء مدن المستقبل، التي لا تنفكّ ناطحات السحاب الشاهقة بغزو أفقها.

عوض ذلك، يتطلّع بعض المعماريين إلى أقدم مسكن عرفته البشرية، أي الكهوف المتواضعة.

ومع التصاميم الداخلية المعزولة جيدًا والموفّرة للطاقة، ومواد البناء المتوفرة جزئيًا بواسطة الهيكل القائم، والشعور بالانسجام مع العالم الطبيعي، تقدّم الكهوف طريقة بديلة للحياة البيئية، إما كجنة منعزلة للانطوائيين، أو كمجتمع يعيش على جرف التل.

ولعل أشهرها كهوف كابادوكيا في تركيا، التي تضم غرفًا للإيجار وفندقًا حراريًا فاخرًا.

في عام 2005، أجرى المعلم جيانغ لو دراسة، مدعومة من مؤسسة إيرث ووتش، حول مساكن الكهوف التقليدية في مقاطعة شنشي الجبلية في الصين، التي ما برحت توفر مأوى لملايين السكان إلى يومنا هذا.

ووجد لو أنها تتوافق ومبادئ التصميم المستدام المعاصر.

لكنّ الكهوف، رغم كونها أقدم مأوًى للبشر، غالبًا ما يُنظر إليها على أنها خيار جذري.

كهوف
صورة لمنزل كهف خوان أوغورمان عام 1958Credit: Eliot Elisofon/The LIFE Picture Collection/Shutterstock/Courtesy Noguchi Museum

ففي عام 1958، عندما زارت مجلة Life المسكن المريح للرسام والمهندس المعماري خوان أوغورمان في مدينة مكسيكو، وهو كهف شكّلته الحمم البركانية، ومزيّن بطبعات الحيوانات، ورفوف مدمجة من السراميك، وصفه الكاتب بأنه "الأكثر غرابة".

واليوم، يعرض منزل أوغورمان، إلى جانب تصاميم كهوف حديثة استكشفها ثلاثة فنانين معماريين مكسيكيين آخرين، داخل معرض بعنوان "في تمجيد الكهوف"، بمؤسسة ايسامو نوغوتشي، في حي كوينز بمدينة نيويورك.

وفي حين أنّ المعرض ليس دعوة للعثور على أقرب كهف للعيش فيه، إلا أنه يقدّم مفهوم الكهف كمصدر إلهام للمهندسين المعماريين، لا سيما في كيفية تفكيرنا بشكل منازلنا.

وأوضح داكين هارت، كبير أمناء المتحف: "أعتقد أن الأمر العاجل بشأن (المعرض) .. أنّ هؤلاء الفنانين المكسيكيين لم يتحدثوا عن النظر للوراء كنوع من الحنين إلى الماضي (للكهوف)، بل يتطلّعون إليها مستقبلًا".

ويعد خافيير سينوسيان، المهندس المعماري الوحيد على قيد الحياة بين فناني المعرض، الأشهر بين المجموعة، من خلال مشاريعه النابضة بالحياة والملفتة للنظر، على سبيل المثال مشروع "كازا أورغانيكا"، الشبيه بعرين الحيوانات، حيث أقام هو وعائلته في السابق، غربي مدينة مكسيكو.

بالنسبة لمعرض "في تمجيد الكهوف"، ابتكر سينوسيان نماذج معقدة من تصاميمه الخاصة بالإضافة إلى منزل أوغورمان تحت الأرض، الذي هدم جزئيًا من قبل مالك جديد منذ ذلك الحين، والمفاهيم الاستباقية لكارلوس لازو، الذي توفي بشبابه في حادث تحطم طائرة قبل أن تبصر رؤيته النور بالكامل.

كهوف
كان مشروع "كازا أورغانيكا" بمثابة منزل عائلة خافيير سينوسيان منذ أكثر من 25 عامًا.Credit: Courtesy Noguchi Museum

ارتبط كل مهندس معماري بمساهمات المكسيك في الهندسة المعمارية العضوية، معتقدًا أن إعادة إحياء علاقتنا بالعالم الطبيعي كان أمرًا أساسيًا للعيش بشكل جيد.

وأوضح هارت أنّ المهندسين المعماريين في المعرض كانوا يطوّرون أفكارهم أيضًا في ظل الحرب الباردة، حينما تسبّب تطوير القنبلة الذرية يجعل الكثيرين يفكرون بإنشاء مخابئ تحت الأرض.

كهوف
تقع المساحة الخضراء المغمورة جزئيًا غرب مدينة مكسيكو وأصبحت رمزًا لحركة الهندسة المعمارية العضوية.Credit: Courtesy Noguchi Museum

ورغم اختلاف رؤى المهندسين المعماريين، إلا أن المعرض يشير إلى أنهم اتفقوا على أنّ العمارة الحديثة لا تقدّم ما يكفي من حيث التصميم.

وقال هارت عن معتقدات سينوسيان: "الصناديق لم تجعلنا سعداء.. إنها ليست طريقة للاندماج بشكل جيد مع بيئتنا".

لذلك، بالنسبة لسينوسيان، فإن وجهة نظره أنّنا يجب أن نعود إلى النماذج الطبيعية قدر الإمكان.

وكان أحد أكثر المشاريع طموحًا كان مشروع "الكهوف المتحضرة" الذي لم يعش لازو ليحققه.

كهوف
لم تكتمل أبدًا رؤية كارلوس لازو للإسكان العام القائم على الكهوف، رغم شروعه ببناء 110 منازل على جرف التل.Credit: Courtesy Noguchi Museum

ويتمثل المشروع بحفر 110 منزل على جرف التل شمال غرب مدينة مكسيكو، مع شريكيه في المشروع، أوغوستو بالاسيوس وخورخي برافو.

وفيما اكتملت مرحلة نحت المساحات اكتمل نموذج المنازل، لكن المشروع مات بوفاة لازو، الذي كان مخطط المدينة والموظف العام.

كهوف
تم الانتهاء من نموذج المنازل وتصويرها، لكن لازو توفي في حادث تحطم طائرة قبل أن ينتهي المشروعCredit: Courtesy Noguchi Museum

في حين أن المدن العائمة وبيوت الأشجار أصبحت حلول تصميم شائعة، فإنّّ تبني المنازل الشبيهة بالكهوف كنموذج يمكن أن يساعدنا أيضًا بالتخطيط لمستقبل تلوح فيه أزمة مناخية.

وقد أصبحت الكهوف بالفعل مصدر إلهام لبعض المنازل المطبوعة ثلاثية البعد، مثل نموذج TECLA، المصنوع من الطين المحلي والذي يسمح شكله المستدير بطباعة أسهل وكفاءة أكبر في استخدام الطاقة.

وقال هارت: "لقد انغمسنا كثيرًا في هذه الأنواع من الأساليب الموحدة، وعندما تنظر إلى أفق مدينة نيويورك، ستعتقد أن هذه الأبراج الرفيعة طبيعية، حيث تقدر كل شقة بقيمة 50 مليون دولار لكل طبقة لا يعيش فيها أحد".

وأضاف: "(الكهوف) تعد طريقة بديلة للتفكير في البناء على نحو مختلف يتوافق وبيئتنا".