أول ناطحة سحاب "معاد تدويرها" بالعالم تنقذ برجًا قديمًا من الهدم بأستراليا..كيف؟

ستايل
نشر
6 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في يوم من الأيام، كان برج مركز AMP أطول مبنى في مدينة سيدني الأسترالية. انتهى العمر الافتراضي للمبنى القديم الذي يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وأراد مالكو البرج استبداله بآخر أكبر وأفضل وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة.

لكن هدم المباني الشاهقة يأتي بتكاليف بيئية باهظة، من نفايات البناء إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الآلات الثقيلة.

لذلك في عام 2014، أطلقت شركة الاستثمار الأسترالية AMP Capital مسابقة معمارية مع شرح غير مسبوق، أي بناء ناطحة سحاب جديدة بدون هدم القديمة.

وافتتح البرج، البالغ ارتفاعه 676 قدما، والذي أطلق عليه أول مبنى شاهق "معاد التدوير" في العالم، في وقت سابق من هذا العام. وفي يوم الجمعة، حصل على لقب أفضل مبنى في العالم لعام 2022.

واحتفظت ناطحة السحاب الموسعة بشكل كبير والمكونة من 49 طابقًا، والمعروفة الآن باسم برج "كواي كوارتر"، بأكثر من ثلثي الهيكل القديم، بالإضافة إلى 95% من جوهر المبنى الأصلي.

وقال فريد هولت، وهو شريك بشركة الهندسة المعمارية الدنماركية وراء تصميم المبنى،3XN، في مقابلة عبر الفيديو: "كان البرج يقترب من نهاية عمره الافتراضي، من حيث قابليته للاستمرار.. لكن الهيكل و'العظام' يمكنها أن تدوم في الواقع لفترة أطول".

وتابع: "لا يمكنك دائمًا الاحتفاظ بكل العناصر. ولكن إذا كان بإمكانك الاحتفاظ بالهيكل - حيث غالبية الكربون المتجسد - فأنت بذلك تقلل من بصمتك (الكربونية)".

بعد إزالة أجزاء لا يمكن إصلاحها من المبنى القديم، أقام عمال البناء بجانبه مبنى جديدًا قاموا بعد ذلك "بتطعيمه" بما تبقى.

وتلف واجهة زجاجية معاصرة حولهما لإنشاء ناطحة سحاب واحدة.

ضاعف التصميم الجديد من المساحة الأرضية المتاحة للمبنى، وبالتالي عدد الأشخاص الذي يمكن أن يستوعبه، من 4،500 إلى 9 آلاف شخص.

يعتقد المهندسون المعماريون أن نهجهم وفر 12 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بهدم البرج والبدء من الصفر، وهو ما يكفي لتشغيل المبنى لأكثر من ثلاث سنوات.

بالإضافة إلى تقليل استخدام المواد كثيفة الكربون مثل الخرسانة، من المرجح أن المخطط قد وفر ما يصل إلى عام من وقت البناء أيضًا.

وقال هولت، نقلاً عن الرئيس السابق للمعهد الأمريكي للمهندسين المعماريين، كارل إليفانت: "المبنى الأكثر خضارًا هو الموجود بالفعل".

"الكثير من المجهول"

أول ناطحة سحاب "معاد تدويرها" بالعالم تنقذ برجًا قديمًا من الهدم بأستراليا..كيف؟
يتكون تصميم البرج الجديد من خمسة هياكل مكدسة.Credit: Courtesy of 3XN

وطرح المشروع الطموح، الذي أكملته 3XN إلى جانب شركة الهندسة Arup وشركة الهندسة المعمارية الأسترالية BVN، مجموعة كبيرة من تحديات التصميم.

من بين أولها تحديد ما إذا كان المبنى الحالي يطابق تصميمه الأصلي.

وغالبًا ما تنكمش الأبراج الشاهقة تحت وطأة وزنها، خاصة خلال الأشهر القليلة الأولى بعد الانتهاء من بنائها.

ونتيجة لذلك، كان مركز AMP القديم "في مستوى مختلف قليلاً عما كان عليه في الرسومات التخطيطية"، حسبما قاله هولت.

فقط عندما بدأت أعمال البناء في عام 2018، تمكن المعماريون والمهندسون من تقييم المبنى الحالي عن كثب.

واستخدمت عينات الخرسانة لحساب مقدار - وموقع - الحِمل الهيكلي الإضافي الذي يمكن دعمه.

كما شكلت حقيقة تقصير المباني بمرور الوقت معضلة أخرى، وهي ماذا لو انحرفت الهياكل القديمة والجديدة مع تقلص الهيكل الأولى ببطء؟

لمواجهة ذلك، قام المهندسون بتركيب مئات من أجهزة الاستشعار حول المبنى لتتبع حتى أصغر الحركات.

تغذي هذه البيانات ما وصفه هولت بـ "التوأم الرقمي" - نموذج حاسوبي ديناميكي للبرج، والذي استخدم لإجراء تعديلات في الوقت الفعلي والتأكد من أن "كل شيء يعمل بالطريقة التي كان من المفترض أن يعمل بها".

أول ناطحة سحاب "معاد تدويرها" بالعالم تنقذ برجًا قديمًا من الهدم بأستراليا..كيف؟
يتمتع المبنى بإطلالات شاهقة على ميناء سيدني.Credit: Martin Siegner/Courtesy of 3XN

كما ترك العمال فجوة قدرها 4 أمتار بين المباني الجديدة والقديمة حتى المراحل الأخيرة من البناء، ما أعطى الخرسانة الجديدة وقتًا لتستقر قبل تنفيذ "المزج" النهائي.

دفع الكفاءة

يتميز تصميم 3XN المذهل، والذي يعد جزءًا من مشروع إعادة تطوير أوسع تبلغ تكلفته مليار دولار أسترالي (670 مليون دولار)، بخمسة هياكل مكدسة تلتف نحو السماء.

ويحتوي برج كواي كوارتر، الذي وصفه المعماريون بأنه "قرية عمودية"، على مساحات تجزئة ومكاتب تطل على دار أوبرا سيدني، بالإضافة إلى سلسلة من التراسات الموجودة على السطح.

أول ناطحة سحاب "معاد تدويرها" بالعالم تنقذ برجًا قديمًا من الهدم بأستراليا..كيف؟
احتفظت ناطحة السحاب التي يبلغ ارتفاعها 676 قدمًا بأكثر من ثلثي هيكل السبعينيات الأصليCredit: Courtesy of 3XN

بالنظر من الخارج، لا توجد بقايا واضحة للمبنى السابق الذي يعود للسبعينيات.

وقال مؤسس شركة 3XN ومديرها الإبداعي، كيم هيرفورث نيلسن، إنه في التصميم الداخلي أيضًا، تم "مزج" جزأين من البرج بسلاسة.

وأضاف "عندما تكون هناك، لا تفكر في مكان الهيكل القديم وأين يوجد الهيكل الجديد"، مشيرًا إلى أنه كان أمرًا حاسمًا في التصميم.

في غضون ذلك، اجتذبت أوراق الاعتماد الخضراء للمبنى إشادة منظمي جائزة أفضل مبنى في العالم ، والتي مُنحت لبرج كواي كوارتر في مهرجان العمارة العالمي الأسبوع الماضي في مدينة لشبونة بالبرتغال.

وفي بيان، أشاد مدير برنامج الحدث، بول فينش، بناطحة السحاب باعتبارها "مثالاً على إعادة الاستخدام التكيفي".

بالنسبة لأصحاب البرج، حقق التصميم إنجازًا مهمًا آخر، إذ كان تكلفته أرخص بكثير من البناء من الصفر.

ويقدّر هولت أن شركة AMP Capital وفرت 150 مليون دولار أسترالي، أي 102 مليون دولار، من خلال إنقاذ الهيكل الأصلي.

وعلى هذا النحو، تأمل شركة 3XN أن يكون البرج بمثابة دراسة حالة، ليس فقط للمعماريين والمهندسين الآخرين، ولكن لأصحاب المباني وأصحاب الشركات.

وأضاف نيلسن إن المشروع يوضح كيف "تجتمع القيمة والاستدامة اقتصاديًا".