دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- مشروع عملاق قيد التنفيذ، يبدو أنّه لا يفتح آفاقاً جديدة بقدر ما يحفر تحتها.
وفي سنغافورة، تُحفر سلسلة من الأنفاق الممتدة في التربة على عمق 60 مترًا، تحت مراكز التسوق الجوفية وحتى مترو المدينة.
وجاء تصوّر مشروع الأنفاق العميقة للصرف الصحي بالأصل في منتصف التسعينيات، وهو عبارة عن "طريق سريع" تحت الأرض يمكن أن يوفر مخططًا لمدن أخرى حول العالم. وهو جزء من مخطط رئيسي للحفاظ على مصدرين ثمينين، أي المساحة والمياه.
ومن جانبه، قال وو لاي لين، كبير المهندسين في المشروع، الذي تديره وكالة المياه الوطنية في سنغافورة، PUB: "لقد واجهنا تحديات زيادة عدد السكان وكذلك زيادة التطورات في الصناعات. ومع هذا الطلب الإضافي، لم نتمكن من الاستمرار في الاعتماد على توسيع البنية التحتية الحالية لمياه الصرف الصحي. وكان علينا إيجاد حلاً أكثر استدامة يعطينا قدرًا أكبر من المرونة لإمدادنا بالمياه".
وتضمنت المرحلة الأولى، التي انتهت في عام 2008، وكلفت ما يُقدر بنحو 3.4 مليار دولار سنغافوري، أي ما يعادل 2.5 مليار دولار، 48 كيلومترًا من أنفاق الصرف الصحي، ومحطة مركزية جديدة لاستصلاح المياه.
وأشار وو إلى أن المرحلة الثانية بدأت في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017، ومن المتوقع أن تكتمل بحلول عام 2026.
وبمجرد اكتمال المشروع، ستنقل نحو 200 كيلومتر من الأنفاق مياه الصرف الصحي إلى محطات المعالجة تحت الأرض.
وباستخدام آلات حفر الأنفاق الضخمة، تنزل أطقم العمل تحت الأرض لحفر الأنفاق وتركيب شبكة من الأنابيب.
وقال وو إن "المجهول يُعد العنصر الأكثر إثارة في هذا المشروع، إذ لا يمكنك معرفة ما ستواجهه تحت الأرض".
وسيوفر المشروع مساحة قدرها 150 هكتارًا فوق الأرض، وفقًا لوكالة المياه الوطنية في سنغافورة.
ولفت وو إلى أن الوكالة طبّقت تقنية جديدة بناءً على ما تعلمته خلال المرحلة الأولى من المشروع، ويشمل ذلك استخدام نوعًا خاصًا من الخرسانة مقاوم للتآكل الناجم عن الميكروبيولوجيا، وكذلك دمج كابلات الألياف الضوئية داخل بطانات الأنفاق، لمراقبة السلامة الهيكلية من دون الحاجة إلى إرسال أكبر عدد ممكن من أطقم العمل تحت الأرض.
ولن يساعد المشروع في إمدادات المياه من خلال معالجة ما يصل إلى مليوني متر مكعب من مياه الصرف الصحي يوميًا فحسب، بل سيستمر أيضَا في توفير معلومات ودروس مهمة حول التنمية الجوفية لسنغافورة وخارجها، وفقًا لما ذكره وو.
مورد قيّم
ومع توفر مساحة محدودة من الأراضي، بدأت البلاد في استخدام مساحتها تحت الأرض لأكثر من مجرد النقل على مدى العقد الماضي.
وتقوم JTC، وهي وكالة حكومية مسؤولة عن التنمية الصناعية، بتخزين الهيدروكربونات السائلة مثل النفط الخام في خمسة كهوف صخرية ضخمة تحت الأرض.
وتُعرف هذه الكهوف باسم Jurong، وتضم ما يعادل 600 من حمامات السباحة ذات الحجم الأولمبي، وفقًا لـ JTC، وكل ذلك لتوفير مساحة ثمينة من الأراضي أعلاها.
وكجزء من الخطة الرئيسية تحت الأرض، قامت هيئة إعادة التطوير الحضري في سنغافورة (URA) بتكليف شركة Arup، وهي شركة مستقلة من المهندسين والمصممين والمخططين، لتقييم وإنشاء دراسة معيارية لتطوير المساحات الأرضية.
وأوضح بيتر ستونز، المهندس المشارك في شركة Arup، أن إحدى النقاط الرئيسية كانت التركيز على الاستدامة بشكل مبكر جدًا في هذه المشاريع.
وقال ستونز إن "المساحة تُعد موردًا، وفي مدننا الحضرية، تُعد موردًا نادرًا، لذلك نحن بحاجة إلى إدارة واستهلاك هذا المورد بطريقة مستدامة".
وأضاف: "هذا يعني وجود ممارسات ثابتة حول تخطيط وإدارة تلك المساحات"،
ومن خلال الحصول على معلومات مهمة للمهندسين قبل بدء المشروع، يمكنهم تخفيف المخاطر، وتحسين طول العمر، واستدامة التنمية الجوفية. ويمكن أيضًا تطبيق هذه المعرفة على التخطيط الحضري والتنمية فوق الأرض، وفقًا لما ذكره ستونز.
مستقبل تحت الأرض مستوحى من الماضي
وسنغافورة ليست الوجهة الأولى التي تستكشف استخدام مساحتها تحت الأرض.
وتتمتع هلسنكي، العاصمة الفنلندية، بتنمية واسعة تحت الأرض، إذ لديها كنيسة تحت الأرض وحمام سباحة - كان الغرض منها في الأصل أن تكون مساحة لإيواء جميع سكان المدينة في حالة وقوع هجوم نووي.
وفي كندا، تمتلك مونتريال واحدة من أكبر شبكات المشاة تحت الأرض في العالم، والتي تمتد لأكثر من 30 كيلومترًا.
وطورّت شركة تصميم في مكسيكو سيتي مفهوم "The Earthcraper"، أي ناطحة سحاب مقلوبة تحت الأرض.
ورغم وجود سابقة تاريخية، من المدن القديمة تحت الأرض في أماكن مثل إسبانيا وتركيا، إلا أنّ حثّ البشر للعيش بالفعل تحت الأرض اليوم لا يزال أكثر صعوبة.
وقال ستونز: "على الصعيد العالمي، مع نمو مدننا من حيث عدد السكان (والكثافة) ... سنشهد المزيد من تطوير المساحات تحت الأرض".
وأضاف: "أتصور مستقبلًا حيث يتم إعطاء الأولوية للمساحة فوق الأرض للناس والإيكولوجيا والطبيعة - ويمكن للمساحات الموجودة تحت الأرض أن تخدم هذا الجانب العلوي من خلال البنية التحتية والاستخدامات الأخرى".