كيف تحول قماش ارتداه العمال الهنود إلى رمز الفخامة بأمريكا؟

ستايل
نشر
6 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أصبح قماش "مِدراس" مرادفًا للفخامة الأمريكية. 

واستُخدِم القماش القطني المنقوش والملون من قِبَل علامات تجارية مثل "رالف لورين" و"بروكس براذرز" لعقود، مع تزيينه للفساتين، والقمصان، والسراويل القصيرة الصيفية الخفيفة التي يتم ارتداؤها في النوادي الريفية، أو أثناء العطلات في جزر البهاما.

ويتمتع هذا العنصر الأساسي في الموضة الأمريكية بأصول متواضعة، إذ يأتي من مدينة تشيناي الهندية.

وأخذ القماش اسمه من المدينة أيضًا، حيث كانت تشيناي تُعرف باسم مِدراس في ظل الاستعمار البريطاني.

ارتداه العمال الهنود في الأصل.. كيف أصبح هذا القماش رمزًا للفخامة الأمريكية في الستينيات
صورة للممثل فنسنت كارثيزر (الثاني من جهة اليمين) أثناء ارتداء سترة مصنوعة من قماش "مِدراس" في إحدى حلقات مسلسل "Mad Men" من عام 2012. Credit: AMC/Everett Collection

كان هذا القماش يرتديه في الأصل عمال هنود، وكاد أن يثير فضيحة مؤسسية لمستورد المنسوجات الأمريكي ويليام جاكوبسون في عام 1958 بسبب تداخل الألوان واختلاطها عند تنظيفه بمنظف قوي في الغسالات عالية الطاقة.

وفي مقابلةٍ عبر الفيديو مع CNN، قالت مؤلفة كتاب "Capture the Dream: The Many Lives of Captain C.P. Krishnan Nair"، باتشي كاركاريا: "شكل تداخل الألوان مع بعضها البعض بعد كل غسلة أمرًا مذهلاً. ولم يتم الأمر بشكلٍ سيئ، بل اختلطت الألوان بطريقة تصميمية للغاية". 

وأضافت: "هذا ما جذب جاكوبسون بالتأكيد".

والكتاب عبارة عن سيرة ذاتية لتاجر الأنسجة الهندي، وصاحب الفنادق، كريشنان ناير، الذي باع جاكوبسون قماش "مِدراس" لأول مرة.

وفي كتابها، سردت كاركاريا قصة لقاء جاكوبسون وناير.

وبحلول خمسينيات القرن العشرين، شكل القماش نجاحًا كبيرًا في غرب إفريقيا، حيث استُخدِم لصنع فساتين مبهجة لحفلات الزفاف، والاحتفالات الأخرى.

ميزة جذابة

ارتداه العمال الهنود في الأصل.. كيف أصبح هذا القماش رمزًا للفخامة الأمريكية في الستينيات
طلاب يرتدون سترات مصنوعة من قماش "مِدراس" في حرم أكاديمية ميلتون في أمريكا بعام 1966. Credit: Leonard McCombe/The LIFE Picture Collection/Shutterstock

كانت الميزة الأكثر إثارة، والتي عرضها ناير على جاكوبسون، وفقًا لما ذكرته كاركاريا، هي تداخل الألوان مع كل غسلة، ما يخلق نوعًا جديدًا من الأنماط المربعة.

وأبرم الثنائي صفقة بقيمة دولار لليارد الواحد (حوالي 10 دولارات لكل ياردة بقيمة اليوم)، مع إرسال شحنة فورية بلغت 10 آلاف ياردة جمعتها بالكامل علامة "بروكس براذرز"، التي حولت القماش إلى سترات، وقمصان، وسراويل رياضية قصيرة.

وبسبب حماسه، نسي جاكوبسون أن يخبر علامة "بروكس براذرز" أنّ لون القماش سيتداخل، بحسب ما أوضحته المؤلفة.

وعندما فشلت العلامة التجارية في تزويد المشترين بتعليمات العناية المناسبة، بدأت الشكاوى والدعاوى القضائية بالظهور.

وتم استدعاء أحد "رجال ماد" الأصليين في مدينة نيويورك الأمريكية لإنقاذ الموقف، أي كبير الإعلانات البريطاني، ديفيد أوجيلفي، الذي صاغ شعار: "تداخل الألوان مضمون".

وأدّى ذلك إلى تحويل عيب القماش إلى ميزةٍ فريدة من نوعها.

تحويل القماش إلى أيقونة

رُغم إطلاق أوجيلفي، وناير، وجاكوبسون قماش "مدارس" نحو النجومية في الولايات المتحدة خلال ستينيات القرن العشرين، إلا أنّ علاقة النسيج برابطة "أيفي ليج" بدأت قبل قرون مع إليهو ييل، المدير الاستعماري لموقع شركة الهند الشرقية في حصن سانت جورج بتشيناي، والمستفيد الرئيسي لكلية ييل (جامعة ييل الآن).

وادّعى إعلان من عام 1961، وأنشأه أوجيلفي للعلامة التجارية الأمريكية الخاصة للقمصان الرجالية "Hathaway"، أنّ الجامعة تأسست بفضل "ثلاثة صناديق من قماش مدراس الهندي" كان قد تبرّع بها ييل. 

ارتداه العمال الهنود في الأصل.. كيف أصبح هذا القماش رمزًا للفخامة الأمريكية في الستينيات
إعلان عن قميص من علامة "Hathaway" يتحدث عن ندرة القماش. Credit: Hathaway

وجاء في الإعلان أنّ ييل، الذي جمع الكثير من ثروته من خلال شركة الهند الشرقية في أواخر القرن السابع عشر، أرسل "أقمشة قطنية استثنائية صنعها سكان الأكواخ من الهنود" لبيعها أو "تحسينها" لصالح الكلية.

ويُعتبر ييل شخصية مثيرة للجدل، وقد بنى ثروته من التجارة الاستغلالية للماس والمنسوجات.

وبينما تقول جامعته التي تحمل الاسم ذاته إنّه "لا يوجد دليل مباشر" على أنّه "امتلك العبيد بشكلٍ شخصي"، إلا أنّه متهم بالاتجار بهم، والاستفادة منهم.

من تشيناي إلى البحر الكاريبي

ارتداه العمال الهنود في الأصل.. كيف أصبح هذا القماش رمزًا للفخامة الأمريكية في الستينيات
ورشة لنسج قماش "مِدراس" في مدينة تشيناي الهندية في عام 1990 تقريبًا. Credit: Patrick Horvais/Gamma-Rapho/Getty Images

شيُِّد حصن سان جورج في ثلاثينيات القرن السابع عشر، وساعد ذلك البريطانيين على ترسيخ احتكارهم لصناعة النسيج الهندية المربِحة للغاية. 

وفي وقتٍ لاحق، قام الهولنديون والفرنسيون أيضًا بالتجارة بالقطن، وقماش "مِدراس"، إلى جانب الأفارقة المستعبدين، وجلبوا الأقمشة على متن سفن متجهة إلى جُزُر الإنديز الغربية.

وفي القرن الـ18، أدّت حركة حمائية لدعم منتجي المنسوجات المحليين إلى قيام إنجلترا وفرنسا بحظر بيع قماش "مدارس" في البلدين، والسماح بالتجارة به في مستعمرات البحر الكاريبي فحسب.

ومن هناك، أصبح قماش "مدارس" عنصرًا "أساسيًا لكل من السود الأحرار والمستعبدين.

وهناك، على الشواطئ المشمسة لمنطقة البحر الكاريبي، أصبح القماش جزءًا لا يتجزأ من الموضة بفضل السياحة، وبطولات رياضة الرغبي الخاصة برابطة "أيفي ليج" في منتصف الثلاثينيات.

وسافر الطلبة من جامعات الساحل الشرقي في أمريكا، مثل ييل، وبرينستون، إلى برمودا لممارسة الرجبي، والتشمس، والغطس، حسبما ذكرت مجلة "Sports Illustrated" في عام 1956. 

وأضاف المقال أنّهم "تجمعوا" أيضًا في المتاجر المحلية للملابس التي قلّص هبوط سعر الجنيه الإسترليني من قيمتها، مثل سترات الكشمير، وسترات "شتلاند"، والسترات المصنوعة من قماش "مِدراس"، وغيرها من القطع.

ونتيجةً لذلك، أوضحت الباحثة  كاي توسان مارسيل أن قماش "مِدراس" أصبح مرتبطًا "بمدارس أيفي ليج، والعطلات، ومنطقة البحر الكاريبي، وفي النهاية، المناطق المحلية مثل لونغ آيلاند (هامبتونز)، ورود آيلاند (نيوبورت)، وجنوب فلوريدا (بالم بيتش وجزيرة فيشر)".