دمشق، سوريا (CNN)-- ربمّا لا يخطر ببال الكثيرين أن دمشق، تشهد أفكاراً جديدة ترتبط بـ" لايف ستايل" حديث، لكنّ هذه المدينة التي صنفّت منذ فترة كإحدى أخطر مدن العالم، لم يتوقّف سكّانها عن خلق أفكارٍ جديدة، تصبّ في إطار تحقيق أفضل تكيّفٍ ممكن، مع واقع الحرب الصعب.
هكذا أخذت المقاهي مساحةً متنامية، في حياة بعض سكّان العاصمة السوريّة، على اختلاف فئاتهم الاجتماعية والمهن التي يعملون بها، حيث وجدوا فيها مكاناً ملائماً ليس للترفيه فقط، بل لإتمام للقاءات، وإنجاز الأعمال اليوميّة.
كما بات مألوفاً مشاهدة أستاذ يحجز مع طلّابه زاوية شبه دائمة في مقهى دمشقي بهدف إعطائهم حصص دراسية إضافية، أو طلّاباً جامعيين يدرسون استعداداً للامتحان، أو يستغرقون بحل إحدى المسائل الرياضيّة، أو يتبادلون مهارات اللغات الأجنبية.
وأكثر ما ساهم بتعزيز دور المقاهي؛ هو اجتهاد أصحابها في توفير الإنترنت والكهرباء فيها بشكلٍ شبه دائم، الأمر الذي يصعب توفره على مدار اليوم، بالبيوت، أو المكاتب الصغيرة.
ضمن هذا الإطار شهدت دمشق افتتاح مقهى جديد، يحمل اسم "المكتب"، بدأ باستقبال زبائنه رسمياً الاثنين بتاريخ 25 نيسان/ إبريل الحالي، بعد ليلة افتتاحٍ صاخبة حضرها الكثير من المدعويّن، لاختبار تجربةٍ وصفها البعض بـ"لايف ستايل" جديد.
افتتاح المقهى الجديد، يعكس صور تناقضات الحياة وسط الحرب، فأصوات القذائف الآتية من مناطق الاشتباكات بالريف الدمشقي القريب، لم تحل دون توافد المدعويّن، أو انسجامهم مع إيقاعات فرقة "بيركومانيا"، والعروض الاحتفالية الأخرى.
الشاعر السوري عادل محمود كان بين الحضور، وقال في تصريحٍ لـ CNN بالعربية: "أنا شخصيّاً مع أي نشاط يحقق التواصل الإنساني، حتى لو لم تتوافر الشروط الموضوعية الكاملة لذلك، وأدعم بحث الناس عمّا يمكن أن يجمّل حياتهم مهما كانت الظروف، أو يساعدهم بتحسين حياة الآخرين."
وتبلغ مساحة "المكتب" 1400 متر مربّع تقريباً، وتتسّع لـ 700 شخص. وأكدّ منذر نزهة أحدّ ملاّك المقهى لـ CNN بالعربية، أنّهم يسعون إلى "تقديم خدماتٍ متكاملة للزبائن، عبر هذا الفضاء الثقافي، الاجتماعي، الترفيهي، الذي يتيح لروّاده ممارسة نشاطات مختلفة، كسماع الموسيقى أو عزفها، وراوية القصص والحكايات على كرسي الحكواتي، وحضور الأفلام السينمائية، والمطالعة، حيث يتوفرّ لدينا مكتبة تضم قرابة الألف عنوان."
أيضاً.. سوريا ولبنان.. عن "الفيزا" و "العنصريّة" وصداع "الشقيقة"
ونوّه نزهة إلى أنّ الرسم هو أحد الأنشطة التي يمكن لروّاد "المكتب" ممارستها: "حيث سننظم مسابقةً شهرية للفنّانين السوريين، يقترحون فيها أفكار لوحات غرافيتي، والفكرة الفائزة، سيرسمها الفنّان على جدارٍ مخصص لهذا الغرض، وسيمنح عنها جائزةً ماليّة، وسنرصد مراحل تنفيذها عبر فيلم، يعرض في المقهى، كما سننشر نبذة عنه بالجريدة".
وأضاف نزهة أن "الجريدة قد تساهم ولو على نحوٍ افتراضي في إعادة ثقافة الصحافة الورقية التي يفتقدها السوريوّن منذ زمن"، وهي صحيفة ورقية توزّع ضمن "المكتب"، وتتألف من ثماني صفحات، يصدرها أصحاب المقهى شهرياً، تضم برنامج أنشطته، وقائمة المأكولات والمشروبات، والخدمات المقدمّة وأسعارها.
وتتميز مأكولات "المكتب" بخياراتٌ شعبية سائدة في الشارع الدمشقي، كـ "تماري الكعك، والفول النابت، والترمس، والفستق المحمّص،" بينما تفوح رائحة البن الطازج من محمصةٍ خاصّة بالمقهى.
وحول ما إذا كان المناخ مؤاتياً لإطلاق هذا النوع من المشاريع، في ظل استمرار الحرب السوريّة؟ قال نزهة إن "الوضع الأمني أصبح أقل توتراً، ولن يبقى متوتراً إلى الأبد، ونحن أردنا خلال هذه الفترة أن نكون سبّاقين لإطلاق سلسلة مشاريع سياحيّة مقبلة."
المزيد.. بالصور: موسيقيون يبعثون رسائل سلام لأجل سوريا عبر بيروت.. و35 مدينة حول العالم