سلافوتيتش، أوكرانيا (CNN)-- في منتصف الساحة المركزية بمدينة سلافوتيتش، يُعزف النشيد الوطني كل ساعة، حيث يقع الصوت على مسامع السكان بشكل مفاجئ، وكأنه يخترق السكون والفراغ المحيط بالمكان.
ويعد ذلك بمثابة تذكير أن المدينة الواقعة في شمال أوكرانيا ما تزال نابضة بالحياة، وهو مكان كاد الكثير من مواطنيه أن يتعرض للإبادة جرّاء أسوأ كارثة نووية شهدها العالم على الإطلاق.
ويعود سبب وجود مدينة سلافوتيتش إلى كارثة "تشيرنوبيل" النووية، فهي بمثابة آخر الإنجازات الكبرى للهندسة الاجتماعية والفيزيائية، التي أنجزها الاتحاد السوفيتي.
وفي أعقاب انفجار المفاعل النووي، في 26 أبريل/نيسان من عام 1986، تم إجلاء 45 ألف شخص من مسقط رأسهم، حيث تحولت مدينة بريبيات، والتي كانت ذات يوم واحة خضراء ونموذجاً للرخاء السوفيتي، إلى مدينة أشباح ملوثة بالإشعاع النووي.
غادر هذه المدينة آلاف السكان في أساطيل الحافلات من جميع أنحاء أوكرانيا، وذلك بعد أن أخبرهم مسؤولون أنهم سيعودون في غضون 3 أيام. ولكن، لم يعد أحد.
وبعد وقوع الكارثة، كان على محطة "تشيرنوبيل" للطاقة أن تواصل عملها، لذا تعتمد أوكرانيا على إنتاج 3 مفاعلات نووية للسنوات القادمة. وهذا يعني إنشاء مساكن جديدة لعمال محطة توليد الكهرباء، الذين شكلوا عنصراً أساسياً في العمليات، ومن هنا وُلدت مدينة سلافوتيتش.
وقالت كريستينا بلشنكو، التي تعمل في متحف مخصص للتاريخ المحلي ومحطة "تشيرنوبيل" للطاقة النووية، لـ CNN إن هناك 3 معايير رئيسية لإنشاء المدينة، وهي "ألا تبعد بمسافة تزيد عن 50 كيلومتراً عن محطة تشيرنوبيل للطاقة، ومسارات السكك الحديدية الحالية، والأراضي غير الملوثة".
والمنطقة المختارة كانت محطة سكة حديد في وسط غابة صنوبر كثيفة. وبدأ العمل فيها بمجرد اتخاذ القرار في خريف عام 1986، وبعد تعبئة لا تصدق لموارد البناء السوفيتية، وصل أول المستوطنين في أكتوبر/ تشرين الأول 1988.
وأصبحت المدينة الجديدة بمثابة اعتذار معماري من المسؤولين السوفييت إلى السكان النازحين جرّاء كارثة "تشيرنوبيل" والإمبراطورية الشيوعية.
وقُسمت المدينة إلى أحياء، حيث سُميت باسم عواصم الجمهوريات التي ساهمت في بنائها. وكان على كل جمهورية تزويد المدينة بالقوة العاملة والموارد.
واستعان المؤسسون ببعض تصاميم معمارية من مدن سوفيتية أخرى، وذلك بسبب ضيق الوقت لإنشاء تصاميم جديدة.
ومُنح سكان المدينة الجدد فرصة لاختيار الحي الذي يريدون الاستقرار فيه. وبعد فترة وجيزة من فتح أبوابها في نهاية عام 1988، تحولت المدينة من مجموعة مبان خرسانية فارغة إلى مدينة حية تتميز بأعلى مستويات المعيشة بالاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت.
وحتى اليوم، إن التجول من حي إلى آخر يشبه السفر إلى ولاية مختلفة. ويتميز تصميم المدينة بممرات منفصلة للدراجات، الأمر الذي لا يزال غائباً عن غالبية المدن الأوكرانية. وبحسب ما قالته بلشنكو، تلقب المدينة أحياناً بـ"آخر نصب تذكاري للاتحاد السوفيتي".