دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أعلن عالم الآثار ووزير الآثار المصري الأسبق، زاهي حواس، عن حل لغز "مومياء المرأة الصارخة" من الخبيئة الملكية في الدير البحري.
وكشف البحث، الذي أجراه حواس بالتعاون مع أستاذة الأشعة بجامعة القاهرة والمتخصصة في أشعة الآثار، سحر سليم، باستخدام جهاز الأشعة المقطعية، عن تصلب شديد في شرايين القلب التاجية أدى إلى وفاة الأميرة المصرية فجأة بنوبة قلبية، بحسب البيان الصادر عن الصفحة الرسمية لزاهي حواس عبر "فيسبوك".
وبحسب البيان، فقد حفظ التحنيط المصري القديم وضعية الجسد لحظة الوفاة لقرابة 3 آلاف عام.
وأشار البيان إلى أنه في عام 1881، تم اكتشاف خبيئة الدير البحري الملكية في الأقصر، حيث قام كهنة الأسرتين 21 و22 بإخفاء أعضاء ملكيين من أسر سابقة لحمايتها من لصوص القبور.
واحتوت خبيئة الدير البحري الملكية على "مومياء الرجل الصارخ"، التي أثبتت الدراسات الحديثة، بالأشعة المقطعية واختبار الحمض النووي، التي أجراها حواس والفريق العلمي لـ"المشروع المصري للمومياء"، على أنها تعود للأمير "بنتاؤر"، ابن الملك رمسيس الثالث، والذى أُجبر على الانتحار شنقاً، عقاباً له على تورطه في قتل أبيه، الملك رمسيس الثالث، في ما يعرف بـ"مؤامرة الحريم"، وفقاً للبيان.
وعُوقب الابن القاتل بعدم تحنيط جثته، وبدلاً من ذلك تم لفها بجلد الغنم، مما يشير إلى أنه اُعتُبر "نجِساً"، ليكون مصيره الجحيم في الآخرة، على عكس المومياوات الأخريات الملفوفة بالكتّان الأبيض والمُحنّطة بعناية، بحسب البيان.
كما احتوت الخبيئة الملكية ذاتها على مومياء لامرأةٍ تظهر على وجهها علامات الرعب، والألم، والصراخ، والتي عرفت بـ"مومياء المرأة الصارخة". وتختلف وضعية هذه المومياء برأسها المائل إلى الجانب الأيمن، وساقها المثنية والملتفة عند الكاحل، عن بقية المومياوات الأخريات ذات الفم المغلق ووضعية الجسد المستلقي المستقيم، وفقاً للبيان.
وقد أثارت وضعية "مومياء المرأة الصارخة" العديد من التساؤلات حول كيفية موتها وحفظها بشكلٍ مختلف لم يُر من قبل، إلا أن السؤال الأبرز كان: "هل لاقت مومياء المرأة الصارخة مصير الأمير بنتاؤر ذاته ولم تحنط بالطريقة الملكية كباقي الأميرات" بحسب ما ذكره البيان.
ولحل هذا اللغز، أجرى حواس وسليم دراسة عن "مومياء المرأة الصارخة" بفحصها على جهاز الأشعة المقطعية "سيمنز"، الموجود في المتحف المصري بالقاهرة، وفقاً للبيان.
صاحبة "مومياء المرأة الصارخة"
ووفقاً للبيان، تشير الكتابات باللغة الهيراطيقية على لفائف الكتان حول مومياء المرأة الصارخة أنها كانت "الابنة الملكية، والأخت الملكية ميريت آمون".
واعتبرت المومياء غير معروفة، فسميت بـ"مومياء المرأة غير المعروفة إىه"، إذ كان هناك العديد من الأميرات اللاتي يحملن ذات الاسم، على سبيل المثال ميريت آمون، ابنة الملك سقنن رع، من نهاية الأسرة السابعة عشر (1558- 1553 قبل الميلاد)، وكذلك ميريت آمون ابنة الملك رمسيس الثاني (1279-1213 قبل الميلاد) من الأسرة التاسعة عشر، وفقاً للبيان.
وتشير نتائج تصوير الأشعة المقطعية إلى أن مومياء المرأة الصارخة هي "لسيدة ماتت في العقد السادس من العمر، وأن جثمانها، على عكس بنتاؤر، قد نال عناية بالغة من المحنطًين، الذين أزالوا الأحشاء ووضعوا مواداً باهظة الثمن، مثل الراتنج ومواد التحنيط المعطرة، في تجويف الجسم، كما استخدموا الكتان الطاهر في لفّ المومياء، وفقاً للبيان.
وتفترض الدراسة أن ظروف وفاة "مومياء المرأة غير المعروفه إىه" كانت مختلفة عن بنتاؤر، أي "مومياء الرجل الصارخ"، ليبقى سؤال: لماذا لم يتمكن المحنطون من وضع جسد الأميرة في حالة الاستلقاء؟ ولماذا لم يتمكنوا من تأمين غلق الفم، كما جرت العادة مع باقي المومياوات الملكية؟"، وفقاً للبيان.
وأوضح البيان أن نتائج التصوير المقطعي توضح أن "مومياء المرأة غير المعروفه إىه" كانت مصابة بمرض تصلب الشرايين شديد الدرجة، والذي أصاب العديد من شرايين الجسد.
ويعد مرض تصلب الشرايين مرضاً تنكسياً يصيب جدار الشرايين بشكل تدريجي، مما يؤدي إلى ضيق في تجويف الوعاء الدموي وانسداده، وفقاً للبيان.
ويتم تحديد أماكن تصلب الشرايين في فحص الأشعة المقطعية كمناطق عالية التكلس داخل جدران الشرايين، والتي يمكن التعرف عليها بحسب مكان الشريان.
وبحسب البيان، أسفرت الدراسات السابقة، التي قام بها زاهي حواس وسحر سليم، على المومياوات الملكية المصرية القديمة، عن وجود تصلب الشرايين في البعض منها.
وقد عرف الطب المصري القديم مرض "النوبة القلبية" وربطها بالموت، ووصفت بردية الطب المصري القديم، المعروفة بـ"ايبرز"، مخاطبة الطبيب منذ أكثر من 3 آلاف و500 عام، عندما تفحص رجلاً يعاني من آلام في معدته، وفي ذراعه وصدره على أنه مرض "واد"، المرادف للنوبة القلبية. ما يعني أن الموت يقترب منه، وفقاً للبيان.
وأشار البيان إلى أن فحص الأشعة المقطعية لـ"مومياء المرأة غير المعروفه إىه" أثبت أنها عانت من تصلب في شرايين القلب التاجية، وكذلك شرايين الرقبة، وشريان الأبهر البطني، والحرقفي، وكذلك شرايين الطرفيين السفليين والساقين.
وأضاف البيان أن العديد من الدراسات السريرية في الوقت الحاضر أثبتت أن مرض تصلب الشريان التاجي للقلب يعد السبب الرئيسي للوفاة المفاجئة لدى البالغين، كما يوصي الطب الحديث في مثل هذه الحالة الطبية الخطيرة، والمماثلة لحالة مومياء المرأة الصارخة، بإعطاء الأدوية التي تذيب جلطات الأوعية الدموية وربما قسطرة قلبية، وذلك لمنع أو الحد من تلف عضلة القلب.
وتفترض الدراسة أن جلطة الأوعية التاجية لـ"مومياء المرأة غير المعروفه إىه" سببت تلف عضلة القلب مما أدى إلى موتها الفجائي، وفقاً للبيان.
كما تفترض الدراسة أن الأميرة ماتت فجأة بنوبة قلبية، وهي على وضع الجسد الحالي، ساق مثنية وملتفة عند الكاحل، كما تسببت الوفاة في ميل الرأس إلى الجانب الأيمن، وارتخاء عضلات الفك مما أدى إلى فتح الفم، بحسب البيان.
ووفقاً للبيان، تشير الدلائل أن المتوفاة ظلت لفترة كافية، أي لعدة ساعات، على هذه الوضعية قبل أن يتم اكتشاف الجثمان، وأدى التشنج، الذي يعقب الموت، إلى تيبس العضلات والمفاصل وإبقاء مومياء الأميرة على وضعية الوفاة تلك، ولم يتمكن المحنطون من تأمين إغلاق الفم، أو وضع الجسد في حالة الاستلقاء، كما جرت العادة مع باقي المومياوات.
وأشار البيان إلى أنه من المرجح أن المحنطين لم يهملوا عملهم عن عمد، ولكن ظروف الوفاة أدت لوضعية المومياء تلك، التي تعد غير معتادة.
وقد أظهرت صور فحص الأشعة المقطعية أن المحنطين لم يستخرجوا مخ المومياء، إذ لا يزال يمكن رؤيته بداخل تجويف الجمجمة، إلا أنه يميل إلى الجانب الأيمن، وذلك لوضعية الجسد على هذا الجانب عند الموت وبعد التحنيط، وفقاً للبيان.
وساعدت الدراسات السابقة، من قبل زاهي حواس ودكتور سحر سليم، على المومياوات الملكية، باستخدام الأشعة المقطعية، على تحديد ملامح التحنيط في الأسر المختلفة، بحسب البيان.
وترجح هذه الدراسة، من خلال ملاحظة خصائص طريقة تحنيط "مومياء المرأة الصارخة"، مثل عدم استخراج المخ، أن المومياء قد تعود لميريت آمون، ابنة الملك سقنن رع، من نهاية الأسرة السابعة عشر (1558- 1553 قبل الميلاد)، وليست ابنة الملك رمسيس الثاني من الأسرة التاسعة عشر (1279-1213 قبل الميلاد)، بحسب البيان.
وسيستكمل حواس، مع سليم، وبقية الفريق العلمي، مشروع المومياء المصري، وعمل فحوصات الحمض النووي على مومياء المرأة الصارخة، مما قد يساعد على تأكيد هويتها، وفقاً للبيان.