دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- كان روبنروجر بيفر يبلغ من العمر 15 عاماً، عندما مشى عائداً إلى منزله على طول شاطئ في ليبيريا بغرب أفريقيا، في عام 1967.
وعاشت عائلة بيفر بالقرب من مونروفيا، حيث كان والده الدبلوماسي يعمل في السفارة الأمريكية.
وكان المد مرتفعاً، وألقى البحر بالأعشاب البحرية، وألواح الخشب ونثرها على الشاطئ.
ووسط الحطام، لاحظ بيفر شيئًا يلمع تحت شمس الظهيرة. وقال بيفر لـCNN: "أنا من النوع الذي لديه فضول شديد بشأن ما يمكن أن يجلبه المحيط للأشخاص الذين يفتحون أعينهم".
واتضح لبيفر أنها كانت زجاجة ويسكي تحتضن شيئاً داخلها.
وحاول بيفر فتح الزجاجة ولكن دون جدوى، ولكنه قرر جلبها معه إلى المنزل ليعرضها على والدته.
وبعد تمكنهما من فتح الزجاجة، تبين أنها احتوت على رسالة نصت على التالي: "رميت هذه الزجاجة من سفينة تجارية تابعة للبحرية كانت تمر عند خط الاستواء بالقرب من وسط أفريقيا".
وأضافت الرسالة: "اسمي جوستا مارتنسون، وأنا تاجر بحري سويدي".
وكانت الرسالة من عام 1965، كما أنها تضمنت عُنوان المرسل، وهو بيت مارتنسون في السويد.
ورد عليه بيفر بحماس، وعرف عن نفسه موضحاً أنه مراهق أمريكي، وواحد من أبناء أب بريطاني أمريكي، وأم نمساوية مجرية من مدينة تريست بإيطاليا.
وشعر مارتنسون بسعادة غامرة لأن رسالته وجدت طريقها إلى المستلم، ولكنه كان في أواخر العشرينيات من عمره، واعتقد أنه لن يكون صديق مراسلة مثالي لمراهق.
ولذلك، عرف مارتنسون المراهق إلى أخت زوجته، سايجا كوبارينن في فنلندا، والتي تبلغ من العمر 14 عاماً.
وشعرت كوبارينن بالحماس للكتابة لبيفر، ولكنها أرسلت رسالة باللغة الألمانية لأنها لم تكن واثقة من قدرتها على الكتابة باللغة الإنجليزية.
وكتبت المراهقة عن مدرستها، وأصدقائها وعائلتها، وحياتها في فنلندا.
وتلقى بيفر رسالتها، وكان سعيداً جداً بفكرة التواصل مع فتاة في فنلندا، وتكونت صلة بينهما.
وبعد خمسة عقود، لا يزال الثنائي على اتصال.
واليوم، تعيش كوبارينن مع عائلتها في فنلندا، بينما يعيش بيفر، الذي قضى وقتاً في مختلف البلدان حول العالم، في ألمانيا مع زوجته وأبنائه.
وأكدت كوبارينن لـCNN: "صداقتنا لم تتوقف أبداً، حتى عندما كانت لدي حياتي مع ابنتي، وزوجي".
صداقة عبر العالم
ولم تظل عائلة بيفر في مكان واحد لفترة طويلة أثناء نشأته.
وبعد 3 أعوام في ليبيريا، عادت الأسرة إلى واشنطن لمدة عام. ولفترة، وصلت رسائل بيفر إلى كوبارينن وهي تحمل أحد طوابع البريد الأمريكية.
وبعد ذلك، بدأ والده بالعمل في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وتم إرساله إلى فيتنام للعمل كمستشار خلال الحرب.
واستقرت زوجته وأبناؤه في تايبيه للبقاء على بعد مسافة آمنة من الصراع.
وكتب بيفر عن حبه المتزايد لتايوان، كما أنه كتب بصراحة عن مخاوفه بشأن المستقبل، وقال بيفر: "لطالما شعرت بأنني أستطيع الكتابة لها. ولم ألتق بها أبداً، ولكني شعرت بوجود نوع من الاتصال الروحي بيننا".
وأثناء المراسلة، توطدت صداقتهما بسبب حبهما المشترك لموسيقى "الروك".
سن الرشد
ومع وصول الإثنان إلى سن الرشد، وابتعادهما عن المنزل، لم تنجح كل رسالة في الوصول.
ورغم ذلك، إلا أن الصديقين بالمراسلة ثابرا حتى يحصلا على العنوان الصحيح في كل مرة تأخرت فيها الرسائل.
وواصل بيفر السفر على نطاق واسع حتى سن الرشد، كما أنه عمل في تايوان لفترة من الوقت قبل العمل في المملكة العربية السعودية.
ومع قدوم عصر الإنترنت، بدأ الثنائي في التواصل عبر البريد الإلكتروني.
وكانت مشاركة روابط الموسيقى التي يحبانها أسهل، وكانت إمكانية إرفاق الصور بمثابة ميزة أخرى.
وأخيراً، تم التخطيط لعقد لقاء شخصي طال انتظاره.
لقاء منتظر بعد 35 عاماً
والتقت كوبارينن ببيفر لأول مرة شخصياً في عام 2003 في مطار هلسنكي.
واستقبلت كوبارينن بيفر بصحبة زوجها وابنتها.
وفي البداية، كان الأمر سريالياً، ولم يكن أي منهما متأكداً مما سيقولوه.
وعرف الصديقان عن أنفسهما بشكل رسمي، وتصافحا.
وركب الجميع السيارة للتوجه إلى منزل كوبارينن، وقال بيفر: "استمتعنا ببعض القهوة، والكعك، وتحسنت الأمور بعد ذلك".
وبالنسبة إلى كوبارينن، فقالت إنها لم تصدق أن بيفر سيزورها حتى رأته شخصياً.
واتضح أن التحدث وجهاً لوجه كان أمراً طبيعياً، تماماً مثل الأعوام التي أمضاها الثنائي في التواصل عبر البريد.
وبعد انتهاء الزيارة، ودّع الثنائي بعضهما البعض.
وعند عودته إلى المنزل، تلقى بيفر مكالمة من كوبارينين، واكتشف أنه ترك سترة له بالخطأ، وقالت كوبارينن: "دعني أحتفظ بها هنا، حتى تضطر للعودة".
وبعد أكثر من عقد من الزمن، قام بيفر بزيارة كوبارينن للمرة الثانية.
ومع مرور المزيد من الوقت، تزوج بيفر، وأصبح والداً لتوأم، وجاءت عائلته بأكملها للزيارة.
وفي العام الماضي، بدأ بيفر، الذي يمكث في منزله بألمانيا بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، بترتيب أكوام الرسائل، وبطاقات الهوية، والهدايا التذكارية المخزنة في المرآب الخاص به.
وتُعد هذه الأكوام كنزاً من الذكريات، وجميعها مرتبطة بصداقته مع كوبارينين.