دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أصبحت الصور التي التُقطت بمطار طرابلس الدولي، في أغسطس/ آب 2011، بمثابة رمز لسقوط نظام الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، الذي حكم ليبيا لمدة تزيد عن 4 عقود.
وكانت قوات المتمردين قد سيطرت على مطار البلاد وحصلت على جائزة كبرى.
وقُتل الزعيم الليبي السابق على يد المتمردين بعد أسابيع، ما جعلهم يسيطرون على أحد أبرز رموز السلطة، أي الطائرة الرئاسية الليبية.
وتسبب الرصاص والشظايا في اختراق جسم الطائرة من طراز "إيرباص A340-200" ذات المحركات الأربعة، لكن الجزء الداخلي كان لا يزال سليماً.
وسرعان ما تمت دعوة الصحفيين الأجانب على متن الطائرة لرؤيتها بأنفسهم.
وبالتالي، تم الكشف عن الغرف الداخلية للطائرة الرئاسية الليبية، التي تتألف من حوض استحمام ساخن، وسينما خاصة، وغرفة نوم رئيسية تحيط بها المرايا.
ورغم أنها تبدو من الخارج وكأنها مجرد طائرة ركاب أخرى تابعة لشركة الخطوط الجوية الليبية، التي تُعرف باسم شركة الخطوط الجوية الأفريقية، إلا أن هذه الطائرة الفاخرة كانت بمثابة القصر الطائر الخاص بالقذافي.
ولكن، ماذا كان مصير الطائرة؟
وكان أحد الخيارات هو تجريدها من مقصورة كبار الشخصيات وتحويلها إلى طائرة ركاب عادية.
وكان هذا ما حدث لطائرة "A340" التابعة للرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، الذي أطيح به أيضاً في موجة الثورات التي هزت العالم العربي في عام 2011.
وفي هذه الحالة، بيعت الطائرة لشركة الخطوط الجوية التركية.
ولم يكن هذا هو الحال مع طائرة القذافي. ولكن، من الواضح أن الطائرة كانت بحاجة إلى تجديد شامل.
وفي عام 2012، نُقلت الطائرة الرئاسية السابقة، والمسجلة باسم "5A-ONE"، إلى شركة "EAS Industries" لصيانة وإصلاح الطائرات، ومقرها في مدينة بيربينيا، بفرنسا.
وبمجرد وصول الطائرة إلى فرنسا، تم إصلاحها وطُليت من جديد.
وسرعان ما اختفى شعار الخطوط الجوية الأفريقية القديم "9999"، الذي احتفل بذكرى إعلان قرار إنشاء الاتحاد الأفريقي في 9 سبتمبر/ أيلول 1999، واُستُبدل بآخر جديد يحمل العلم الليبي.
وبحلول عام 2013 ، كانت الطائرة جاهزة للطيران مجدداً، ولكن بدلاً من دخولها الخدمة التجارية، احتفظت بها الحكومة الليبية لاستخدامها الخاص.
وبسبب تدهور الوضع الأمني في ليبيا، عادت طائرة "5A-ONE" إلى بيربينيا بفرنسا، في حلول مارس/ آذار عام 2014.
وكان وصول طائرة القذافي إلى الأراضي الفرنسية مرة أخرى بمثابة بداية لدعاوى قضائية دولية معقدة أبقت طائرة "إيرباص" رهن الاحتجاز حتى يومنا هذا.
الدعاوى القضائية
وسُلمت الطائرة لأول مرة في عام 1996 إلى الأمير جعفري بلقيه، شقيق سلطان بروناي. ويقال إن الأمير أنفق 250 مليون دولار على الطائرة قبل بيعها بعد أقل من أربع سنوات، في وقت تورط فيه بنزاع قضائي مع عائلته بشأن استخدام أموال الدولة.
وفي وقت لاحق، حصل رجل الأعمال السعودي، الأمير الوليد بن طلال على الطائرة.
ولكن بعد فترة وجيزة، عادت طائرة "A340" إلى السوق. وفي هذه المرحلة، حصل القذافي على الطائرة في عام 2006، في مقابل 120 مليون دولار.
وأدى هذا البيع إلى أن ترفع سيدة أعمال أردنية، تُعرف باسم دعد شراب، دعوى على الأمير الوليد في المملكة المتحدة، مدعية أنه كان مديناً لها بالمال مقابل دورها في التوسط بالصفقة.
وفي عام 2013، حكمت محكمة في لندن لصالحها، مطالبة بدفع 10 ملايين دولار بالإضافة إلى الفائدة.
وكانت هذه القضية الأولى من بين عدة قضايا قانونية بارزة مرتبطة بهذه الطائرة.
وفي العام نفسه الذي اشترى فيه القذافي طائرته من طراز "إيرباص"، وقعت الحكومة الليبية صفقة مع مجموعة الخرافي الكويتية لتطوير منتجع ساحلي في تاجوراء، بالقرب من طرابلس.
ولم يمض وقت طويل قبل أن تبدأ هذه الصفقة بالتدهور، حيث ألغتها ليبيا في عام 2010.
وكان رد المجموعة الكويتية بمقاضاة ليبيا أمام محكمة التحكيم الدولية في القاهرة، والتي منحت الشركة تعويضات بقيمة 930 مليون دولار، في عام 2013، بناء على تقدير للعوائد المحتملة للمشروع في حالة استمراره.
ورفعت مجموعة الخرافي دعوى قضائية ضد الدولة الليبية في فرنسا أيضاً. وسعت المجموعة إلى مصادرة طائرة "A340" عند هبوطها في مدينة بيربينيا.
وفي عام 2015، قضت محكمة فرنسية بأن الطائرة التي بلغت قيمتها السوقية في ذلك الوقت حوالي 60 مليون دولار، تنتمي إلى دولة ذات سيادة. وبالتالي، فهي تتمتع بحصانة ضد مطالبة من هذا النوع.
وبحلول عام 2016، ارتفعت رسوم الصيانة والإصلاح والتجديد إلى حوالي 3 ملايين يورو، ما جعل شركة الخطوط الجوية الفرنسية طرفاً في العملية القضائية أيضاً، التي أصبحت أكثر تعقيداً، في الوقت الذي تراجعت فيه القيمة السوقية للطائرة البالغة من العمر 25 عاماً.
ورغم ذلك، إلا أن الطائرة تبدو أنها لا تزال قيد الصيانة والعناية.
وفي أواخر عام 2020، لاحظ المراقبون المحليون بدء تشغيل محركات الطائرة، وهو إجراء منتظم للطائرات المخزنة على المدى الطويل، لكنها لا تزال صالحة للطيران.
وفي هذه المرحلة، من الصعب معرفة ما يخبئه المستقبل لما أصبح يعرف باسم "طائرة القذافي".
وهذه ليست الطائرة الرئاسية الوحيدة التي أصبحت مقيمة منذ فترة طويلة في بربنيون الفرنسية، إذ تتواجد طائرتان رئيسيتان أفريقيتان، من طراز "بوينغ 727"، تابعتين لحكومتي بنين وموريتانيا، في مخزن في مطار كاتالونيا الفرنسي.