بين الولاء واختلاط العرق..ما سبب رفض دول آسيوية الجنسية المزدوجة؟

سياحة
نشر
13 دقيقة قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- هناك عدد من الأسباب التي تجعل آسيا تقاوم المواطنة المزدوجة، بما في ذلك تاريخ الصراع والاستعمار. ولكن في بعض البلدان، يقول النقاد إن حظر الجنسية المزدوجة يعكس أيضاً ميلًا نحو القومية والرغبة في الحفاظ على هوية أحادية العرق وحيدة الثقافة.

وعلى سبيل المثال، فإن آنا، التي طلبت اسماً مستعاراً لأسباب تتعلق بالخصوصية، ولديها الحق في الجنسية المزدوجة، نظراً لأن والدتها يابانية ووالدها أمريكي، أمضت حياتها في السفر بين البلدين، وتقول إنها شعرت بارتباط وثيق بالثقافتين.

ولكن اليابان تطلب من أولئك الذين يحملون جوازات سفر متعددة أن يختاروا واحداً بحلول سن الـ22 عاماً، وهو خيار مستحيل بالنسبة لآنا.

وقالت آنا، التي تصف نفسها بأنها مختلطة العرق: "لقد عشت في كل من اليابان والولايات المتحدة، وأتحدث اللغتين، وهويتي منقسمة بالتساوي بين البلدين"، مضيفةً: "الأمر أشبه بسؤال شخص ما عما إذا كان يحب والدته أم والده أكثر، إنه سؤال قاسٍ للغاية".

وشهدت العقود القليلة الماضية زيادة في عدد الأشخاص الذين يسافرون ويعيشون في الخارج، حيث تضاعف عدد المهاجرين الدوليين، أي الأشخاص الذين غيروا بلد إقامتهم لمدة عام على الأقل، ثلاث مرات من عام 1970 إلى عام 2015، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.

وفي الوقت ذاته، ازداد التسامح مع الجنسية المزدوجة بشكل عام. وفي عام 1960، سمحت أقل من ثلث الدول للمواطنين بالحصول على جنسية ثانية، مقارنة بثلاثة أرباع الدول اليوم، وفقاً لورقة بحثية من عام 2019 أعدها مارتن فينك، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة ماستريخت في هولندا.

وتُعد آسيا استثناءً لهذا الاتجاه، إذ انها المنطقة الأكثر تقييداً في العالم من حيث الجنسية المزدوجة، حيث تسمح بذلك نسبة 65% فقط من بلدانها وأقاليمها، وفقاً لمركز ماستريخت للمواطنة والهجرة والتنمية.

وتقوم بعض الدول الآسيوية بتشديد قوانين الهجرة الخاصة بها. وعززت اليابان موقفها الصارم في يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما أيدت المحكمة حظر البلاد للجنسية المزدوجة، ورفضت دعوى رفعها مواطنون يابانيون يعيشون في أوروبا.

واتخذت هونغ كونغ موقفاً أكثر تشدداً في فبراير/ شباط الماضي، حيث منعت المواطنين مزدوجي الجنسية من الحصول على الحماية القنصلية، وهي خطوة لم يتم اتخاذها من قبل في المدينة الصينية، حيث لا يُسمح القانون بالجنسية المزدوجة ولكن تم التسامح معها.

وأوضحت رئيسة السلطة التنفيذية في هونغ كونغ، كاري لام، في فبراير/ شباط الماضي أن "الجنسية المزدوجة غير معترف بها في قانون الجنسية الصيني"، مضيفةً: "هذا واضح للغاية، ونحن نطبق أو ننفذ بصرامة تلك السياسة المعينة".

وهناك عدد من الأسباب التي تجعل المنطقة شديدة المقاومة للمواطنة المزدوجة.

الولاء والقومية

ازدواجية الجنسية
تومويا كاواكيتا، مواطن ياباني أمريكي مزدوج الجنسية اتُهم بالخيانة في الولايات المتحدة، التقطت الصورة بتاريخ 17 نوفمبر، 1952Credit: Los Angeles Examiner/USC Libraries/Corbis/Getty Images

وفي آسيا والمحيط الهادئ، هناك عدد قليل فقط من الأماكن التي تقبل الجنسية المزدوجة دون أي محاذير، بما في ذلك كمبوديا، وتيمور الشرقية، وأستراليا، ونيوزيلندا، وفيجي.

وبينما تعارض معظم الدول ذلك، فإن بعضها يختار عدم تطبيق السياسات بصرامة، مما يسمح للأشخاص بالاحتفاظ بجوازات سفر متعددة من خلال عدم التصريح عنها.

وتسمح بعض الدول الأخرى بالجنسية المزدوجة في أشكال مقيدة، على سبيل المثال تسمح الفلبين بذلك لأولئك الذين ولدوا مواطنين فلبينيين، ولكن ليس للفلبينيين المتجنسين، وتسمح كوريا الجنوبية للأطفال المولودين لمواطنيها في الخارج بحمل جواز سفر موطنهم الأصلي وأولياء أمورهم.

وأحد أسباب معارضة العديد من الدول الآسيوية للجنسية المزدوجة هو الاعتقاد بأنها يمكن أن تخلق ولاءات منقسمة بين المواطنين، وفقاً لما قالته يلينا دزانكيتش، المديرة المشاركة لمرصد المواطنة العالمية "GLOBALCIT"، وهي شبكة أبحاث المواطنة الدولية.

وأضافت أن السبب، تاريخياً وتقليدياً، في عدم سماح الدول بالجنسية المزدوجة، يتمثل بالسؤال التالي: "ما البلد الذي ستدافع عنه في حال نشوب حرب بين البلدين؟".

وصاغت اليابان قوانين الجنسية الحالية الخاصة بها بعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية، عندما تم وضع العديد من الأمريكيين اليابانيين في معسكرات اعتقال في الولايات المتحدة. وقال أتسوشي كوندو، أستاذ القانون بجامعة ميجو اليابانية، إن المواطنين مزدوجي الجنسية الآخرين تخلوا عن ولائهم للإمبراطور الياباني من أجل سلامتهم.

وفي إحدى الحالات المشهورة، كان مواطن ياباني-أمريكي مزدوج الجنسية من مواليد الولايات المتحدة يعمل في اليابان لصالح شركة كانت تشرف على أسرى الحرب الأمريكيين، وعند عودته إلى الولايات المتحدة بعد الحرب، حُكم عليه بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى. وفي النهاية تم العفو عنه وترحيله إلى اليابان، ولكن لعقود بعد ذلك، أشار المشرعون اليابانيون إلى هذه القضية كمثال على الالتزامات المتضاربة التي تأتي مع الجنسية المزدوجة.

وقال كوندو: "في زمن الحرب، أظهرت الجنسية المزدوجة ضرراً، ولكن في وقت السلم، يتمتع المواطنون الذين لديهم جنسية مزدوجة بالعديد من المزايا"، بما في ذلك السفر بدون تأشيرة إلى المزيد من البلدان، وزيادة فرص العمل الدولية، والتعليم الجامعي الذي يحتمل أن يكون أرخص.

وهناك جوانب سلبية حديثة أيضاً، إذ على سبيل المثال، يتعين على المواطنين الذين لديهم جنسية مزدوجة في الولايات المتحدة دفع ضرائب مزدوجة، ولكن هذا ليس هو الحال بالنسبة لمعظم البلدان.

وأضاف كوندو أن السياق الدولي قد تغير الآن، موضحاً أن "معتقدات اليابان عفا عليها الزمن بعض الشيء"، ومع ذلك فإن الحكومة مترددة في فتح قوانين الهجرة وتخاطر بإثارة غضب الناخبين المحافظين.

وقال لو تشو تشين، محاضر التاريخ في جامعة سينز ماليزيا، إن حظر الصين على الجنسية المزدوجة يهدف أيضاً إلى ضمان أن مواطنيها "يمنحون فقط ولاءً غير مقسم للحكومة".

وخلال حقبة الحرب الباردة، أُعيقت جهود الصين لتطبيع العلاقات مع الدول المجاورة وإنهاء العزلة الدولية لأن "الصينيين المغتربين كانوا يرتبطون بالأنشطة الثورية" والانتفاضات الشيوعية، وفقاً لما كتبه لو عام 2016. لذلك، صاغت الحكومة الشيوعية قانون الجنسية الحالي في عام 1980 لحل "الخلافات الدبلوماسية" و"إنهاء الولاء المنقسم بين الصينيين في الخارج".

وفي عهد الرئيس الصيني شي جين بينغ، شنت الحكومة حملة على المواطنين الذين لديهم جنسية مزدوجة، وشجعت الجمهور على الإبلاغ عن الأشخاص الذين يحملون جوازي سفر سراً.

وجاءت هذه الحملة في إطار جهود الحكومة لمكافحة الفساد ضد "مزدوجي الجنسية الذين يستغلون المناطق الرمادية في القانون، ومحاولة التهرب من العقوبات القانونية بوضع جنسيتهم الأجنبية ... للهروب إلى الخارج، ونقل ممتلكاتهم "، بحسب ما ذكره لو، مشيراً إلى تقديرات البنك المركزي الصيني بأن 18 ألف مسؤول فاسد ربما فروا من البلاد بـ 800 مليار يوان، أي 122 مليار دولار، بين منتصف التسعينيات وعام 2008.

وظهرت مسألة المواطنة إلى الواجهة خلال جائحة "كوفيد-19"، وفي خضم أزمة تجاوزت الحدود الوطنية، واجهت الحكومات فجأة أسئلة مثل: من هم المواطنون الذين ندعي أنهم مواطنون لنا؟

ونظراً لأن الصين لا تعترف بالجنسية المزدوجة، فقد مُنع العديد من المواطنين الصينيين الذين يحملون جنسية ثانية من الذهاب إلى بلدهم، حتى وإن كان ذلك مكان ميلادهم أو محل إقامتهم الأساسي.

وكانت هناك حالات تشتت فيها العائلات، وقيل لامرأة بريطانية إنها لا تستطيع السفر مع ابنها البالغ من العمر 3 أعوام لمجرد أنه يحمل جواز سفر صيني، على الرغم من أنه مواطن بريطاني يحمل جواز سفر بريطاني أيضاً. وفي مواجهة الضغوط الدولية، رضخت الحكومة في النهاية.

العِرق والدم

وقالت دزانكيتش، من شبكة الأبحاث "GLOBALCIT"، إن فكرة الولاء لدولة واحدة وثقافة واحدة، خاصة في شرق آسيا، قد "تعني أيضاً الرغبة في الحفاظ على هوية عرقية وثقافية متماسكة".

وإحدى أسهل الطرق التي يمكن أن يتحكم بها بلد ما في تركيبته العرقية هي من خلال نوع المواطنة التي يختار الاعتراف بها.

وهناك طرق متعددة للحصول على الجنسية الأولى أو الثانية، بما في ذلك من خلال الزواج، والتبني، والتجنس. ولكن أكثر الطرق شيوعاً هي حق المواطنة بالولادة، مما يعني أن الأطفال يكتسبون تلقائياً جنسية البلد الذي ولدوا فيه، ومن خلال حق الدم، الذي يمنح للأطفال حق الانتساب لجنسية والديهم.

وفي آسيا، لا تعترف الغالبية العظمى من البلدان اليوم بحق المواطنة بالولادة، وهي إحدى أسرع الطرق لنمو السكان من الأقليات العرقية أو الأجانب في بلد ما، وإذا فعلت، يكون ذلك بشروط معينة، وفقاً لشبكة "GLOBALCIT".

وتطبق كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، حق المواطنة بالولادة فقط للأطفال الذين لا يعرفون أهلهم أو ليس لديهم جنسية، لذلك إذا تم التخلي عن الطفل المولود على الأراضي الكورية، فسيحصل على الجنسية الكورية.

وقامت كوريا الجنوبية بتحرير قانون الجنسية الخاص بها مع تعديلات شاملة في عام 2010، والتي سمحت بالجنسية المزدوجة الدائمة لمواطنيها لأول مرة، وإن كان ذلك في ظل ظروف محددة، وتم منح المواطنين مزدوجي الجنسية خارج تلك الظروف فترة أطول للاختيار، وتم إنشاء مسار تجنيس خاص للأفراد الموهوبين.

وقال كوندو إن اليابان لا تزال صارمة في قوانين الجنسية الخاصة بها وهي متجانسة عرقياً، على الرغم من أن إحصاءات الحكومة لا تتضمن تقسيماً عرقياً.

وإذا أنجب مواطن ياباني متجنس وليس يابانياً بالعرق طفلاً، فسيصبح هذا الطفل تلقائياً مواطناً يابانياً، ولكن المواقف والأعراف الاجتماعية تواصل رسم الخطوط حول العرق. ولا يزال هناك تنمر في المدارس، وإحساس بالاستبعاد الاجتماعي لليابانيين من ذوي العرق المزدوج أو مختلطي العرق، وفقاً لما قالته آنا.

نظرة مستقبلية 

ازدواجية الجنسية
جواز السفر البريطاني لما وراء البحار وجواز سفر هونغ كونغ.Credit: Paul Yeung/Bloomberg/Getty Images

وتشير التحركات الأخيرة في الصين، واليابان، وهونغ كونغ إلى أن أجزاء من آسيا تبتعد أكثر عن الجنسية المزدوجة حتى مع احتضانها في أجزاء أخرى من العالم. وقامت ملاوي، التي كانت قد حظرت الجنسية المزدوجة في السابق، بتعديل قوانينها للسماح بذلك في عام 2019. وحذت روسيا والنرويج حذوها في عام 2020.

وفي هونغ كونغ، لا يزال مستقبل الجنسية المزدوجة غير واضحاً، ورغم من إصرار الحكومة على أنها تتخذ موقفاً أكثر تشدداً في التنفيذ، إلا أنها لم تقدم معلومات حول الإجراءات التي سيتم اتخاذها أو كيف سيتأثر الآلاف من المواطنين مزدوجي الجنسية في المدينة.

وعلى نطاق أوسع في جميع أنحاء آسيا، من غير المرجح أن تقوم معظم البلدان بتحرير قوانينها في أي وقت قريب. وقال لو إن الغرب يعطي الأولوية لليبرالية والحقوق الفردية في الجنسية المزدوجة، ولكن في العديد من الدساتير الآسيوية، يكون الحصول على الجنسية أمراً صعباً للغاية بالنسبة لمجتمعات المهاجرين لأن الحكومات تعتقد أن الحق في الجنسية هو امتياز وليس حقاً.

وفي هذا السياق، من الصعب تخيل أن الحكومات الآسيوية ستسمح بالجنسية المزدوجة.

ومع ذلك، لا يزال الخبراء ومزدوجو الجنسية يأملون في أن يأتي التغيير حتماً مع نمو الهجرة العالمية. وقال فينك، الأستاذ بجامعة ماستريخت، إن الأمر سيستغرق وقتاً.

ورغم أنهم لا يزالون يمثلون أقلية، فقد أدخل عدد قليل من الدول الآسيوية قواعد جديدة تسمح بترتيبات جنسية أكثر مرونة.

وأصدرت الهند، على سبيل المثال، فئة جديدة من الإقامة الدائمة في عام 2005 والتي سمحت للأشخاص المنحدرين من أصل هندي بالعيش والعمل في البلاد. ورغم من أنها لا تشبه الجنسية المزدوجة، إلا أنها تمثل "طريقة للاعتراف بحقائق عالم يتحول إلى العولمة والتكيف معها خطوة بخطوة"، بحسب ما ذكرته دزانكيتش.

وأضافت دزانكيتش: "رغم أن الدول بشكل عام مقيدة للجنسية المزدوجة، يمكن للمرء أن يتساءل عما إذا كانت هذه الأوضاع الوسيطة يمكن أن تكون خطوة أو تحركاً نحو سياسة أكثر تساهلاً".