دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يعود تاريخ قوارب الإبحار إلى أكثر من 5 آلاف عام، عندما جاب المصريون القدماء نهر النيل على متن مركبات خشبية، تعمل بدفع الرياح للأشرعة والتجديف.
ولكن، عندما وصلت المحركات البخارية ومحركات الديزل، وزادت العولمة من الحاجة إلى التجارة، سقطت الحاجة لاستخدام الأشرعة.
واليوم، تعود الأشرعة مرة أخرى، حيث تتطلع صناعة الشحن إلى تقليل انبعاثات الكربون، غير أن الحلة الجديدة للأشرعة لا تبدو مثل تلك التي كانت موجودة في الماضي.
وبشكلها الطويل والمنتفخ ولونها ناصع البياض، تشبه الأشرعة العملاقة القابلة للنفخ، والمصممة من قبل شركة "ميشلان" الفرنسية المصنعة للإطارات المطاطية، الـ"بيبندوم"، إلى حد كبير الرجل المطاطي، والذي يُعرف أيضاً بلقب "رجل ميشلان"، أكثر من أشرعة القماش التقليدي.
ويمكن للأشرعة، المصنوعة من مادة مرنة، أن تنتفخ أو تنكمش بضغطة زر.
ولا يلزم وجود طاقم لتجهيز تلك الأشرعة، إذ تدور تلقائيًا في اتجاه الرياح، وهي مجهزة بأجهزة استشعار تقيس اتجاه الرياح وسرعتها.
وستعمل الأشرعة، التي كان من المقرّر أن يتم تحديثها على سفن الشحن الحالية، إلى جانب محرك السفينة، مما يقلّل من اعتمادها الكلي على الوقود الأحفوري. وتقدّر ميشلان أن نسبة توفير الوقود، يمكن أن تصل إلى 20%.
ومن جانبه، يقول قائد مشروع شركة "WISAMO" للتنقل، بينوا ديليز إن "هدفنا هو المساهمة في إزالة الكربون عن النقل البحري".
ويضيف أنه مع زيادة اللوائح المتعلقة بانبعاثات الكربون، سيزداد الطلب على البدائل الخضراء.
ويمثل الشحن البحري، الذي يتم تشغيله في الغالب بالوقود الأحفوري، حوالي نسبة 3% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، وفقًا للمنظمة البحرية الدولية.
وأثبتت إزالة الكربون أنها عملية بطيئة، حيث ارتفعت الانبعاثات من الشحن في العقد الماضي. ولكن الأشرعة الحديثة يمكن أن تساعد في تسريع الانتقال، وفقًا لتقرير صدر هذا العام من معهد المهندسين الميكانيكيين.
وحثّت الصناعة على تبني هذه التقنية، موضحة أن "أجنحة القرن الحادي والعشرين"، يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في الحد من انبعاثات الصناعة، خاصة لدى إعادة تركيبها على سفن الشحن.
أجنحة وليست أشرعة
وبفضل حجمها والمواد المصنوعة منها وخاصية التشغيل الآلي التي تتميز بها، فإن الأشرعة الحديثة قادرة على تسخير المزيد من الرياح بالمقارنة مع الأشرعة من الماضي.
وفي الواقع، إنها تشبه جناح الطائرة أكثر من الشراع القماشي التقليدي - وهي مصممة لتوليد قوة رفع عمودية على اتجاه الرياح، بأقل قدر ممكن من السحب الديناميكي الهوائي.
ويقول دايليز لـCNN: "هذه ليست أشرعة، إنها أجنحة".
ويشير إلى حقيقة أنه يمكن تثبيت هذه الأشرعة على السفن التجارية الحالية، ما يجعل التكنولوجيا جذابة لسوق الشحن الجماعي، مضيفًا أنها أيضًا توفر أكبر قدر من الكربون، حيث تميل السفن القديمة إلى أن تكون أسوأ الملوثات.
ومع ذلك، لا يزال تصميم "ميشلان" بعيدًا عن الواقع.
ولن تكشف الشركة عما إذا كانت قد ضمنت أي عملاء تجاريين، وحتى الآن، اختبرت فقط نسخة تبلغ مساحتها 1000 قدم مربع من التصميم، ورفعتها على يخت بطول 40 قدمًا في بحيرة نوشاتيل السويسرية.
ويأمل ديليز أن تختبر الشركة نسخة أكبر - بين 3،000 و5،000 قدم مربع - على سفينة شحن في عام 2022 قبل التوجه إلى الإنتاج على نطاق واسع.
ولكن "ميشلان" ليست الشركة الوحيدة التي تجلب أشرعة عالية التقنية لسفن الشحن.
وحصلت شركة "BAR Technologies" ومقرها المملكة المتحدة على عقد مع شركة الشحن الأمريكية العملاقة "Cargill"، لتعديل مفهوم أجنحة الرياح "WindWings" على سفينة شحن سائبة مستأجرة من قبل الشركة بحلول عام 2022.
واستنادًا إلى النظرية ذاتها مثل تصميم "ميشلان" باختلاف مادة الصنع وهي الفولاذ، فإن الهياكل التي يبلغ ارتفاعها 150 قدمًا، لا تعمل فقط مثل جناح الطائرة، ولكنها تبدو مثل الجناح أيضًا.
وبدلاً من النفخ أو الانكماش، ستقف الأجنحة منتصبًة على سطح سفينة الشحن، ويمكن أن تنثني بشكل مسطح، لتمر تحت الجسور أو تدخل إلى الموانئ.
وتبدو الأشرعة الصلبة أكثر شبهاً بتلك الموجودة على "Oceanbird"، وهي حاملة سيارات عبر المحيط الأطلسي بطول 650 قدمًا، تعمل بالرياح صممتها شركة بناء السفن السويدية "Wallenius Marine"، ومن المقرر أن تقوم برحلتها الأولى في عام 2024.
وعلى عكس "Oceanbird"، التي تعتمد فقط على الرياح، ستعمل أجنحة "BAR Technologies" إلى جانب المحرك - مما يزيد من كفاءة وقود السفينة بنسبة تتراوح بين 25% و30%.
ويوضح جون كوبر، الرئيس التنفيذي لشركة "BAR Technologies"، أن طاقة الرياح بنسبة 100% تعمل للطرق ذات الرياح المضمونة أو في المواقف التي يكون فيها من المقبول أن تتأخر السفينة فترة يومين، لافتًا إلى أن هذا ليس خيارًا لغالبية أنواع الشحن التجاري.
وبينما أن الشركة لن تكشف عن المبلغ الذي ستبيع به الأجنحة، يقول كوبر إن الأمر يتعلق بالعائد أكثر من السعر.
ويُوضح: "(الحافز) الاقتصادي الواضح هو خفض الوقود، وعندما تخفض الوقود، فإنك تقلّل من غازات الاحتباس الحراري (الانبعاثات)".
ويضيف أن هذه المدّخرات تعوضّ تكلفة التركيب، وستزداد إذا تم فرض ضريبة كربون عالمية، أو إذا انتقلت الصناعة إلى أنواع وقود أكثر تكلفة ومنخفضة الكربون مثل الهيدروجين، أو الأمونيا، أو الغاز الطبيعي المسال.