دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أمضى المهندس المعماري بروس بيكير معظم فترة نضجه، 33 سنة منها على وجه التحديد، في وضع تصاميم معمارية للمباني. غير أنّ تجديد مبنىً بالتحديد استنزف وقت هذا المعماري البالغ من العمر 62 عامًا، في السنوات الأخيرة.
عام 2019، اشترت شركته "Becker + Becker" معلمًا بارزًا، وسجّلته تحت عبارة "موقع تاريخي في نيو هافن، كونيكتيكت"، وذلك لقاء 1,2 مليون دولار، كي يحقّق بيكير من خلال رؤيته فندقًا يتّسم بصفر انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، يعتقد أنه سيكون الأول من نوعه في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال بيكير: "عليك أن تُعيد استخدام، أو تدوير، أو تجدّد مبان موجودة كي تكون فعليًّا مستدامة"، مُضيفًا: "ثقافتنا القائمة على الهدم لبناء منشأة جديدة مكانها غير فعّالة، لا سيّما حين يكون لديك مبنى مثل هذا يتمتع ببنية قويّة، وبُنِي كي يستمر للقرن المقبل. فسيكون مُعيبًا إن لم تُعد النظر في وظيفته".
سيطلق على المبنى اسم "فندق مارسيل" (Hotel Marcel) الذي ستعود ملكيّته إلى العلامة التجارية "هيلتون". ويتألف من 165 غرفة.
وفق بيكير، فإن المبنى بمجمله سيكون تشغيله مستقلًّا عن الوقود الأحفوري وسيولّد طاقته بنفسه، معتمدًا بالدرجة الأولى على الطاقة الشمسية، وقد وُزعت الألواح على سقف الفندق وفي موقف السيارات.
ويتوقّع أن تولّد هذه الألواح نحو 700 ألف كيلوواط في الساعة سنويًا، أي ما يوازي توليد طاقة كهربائية لنحو 70 منزلًا أمريكيًا. ووفق بيكير فإنّها ستّلبي مجمل الطاقة التي يحتاجها الفندق.
بين المبنى القديم والفندق الصديق للبيئة
صمّم المعماري الشهير مارسيل بروير (الذي سُمّي الفندق تيمّنًا به)، هذا المبنى أساسًا في الستينيات، وأُنجز عام 1970. يتألّف المبنى من تسع طبقات إسمنتية، وحافظ على موقعه المميّز على امتداد الساحل الشرقي الرئيسي للولايات المتحدة، بسبب الفراغ الكبير الذي يفصل بين الطبقات السفلى وتلك الوسطيّة.
تصميم بروير كان عالميًا. أمّا الاستخدام الأوّلي للمبنى فكان لمكاتب العمل وقسم البحث والتطوير لصانع الإطارات "أرمسترونغ رابر".
وخُصّصت أدواره العليا للمكاتب الإدارية. والهدف من الهواء الفاصل بين الطبقات كان التخفيف من الضجيج الصادر عن مختبرات الأبحاث في الطبقات السفلى. ومنذ ذلك الوقت، تبدّلت إدارة هذا المبنى مرات عدّة إلى أن اشتراه عملاق الأثاث السويدي IKEA عام 2003، غير أنّ الشركة لم تنتقل إليه، وبقِيَ المبنى فارغًا.
بعد نحو عقدين تقريبًا، كان مُخطّط بيكير تحويل هذا المبنى إلى فندق صافي صفري انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، ما يعني مقاربة هذا المشروع من زاويتين: تخفيض الاستهلاك الإجمالي للطاقة، وإيجاد أكثر الطرق فاعلية من أجل توليد طاقة بديلة.
وقال لشبكة CNN: "أمضينا أشهرًا طويلة نضع تصوّرًا لكيفية عزل المبنى بحيث لا يكون هناك تسرّبًا"، مضيفًا: "كمّ الطاقة التي يتوجّب علينها صرفها من أجل التدفئة والتبريد، ستكون بنسبة ربع ما يفترض أن يستهلكه مبنى مماثلًا جديدًا".
المبنى بحد ذاته ملائم لتخفيض استهلاك الطاقة، فواجهاته الإسمنتية الجاهزة المؤلّفة من سلسلة من النوافذ ذات عمق نحو الداخل، تُعطي ظلالًا طبيعية حين تكون الشمس في ذروتها.
كما استخدمت شركة "بيكير" نوافذ الزجاج الثلاثية بهدف المحافظة على درجات حرارة مستقرة داخل المبنى، وأضاف المهندسون كل الأنظمة الخاصة بالأدوات الكهربائية للمطبخ والغسيل.
أما الإنارة المستخدمة فستتّسم باستخدام الطاقة المتجدّدة، ونظام المراقبة المعروف بـ"طاقة عبر الإيثرنت" (POE) الذي يستعمل تقليديًا في المنازل لأنظمة الحواسيبب وأجهزة الهواتف.
وبعد الانتهاء من تنفيذ ذلك، يرى بيكير أن هذه الخيارات الفريدة في التصميم ستجعل من هذا الفندق الأول في الولايات المتحدة الذي يحمل شهادة "المبنى السلبي"، الممنوحة للمنشآت التي تتوافق معاييرها مع متطلبات صافي صفر انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
ببطء نحو الاستدامة
وفي حين أصبحت المباني الخضراء أكثر شيوعًا حول العالم، ينتصر هذا الفندق لأهدافه الطموحة، وسط صناعة لطالما اشتهرت باستهلاكها للطاقة.
وقال جايسون ماكلينن، مؤسس برنامج "التحديات الدولية للعيش مستقبلًا" (International Living Future Challenge) الذي يتمحور على إصدار تراخيص لمشاريع المباني المتجددة، إن "بعض أنواع المباني تستهلك الطاقة أكثر من غيرها"، لافتًا أن "مبنى مخصصًا للمكاتب يستهلك طاقة أقل عمومًا من الفنادق، فالفنادق تستخدم الكثير من الطاقة في المتر المربع الواحد".
وحسب منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، فإن الفنادق وأماكن الإقامة الأخرى مسؤولة عن نسبة نحو 5% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون في قطاع السياحة. وأظهرت الدراسات التي وضعها شركاء السياحة الدولية، أنه من أجل الحفاظ على هدف البقاء ضمن المعايير الموضوعة في "اتفاق باريس للمناخ"، تحتاج صناعة الضيافة إلى تخفيض الانبعاثات بنسبة 90% بالمجمل خلال السنوات الثلاثين المقبلة.
في العقد الفائت، قامت الفنادق الكبيرة والصغيرة ببعض الممارسات المستدامة، لكن التحرّك باتجاه تحويل هذه المباني إلى استخدام طاقة فعّالة ما زالت بعيدة المنال.
في هذا الإطار، أشارت كورين هانسن، مديرة الاستدامة وتأثيرها لدى مجموعة فنادق ومنتجعات SH، وهي علامة تجارية فخمة للفنادق المنتشرة في أمريكا الشمالية وآسيا وأوروبا، أنّ "تجربة نزيل الفندق مختلفة، لأنها تتضمّن استخدام مبان متعدّدة الوظائف"، مضيفة أنّ "العمل على الدمج بين كل هذه التحديات التشغيلية سيجعل الضيافة المستدامة فريدة".
ويقرّ بيكير بأنّ تبنّي هذه الصناعة لمبانٍ صفر انبعاثات بطيء، بسبب النقص في المحفزات الاقتصادية، والتحدي الفريد لإعادة تجديد العقار الذي بُنيَ ليكون مأهولًا كل الوقت.
وبرأيه، فإنّ إقناع هذه الصناعة بالتغيير يتطلّب إظهار كيف أنّ المحفزات الاقتصادية متّصلة مباشرة باستهلاك الطاقة.
ويعترف بأنّ كلفة تنفيذ مبانٍ مستقلة من حيث توليد الطاقة الكهربائية مع صفر انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، مرتفعة جدًا، لكنها أقل مما كانت عليه سابقًا، وبالتأكيد تلمس إيجابية استخدامها في السنوات الثلاث أو الأربع اللاحقة، من خلال توفير الطاقة.
وخلص بيكير إلى أن "التصميم الجيد يستلزم مقاربة شاملة"، أي كيف "يخدم التصميم العمل الوظيفي للمبنى وتشغيله".
رفع المعايير
بالنسبة إلى مسؤولة البيئة والمجتمع والحوكمة في مجموعة هلتون كريتسن كامبيل، فإن فندق "مارسيل" يعكس نوايا المؤسسة بزيادة رصيدها في أن تكون عقاراتها صفر انبعاثات. وأكدت أن معظم عقارات المؤسسة في المملكة المتحدة، بدأت تعمل منذ عام 2020، على الطاقة المتجددة 100%. ورأت أن الاختبار الحقيقي لرؤية بيكر وتأثيرها اللاحق سيظهر في مطلع عام 2022، حين يفتح فندق "مارسيل" أبوابه للعموم.