دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) – قبل عشر سنوات، تعرّضت منطقة تشينكوي تيري الإيطالية لفيضان قاتل. وفي عام 2011، تعرضت قرى الصيد الخمس الصغيرة - التي لطالما كانت نقطة جذب للسياح من جميع أنحاء العالم - لواحدة من أسوأ الفيضانات التي شهدتها المنطقة على الإطلاق. وقُتل ثلاثة عشر شخصًا وخسر العديد من من السكان ممتلكاتهم. وغمرت الوحول طرقات قرية فيرناتسا، الأشهر بين القرى الخمس.
ولكل فرد من سكان هذه المنطقة قصة شخصية يرويها عن هذا اليوم المريع، ولكن الأكثر استثنائية بينها فهي تلك التي اختبرها بيرباولو باراديسي، صاحب فندق محلي، إذ قال إنه في هذا اليوم المشؤوم، أنقذ كلبه حياته، الذي تيمّنّا به، أُطلق اسمه على الفندق.
ويقع "فندق ليو" على أعلى الجرف الصخري المطل على فيرناتسا. وهو جزء من قرية بريفو الصغيرة الواقعة مباشرة على درب سينتيرو أزورو، أي "المسار الأزرق" الشهير الذي يعشق السيّاح المشي عليه. ويقصد ثلاثة ملايين زائر القرى الخمس الصغيرة سنويًا، الأمر الذي ساهم بصناعة شهرة منطقة تشينكوي تيري.
ولكن قبل عشر سنوات، جرفت انزلاقات التربة الطينية بالقرب من قرية بريفو ودرب سينتيرو أزورو، كل شيء بطريقها، وغمرت الطرق بالوحول والحطام.
وفي ذلك الوقت، كان صاحب الفندق الطموح الذي تعود أصوله إلى جزيرة سريدينيا، يعمل في مدينة لا سبيزيا الواقعة على مدخل تشينكوي تيري. وكان باراديسي انتقل قبل 15 عامًا إلى ليغوريا، بعد وصوله خلال رحلة مشيٍ على درب سينتيرو أزورو إلى قرية بريفو المهملة في تلك المرحلة. ورأى أنه في الإمكان تشييد فندق رائع في هذا المكان. وسرعان ما شرع بأعمال ترميم مكثفة، غير أنّ الفيضان اجتاح المنطقة بعد خمسة أعوام.
وقبل شهر من هذه الواقعة المشؤومة، كان باراديسي اقتنى جروًا من صربيا، بعد تصفّحه موقعًا إلكترونيًا تابعًا لمجموعة ناشطين من أجل الدفاع عن حقوق الحيوانات على "فايسبوك" خلال الصيف، حيث يقوم بعضهم باستقدام كلاب ضالة وقطط إلى إيطاليا، في كل مرة يأتون فيها للعمل.
وقال باراديسي إنه "خلال الحرب اليوغسلافية، تخلّى الناس عن حيواناتهم، من كلاب وقطط وسلاحف"، مضيفًا أنّ ذلك "تسبّب بمشكلة ناجمة عن الكلاب الضالة".
وتم إيداع الكلاب الضالة في بيوت خاصة بها، حيث تواجه خطر الموت الرحيم إن لم يتم تبنيها خلال 48 ساعة. ورغب باراديسي بإنقاذ أحد هذه الكلاب، طالبًا من المجموعة اختيار كلب له "صغير الحجم لأنه يستخدم القطار كثيرًا".
ووصل ليو، كما أسماه باراديزي، إلى ليغوريا في 25 أيلول 2011.
يوم العاصفة المشؤوم
وبعد مرور شهر على وصوله، ورغم أنه كان ممنوعًا على الموظفين اصطحاب الكلاب معهم، خالف بارديسي القرار وأخذ كلبه الجديد إلى العمل في ذلك اليوم لأنّه لم يستسغ فكرة تركه بمفرده في المنزل بعد الإعلان عن عاصفة ستضرب المنطقة، قائلًا: "انتهاك قاعدة العمل هذه أنقذت حياتي".
وبدأت العاصفة ما أن وصلا إلى لا سبيزيا، ورافقتها الأمطار الغزيرة، والبرق والرعد، والسيول الجارفة، ما جعل باراديسي يقرّر مغادرة العمل باكرًا تخوّفاً من أن تسوء الأحوال الجوية أكثر. وأوضح أنه لم يشهد طقسًا أسوأ من ذلك سابقًا، مشيرًا إلى أنّ إعصارًا مائيًا ضرب الجبال، ولم يكن في استطاعته الرؤية لأكثر من 30 سنتمترًا أمامه.
ووضع باراديسي ليو على المقعد الخلفي من سيارته، وقد التزم الصمت مسافة الـ 27 كيلومترًا التي عليهما اجتيازها حتى وصلا إلى منطقة قريبة من بريفو، قبل أن تدور السيارة حول الجرف، إذ قال باراديسي: قام ليو بحركته قفز إلى الأمام، ثم على ركبتي، ما اضطرّني إلى إيقاف السيارة"، مضيفًا: "استشطّت غضبًا وصرخت على ليو". وعندما كان يهمّ لاستكمال طريقه، انهار الجرف أمامهما.
وقال باراديسي: "انزلق الجرف، وغطّى انهيار الطين الإسفلت ودرابزين الدرب. لو كنّا أقرب بمتر واحد كنّا لقينا حتفنا".
ولم يدرك باراديس في تلك اللحظة أنّ ليو أنقذ حياته، إذ أنه تحت تأثير الصدمة، تمكّن من السيطرة على السيارة وسلك طريقًا أخرى باتجاه مانرولا، وهي إحدى قرى تشينكوي تيري الخمس، قائلًا: "عندها فقط استوعبت ما حدث".
ونام باراديسي وليو في السيارة طوال الليل. وفي اليوم التالي، قصدا منزلهما مشيًا على الأقدام وشاهدا الدمار الذي خلّفه الإعصار.
ووصف بارايديسي الأمر بانه كما لو كان في مكان "أشبه بساحة حرب"، مضيفًا: "كان هناك طوافات تحوم فوق المنطقة بحثًا عن أشخاص ضائعين، ومراكب صيد مقلوبة في الماء، والناس تصرخ باحثة عن مفقودين"، وموضحًأ: "كان منزلنا في حالة سليمة، لكننا لم نتمكن من الدخول إليه بسبب انزلاق الطين الذي قطع الطريق".
مديرا الفندق: باراديسي وليو
وتحوّل منزلهما إلى فندق في أعلى الجرف، يتألف من شقق يُعدّ المستأجر فيها طعامه بنفسه. وأطلق باراديسي على هذا الفندق اسم ليو، مع لافتة رُسم عليها كلب، عُلّقت بفخر على مدخله.
ويتقن ليو دور المضيف، حيث يستقبل النزلاء، ويرافقهم إلى غرفهم، ويقوم بجولة أمنية حول الفندق، الذي يقع على درب المشي الخاص بالسياح، الذين يدخلون إليه كل دقيقة. كما يترافق المديران سويًّا بعد ظهر كل يوم لجلب النزلاء من كورنيليا، بالسيارة الرباعية الدفع.
وقد انتشرت شهرة ليو في كل مكان. كما حصل على جائزة "بريميو إنترناتسيوناليه فيديليتا ديل كانيه" (الجائزة الدولية لوفاء الكلب)، بعدما تمّ اختياره "الأوّل" بين عشرة كلاب مميزين، عام 2012.
وكان باراديسي قد ظنّ أنّ إقدام ليو على إجباره لإيقاف السياة حصل بمحض صدفة. ولكن الخبراء رأوا أن جزءًا من تصرّفه يتعلّق بالخوف. كما أوضحوا أنّ "الكلاب تتمتّع بـ150 مليون مستقبلات شميّة، فيما لدى البشر خمسة ملايين منها. ما يمنحها القدرة على استشعار الخطر بشكل أو بآخر. فهي تعلم أن أمرًا ما سيحدث لكن لا يمكنها فهمه".
مستقبل تشينكوي تيري
ما زال وقع هذه الكارثة الطبيعية التي ضربت المنطقة قبل عشر سنوات، كبيرًا على باراديسي، إذ أنه في حالة تأهّب دائم، رغم أنه بقي في المنطقة بهدف تحقيق حلمه بتحويل القرية المهملة، بريفو، إلى فندق، يضمّ اليوم غرفًا في وسعها استيعاب أربعين شخًصًا، بينها، شققًا وفيلا.
وقال: "جعلني هذا الفيضان أدرك أنّ القرى الخمس هذه تقع في منطقة شديدة الخطورة"، مضيفًا أنّ "علماء طبقات الأرض يقولون إنها ستكون أول منطقة تختفي في إيطاليا".
ويبلغ ليو اليوم 14 عامًا. وغالبًا ما يفكّر باراديسي باليوم الذي سيفارق فيه الحياة، قائلًا: "من المستحيل استبداله، لكني سأشتري كلبًا آخر من صربيا، كي أنقذه".
وفيما تستعد منطقة تشينكوي تيري إلى استذكار الأحداث المريعة التي وقعت قبل عشر سنوات، يستعيد باراديسي ذكرياته عن فترة ما بعد الظهر تلك على طريق فيرناتسا، وكيفية إنقاذ ليو لحياته، ومساعدته على تحقّيق حلمه ببناء فندق مطل على البحر.