دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في سبتمبر/ أيلول من عام 1998، كان الأمريكي دان جيدمان، الذي كان يبلغ من العمر حينها 27 عامًا، يدرس للحصول على شهادة الدكتوراه بالاقتصاد بجامعة واشنطن في مدينة سانت لويس بولاية ميزوري الأمريكية، عندما دعاه أستاذه لحضور مؤتمر في العاصمة الفرنسية باريس.
وانتهز دان الفرصة دون تردّد.
وقال دان لـ CNN: "نشأت في الغرب الأوسط للولايات المتحدة. ولم تُتح لي الفرصة مطلقًا للذهاب إلى أوروبا، أو إلى أي مكان خارج البلاد، لذا كنت سعيدًا للذهاب".
وفي آخر يوم له في باريس، استيقظ دان متأخرًا، إذ كان يتناول المشروبات في الليلة السابقة بالخارج مع غيره من المشاركين في المؤتمر، وسرعان ما أدرك أن لديه أقل من 24 ساعة قبل عودته إلى الولايات المتحدة، وأنه بالكاد استكشف المدينة.
وعندها فكر دان أنه لا يمكنه مغادرة باريس دون رؤية برج إيفل على الأقل.
وبعد أن ارتدى الزي الذين كان سيرتديه خلال المؤتمر، توجه إلى الدائرة السابعة في باريس، حيث يقع برج إيفل.
وأثناء انتظاره في طابور المصعد إلى أعلى برج إيفل، لاحظ دان وجود امرأة تنتظر معه، فابتسم الاثنان لبعضهما البعض.
كانت هذه إستر ويلاند، معلمة في مرحلة ما قبل المدرسة تبلغ من العمر حينها 23 عامًا، في زيارة إلى باريس من مدينة زيورخ السويسرية.
وقالت إستر لـCNN: "كنت بمفردي، واعتقدت حينها أن صباح يوم الاثنين لن يكون مزدحمًا بالناس الذين يريدون الذهاب إلى برج إيفل، لذلك ذهبت لمشاهدة معالم المدينة بنفسي، ووقفت في الطابور، ثم لاحظته هناك".
ويتذكر دان: "كنا نسترق النظرات إلى بعضنا البعض بين الحين والآخر".
وعندما وصل المصعد إلى قمة البرج - حيث انتشر السياح للاستمتاع بمنظر المدينة في الأسفل - وجد دان وإستر بعضهما البعض مرة أخرى.
وتجول الاثنان بشكل منفصل حول منصة العرض، حيث استمتعا بالمناظر البانورامية لباريس، وبقيا يسترقان النظر إلى بعضهما البعض، عندما قرّر دان أنه يجب أن يتحدث إلى إستر.
لكن هل سيحاول التحدث معها بالفرنسية؟ وماذا سيقول؟ وماذا لو أصبح الأمر محرجًا؟
ومع ذلك قرّر أنه في حال تحدث معها ولم تسر الأمور جيدًا، فلن يخسر شيئًا، ولن يعرف أحدٌ بذلك.
واقترب دان بأدب من إستر، وسألها بلغة فرنسية ركيكة عما إذا كانت تسمح بالتقاط صورة له مع المنظر في الخلفية.
ويتذكر دان قائلًا: "لقد أمضيت عامًا فقط في دراسة الفرنسية بالكلية، لذا لم أكن أعرف ما أقوله"، بينما أوضحت إستر: "لم أستطع فهم لغته الفرنسية. فقلت، هل يمكنك أن تعيد ما قلته مرة أخرى"؟
وبعدما شعر دان بالحرج، عاد إلى استخدام لغته الأم، وشرحت إستر أنها كانت تتحدث الإنجليزية بطلاقة، قائلة: "بدا دان محرجًا بعض الشيء عندما تحدث إلي، مما جعلني أشعر بالراحة"، مضيفًة أنها أحبت عينيه.
وبعد أن التقطت صورة له، بدأ الاثنان يتجولان حول منصة العرض جنبًا إلى جنب.
وأوضح دان: "تجولنا حول الجزء العلوي من البرج بالكامل، حيث شاهدنا المناظر معًا".
ولمدة نصف ساعة أو نحو ذلك، سار الاثنان معًا وتحدثا، وأبديا إعجابهما بالمدينة في الأسفل.
ثم سأل دان إستر عما إذا كانت ترغب في تناول القهوة معه في مقهى برج إيفل، بينما اقترحت إستر أن يتناولا شيئًا فور نزولهما.
وتتذكر إستر قائلة: "لقد اقترحت تناول الغداء معه جزئيًا لأنه كان قد حان موعد الغداء، ولأن الأمر في اعتقادي كان سيمنحنا مزيدًا من الوقت للتحدث معًا".
وأضاف دان: "لا أعرف ما إذا كان الحب من النظرة الأولى. ولكن كان هناك بالتأكيد إمكانية الحب من النظرة الأولى".
8 ساعات معًا في باريس
ونزل دان وإستر من البرج معًا ووجدا طاولة في مطعم قريب من ميدان "Place de l'Alma".
ويتذكر دان قائلًا: "كان لدينا إطلالة جميلة على برج إيفل من طاولتنا".
وأثناء تناول وجبة كروك موسيو وسلطة كابريزي، ثم احتساء قهوة الإسبريسو، واصل الاثنان المحادثة التي بدآها على منصة المشاهدة.
وأخبرت إستر دان أنها كانت تزور عمتها وعمها اللذين يعيشان خارج باريس وأنها نشأت كطفلة وحيدة، وتعمل كمربية أطفال في لندن، بينما أخبرها دان عن دراسته بموطنه في سانت لويس، وكذلك عن إخوته الأربعة.
وبعد الانتهاء من الغداء، توجه الاثنان إلى حدائق لوكسمبورغ معًا، حيث التقط دان صورة لإستر بجوار قصر لوكسمبورغ.
كما طلب الاثنان من أحد المارة التقاط صورة لهما معًا، وتبدو الابتسامة على وجهي الثنائي، دان بقميصه الأزرق وربطة عنقه، وإستر بكنزة صوفية باللون الكريمي.
وتجول الثنائي عبر نافورة ميديشي المهيبة، وعبر صفوف من الزهور، ثم سأل دان إستر إذا كانت ترغب في تبادل عناوين البريد.
ويتذكر دان عندما سألته إستر ما إذا كان سيجيب على كتاباتها. وعبرّ ضاحكًا: "كانت هذا أول إشارة فعلية إلى أنها كانت تستمتع بيومها أيضًا، بطريقة ما، وأنها لم تكن تشعر بالشفقة فقط على هذا الأجنبي المسكين الذي كان يتجول في أوروبا بمفرده".
وكانت إستر تستقل القطار عائدة إلى منزل عمتها في ذلك المساء، لذلك رافقها دان إلى محطة "غار سان لازار".
وعلى المنصة، تبادلا عناوينهما وأرقام هواتفهما على قصاصات من الورق.
وقالت إستر: "اعتقدنا أن هذه قد تكون آخر مرة نرى فيها بعضنا البعض"، بينما قال دان: "أعطيتها قبلة صغيرة على يدها".
والتقط دان صورة أخرى لإستر عندما صعدت إلى القطار.
وفي طريق عودته إلى فندقه، دخل دان إلى متجر لاختيار بطاقة بريدية تحمل صورة برج إيفل.
وكتب دان إلى إستر على البطاقة البريدية وأرسلها على الفور: "أتوقع أن أفكر فيك طوال حياتي، كلما رأيت صورة لبرج إيفل"، ومن ثم اتصل بإحدى شقيقاته من هاتف عمومي، وأخبرها عن لقاء إستر وحدثها عن الوقت الرائع الذي قاما بإمضائه معًا.
وفي هذه الأثناء، جلست إستر في القطار، وهي تفكر في دان.
وتتذكر ذلك اليوم قائلة: "أتذكر فقط أنني حزنت، غادرت في القطار وقلت وداعًا".
تبادل الرسائل
وبعد يومين من لقائهما، أرسلت إستر بطاقة بريدية عليها برج إيفل لدان، ولم تكن تعلم أنه أرسل لها بطاقة بريدية مماثلة.
وأدى وصول هاتين البطاقتين الأوليتين إلى بدء المراسلات بينهما. وبعد حوالي شهرين من كتابة الرسائل، اتصل دان بإستر للمرة الأولى، وكان ذلك قبل أن تصبح المكالمات الهاتفية الدولية رخيصة.
وبعد عدة أشهر من الرسائل والمكالمات، رتب الاثنان أن يقوم دان بزيارة إستر في زيورخ.
وعندما سافر إلى زيورخ لرؤية إستر في مايو/ أيار عام 1999، أي بعد حوالي 9 أشهر من لقائهما الأول على برج إيفل، لم يكن واضحًا بعد ما إذا كانت العلاقة بينهما عاطفية أم لا.
وكان كلاهما يشعر بالحماس لرؤية بعضهما البعض مرة أخرى، لكن لم يكن يعرف أيٌ منهما ما يمكن توقعه.
وكانت إستر متوترة أثناء انتظار وصول دان في مطار زيورخ. ولكن بمجرد أن رأته، عادت الراحة التي شعرت بها في ذلك اليوم من شهر سبتمبر/ أيلول.
واصطحبت إستر دان لتريه شلالات الراين المتتالية، وفي اليوم الثاني، ذهبا إلى مدينة لوسرن التي تعود لزمن القرون الوسطى، ثم سارا على طول ضفاف بحيرة زيورخ، ليتبادلا القُبل للمرة الأولى.
وقضى الاثنان بقية الأسبوع في مشاهدة المعالم السياحية معًا - بما في ذلك رحلة إلى برن ورحلة ليوم واحد إلى ميلانو - وزيارة أفراد عائلة إستر في جميع أنحاء سويسرا.
وبعد عودته إلى الولايات المتحدة، أخبر دان عائلته عن الزيارة، موضحًا أنه وإستر سيحاولان إقامة علاقة رغم المسافة.
وفي وقت لاحق من ذلك الصيف، سافرت إستر إلى الولايات المتحدة لزيارة دان لمدة ثلاثة أسابيع، وانسجمت على الفور مع عائلته.
أما بالنسبة لعائلة إستر، فقد كانت والدتها في البداية متشككة عندما عادت ابنتها إلى المنزل من باريس بعد لقاء دان لأول مرة، إذ غالبًا ما كانت تقع إستر في حب الرجال الذين قابلتهم خلال الإجازة.
ولكن مع مرور الوقت، أصبح من الواضح لوالدة إستر أن علاقة ابنتها بدان كانت أعمق.
وعلى مدار الأعوام التالية، حافظت إستر ودان على علاقتهما من خلال الرسائل، والمكالمات الهاتفية، واللقاءات في أوروبا، أو الولايات المتحدة كل ستة أشهر أو نحو ذلك.
وكان الوداع في نهاية كل زيارة أمرًا صعبًا، لكنهما كان يفترقان على أمل اللقاء.
ومرّت ثلاث سنوات بهذه الطريقة، وكان دان ينهي درجة الدكتوراه، ويأمل في الحصول على وظيفة كأستاذ ولم يكن متأكدًا من المكان الذي قد ينتهي فيه.
وعندما رسم هو وإستر خطواتهما التالية، بدا أن هذا المجهول يمثل فرصة.
وحصل دان على عرض عمل في إحدى الجامعات بولاية ميشيغان الأمريكية، ولم يمض وقت طويل بعد ذلك، حيث طلب دان الزواج من إستر في رحلة إلى البندقية في إيطاليا.
وأقيم حفل زفافهما في كنيسة صغيرة في بلدة مطلة على وادي الراين، وأعقب ذلك حفل استقبال في مصنع سويسري للنبيذ.
ولكن بعد سنوات من كتابة الرسائل والمكالمات الهاتفية عبر المحيط الأطلسي، شعر دان وإستر بسعادة غامرة لوجودهما معًا أخيرًا بالمكان ذاته في مدينة غراند رابيدز الأمريكية، ولا يزال الاثنان يعيشان هناك حتى الآن، مع أطفالهما الثلاثة.
ولا يزال دان أستاذًا للإقتصاد، بينما تعمل إستر كفنانة.
العودة إلى باريس
وقام دان وإستر بزيارات منتظمة إلى سويسرا طوال زواجهما الذي دام 20 عامًا.
ولكن على الرغم من زياراتهما المتكررة لأوروبا، لم يعد دان وإستر إلى باريس معًا حتى عام 2016.
وقد يكون مر وقت طويل على العودة إلى العاصمة الفرنسية، لكنها كانت مؤثرة للغاية بالنسبة لهما، حيث عاد الزوجان إلى قمة برج إيفل وتجولا حول حدائق لوكسمبورغ، هذه المرة مع أبنائهما، حيث التقطت العائلة صورًا في نفس الأماكن التي قامت إستر ودان بزيارتها في أواخر التسعينيات.