دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- يحرص جميع زوّار إيطاليا على تذوّق الطعام الإيطالي، مثل البيتزا، والمعكرونة. فهذا ما يتناوله الأشخاص في إيطاليا، أليس ذلك؟
ولكن لا يوافق سكّان بحيرة "تراسيمينو" على ذلك.
وتشتهر البحيرة التي تبلغ مساحتها حوالي 50 ميلًا مربعًا في منطقة أومبريا بأطباقها التقليدية التي تختلف عن جيرانها بشكلٍ كبير.
وتُعتبر أومبريا المنطقة الوحيدة غير الساحلية في شبه الجزيرة الإيطالية، وهي تُعرف بطعامها الدسم، واللحوم الثقيلة التي تأتي مباشرة من التلال المكسوّة بالغابات، ويُعتبر الكمأ، والبروشوتو، والنقانق من أشهر ما تُصدّره.
ومع ذلك، تستبدل هذه البحيرة الأطعمة التقليدية مثل، المعكرونة، والبيتزا، لصالح السمك.
وبدلاً من الأسماك الفاخرة مثل التونة، أو سمك القاروس، ستجد سمك الفرخ، وسمك الكراكي، والأنقليس.
وغالبًا ما يتم طهيها بطريقة غير اعتيادية أيضًا.
وقالت مالكة محل للمبيت وتناول الفطور في فلورنسا، وزائرة منتظمة للبحيرة، فيرونيكا جريتشي: "آتي إلى تراسيمينو من أجل الطعام لأنه لا يشبه أي مكان آخر في إيطاليا".
وقد يُصاب الزوّار بالصّدمة، ولكن يعود سبب عدم تناول الإيطاليّين للطعام "مثل الإيطاليين" في مخيّلتنا الجماعيّة إلى سبب أن المطبخ الإيطالي مفرط التحليّة، وعادةً ما يختلف الطعام بحسب المدينة التي يتواجد بها المرء.
"ريميني الخاصة بأومبريا"
واليوم، تُعد بحيرة "تراسيمينو" مكانًا هادئًا بعيدًا عن الحشود الصّاخبة لمنتجعات الشواطئ الإيطالية.
ولكن كانت الأمور مختلفة قبل 50 عامًا، بحسب ما ذكره عالم الأنثروبولوجيا في جامعة بيروجيا القريبة، البروفيسور دانييل باربونو، إذ قال إن المنطقة كانت مهمّة خلال الحرب العالميّة الثانية، واحتضنت مطارًا عسكريًا، ومع بدء نمو السياحة في إيطاليا بعد الحرب، رأى السياسيّون المحليّون فرصة لإعادة تطويرها.
وأراد المسؤولون تحويلها إلى "ريميني الخاصة بأومبريا "، وفقًا لما ذكره باربونو.
وتُعتبر ريميني واحدة من أشهر المنتجعات الشاطئيّة في إيطاليا على ساحل البحر الأدرياتيكي.
اقتصاد عزّزه سمك الكراكي
واليوم، تعمل جمعيّة تعاونيّة تتكوّن من 70 صيّادًا في البحيرة، كما يقول نائب رئيس "Cooperativa Pescatori del Trasimeno"، فالتر سيمبوليني.
وتأسّست الجمعية في عام 1928، ولكن لم تكن الأمور سهلة دائمًا.
وافتَتحت الجمعية العام الماضي مطعمًا يُدعى "La Locanda dei Pescatori del Trasimeno"، ويقوم فيه الصيادون بتحضير الأطباق الكلاسيكية للمنطقة مع شركائهم.
وقال سيمبوليني: "أردنا تعزيز تقاليد الطهي في تراسيمينو"، وأضاف: "أردنا أن نتّخذ خطوة أخرى نحو تعزيزها، وتنميتها اقتصاديًا، ولكن بشكلٍ مستدام لنا، وللمنطقة. ولم نكن سنتمكّن من النجاة عن طريق الصيد فقط".
وخلال الأشهر الثمانية الأولى، تمت استضافة 20 ألف ضيف جاؤوا لتناول أطباق مثل سلطة سمك الكراكي، وسمك الشبّوط مع الكمأ، والـ"نيوكي" محلّي الصّنع مع سمك التنش المُدخّن.
تحويل السّمك إلى لحم
وليس سمك الشبّوط المُحضر على طريقة لحم الخنزير الطبق الوحيد المُتناقض في القائمة عند البحيرة.
وفي الواقع، أشار باربونو إلى أن السكان المحليين كانوا يطبخون السّمك مثل اللحوم لسببٍ مذهل، وشرح قائلاً: "كانت المنطقة المحيطة بالبحيرة تاريخيًا منطقة للكونتاديني (خاصة بالفلاحين)، والمزارعين".
ووصف عالم الأنثروبولوجيا الرّاحل في بيروجيا، أليساندرو أليمنتي، "تراسيمينو" بأنها "جزيرة من المياه في بحر من اليابسة".
وتواجد هناك حوالي 10 آلاف من الفلاحين مقابل 400 من الصيادين، وعاش كلاهما حياةً مختلفة تمامًا.
وكانت أيام الفلاحين منظّمة، في حين لم يكن للصّيادين ساعات عمل محدّدة، وكان بإمكانهم الخروج في الساعة 3 صباحًا، وإنهاء عملهم بحلول الساعة العاشرة صباحًا.
وأدّى ذلك إلى انعدام الثقة بينهم.
وقال باربونو: "لم يرغب الفلاحون أن يكون لديهم أي علاقة بالصّيادين، وكان العكس صحيحًا"، ثم أضاف: "تمثّلت أكبر مخاوف الفلاحين في تزوّج بناتهنّ من صيادين، وكان الأمر مشابهًا للصيادين أيضَا".
وأثّر الانقسام بين المجتمعين في أنماط الطعام الخاصة بهما.
وبيعت أسماك البحيرة في بيروجيا، وروما حتّى في العصور الرومانية القديمة. ولكن كان أولئك الذين عاشوا على ضفاف البحيرة أقل اهتمامًا بها.
وقال باربونو: "لم تتواجد هناك عادة تناول السمك، وكان النّظام الغذائي يتمحور حول وصفات من اليابسة، وطعام الفلاحين"، ثم أضاف أنهم "كانوا يأكلون الأرانب، والدّجاج، ولحم الطّرائد، والخنازير، ولكنّهم كانوا يتناولون القليل جدًا من الأسماك".
ولهذا السبب، عندما تناولوا الأسماك بالفعل، وربما عند مبادلة منتجاتهم مع الصيادين، قام الأشخاص "بتحويلها إلى لحوم"، بحسب تعبير بارنوبو.
وقال بارنوبو إنه في فترة ما بعد الحرب، وعندما سعى السياسيون لإنشاء نسخة غير ساحلية من ريميني، تم "إهمال" أسماك البحيرة، كما أنها بدأت تختفي من منازل الأشخاص.
ولكن بعد ذلك، عادت تلك الوجبات ببطء إلى قوائم الطعام.
ويعود الفضل لذلك إلى السياحة الأكثر وعيًا واستدامة، إضافةً للتركيز على ترويج المنتجات المحلية بشملٍ فائق على مستوى إيطاليا.
الجودة وليس الكمّية
واليوم ، تتمتّع بحيرة "تراسيمينو" بنموذج سياحي يختلف تمامًا عن المنتجعات الإيطالية الرئيسية.
وبدلاً من التركيز على الكمّية، تركّز المنطقة على الجودة.
وتتمحور الفكرة حول توفير نوعًا أبطأ من السياحة التي تجذب نوعًا مختلفًا من السّياح الأكثر عمقًا، والذين من المرجّح أن يقدّروا الطعام بشكلٍ أكبر، أو أن يحضروا مهرجان "تراسيمينو" الموسيقي الذي يُقام كل شهر يوليو/تمّوز.