دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- هناك مشهد غريب يحدث داخل هذا المكان الأقرب إلى مبنى صناعي عادي في هونغ كونغ.
تتفقد فيكي لاو، رئيسة الطهاة ومالكة مطعم Tate Dining Room الحائز على نجمتي ميشلان، برفقة رومان إيربريتو، مدير العمليات السابق لمجموعة الطعام الفرنسية الفاخرة Dominique Bouchet، آلة ضخمة لإنتاج حليب الصويا، قام الاثنان بتجميعها سويًا قبل بضعة أسابيع.
وأوضحت لاو، لـCNN، أنها طلبت هذه الآلة من تايوان، إلا أنّ ظروف كوفيد-19 حالت دون تمكن التقنيين من القدوم لتركيبها، فوقعت هذه المسؤولية على عاتقها وإيربريتو.
وتعتبر هذه الآلة، التي ترتفع مترين، السر الكامن وراء أحدث مشروع يجمع الثنائي، وهو مطعم فرنسي صيني حديث يحتفل بأحد أكثر المكونات التي يساء فهمها في العالم، فول الصويا.
ورغم افتتاح المطعم، واسمه مورا، عام 2022، إلا أنه أُدرج بالفعل على دليل ميشلان على الإنترنت، وتمتد قائمة الانتظار بهدف الحصول على طاولة لشهرين.
وأشارت لاو إلى أن مفهوم المطعم انبثق خلال بحثها عن وصفات لقائمة تذوق خاصة بالتوفو لمطعمها، عام 2020.
وقالت لاو أن العامل الذي يميز التوفو حقًا هو نسيجه.
ومن أجل صناعة أفضل توفو في المدينة، على المرء أولاً إنتاج أفضل حليب صويا، وهنا يأتي دور هذه الآلة الضخمة.
ويقوم إيربريتو، الذي أصبح خبيرًا بإنتاج حليب الصويا، بوضع الحبوب، التي نُقعت بالمياه منذ 10 ساعات تقريبًا، في الآلة.
وتطحن الحبوب بسرعة 60 ثانية للكيلوغرام وتطهى لمدة تتراوح بين 5 و10 دقائق بعد الوصول إلى درجة حرارة 98 درجة مئوية.
ويراقب إيربريتو خلال تسع دقائق، مقياس التدفق، وهو جهاز يقيس سرعة الماء الذي يمر عبره.
وبعد لحظات، يتم استخلاص حليب الصويا وتمتلئ الغرفة برائحة التونيو اليابانية.
ولفتت لاو إلى أنه يمكن لمس الفرق فورًا، فهو كريمي، وحوله تتمحور قائمة التذوق
وتتغير الأطباق والمكونات بحسب المواسم.
ارتفاع شعبية التوفو وسط جائحة كورونا
لاو ليست الوحيدة المفتونة بفول الصويا والتوفو.
أصبح التوفو عنصرًا غذائيًا أساسيًا في شرق آسيا منذ اكتشافه قبل حوالي ألفي عام، وأصبح مكونًا شائعًا خلال السنوات الأخيرة، مع ارتفاع الطلب عليه بشكل كبير خلال الجائحة.
تظهر بيانات شركة نيلسون القابضة، وهي شركة أمريكية للمعلومات والبيانات، أن مبيعات التوفو في الولايات المتحدة زادت بنسبة 40% في النصف الأول من عام 2020.
وترى لاو أن الجائحة مسؤولة جزئيًا عن افتتاح مطعمها الجديد "مورا".
وقالت: "نشأ مفهوم مورا خلال كوفيد-19 لأنني كنت أفكر في هويتي كطاهية، فأنا لا أريد أن أصبح مجرد طاهية طعام راقٍ. أريد أن أكون شخصًا يصنع الخير في العالم أيضًا".
ولاحظت لاو في العقد الماضي صعوبة الحصول على بعض المكونات.
وتأمل من خلال إظهار كيفية صنع فول الصويا ومذاق التوفو الطازج أن يقدر الناس الطعام النباتي.
وتدور مبادئ مطعم مورا حول "تحديث تقليد مثل التوفو وتثقيف الناس لإدراجه في نظامهم الغذائي".
مطعم توفو عمره ثلاثة قرون في مدينة كيوتو
تقول الأسطورة أن التوفو اكتشفه أمير صيني يتمتع بوعي للصحة يُدعى ليو آن منذ أكثر من ألفي عام عندما كان يصنع إكسيرًا.
وقد أدرك آن أن حليب الصويا المتبقي في ظروف معينة قد تخثر وتطوّر إلى نسيج يشبه البودنج، أي بدايات التوفو.
لكن السجلات التاريخية التي تشير إلى التوفو بدأت تظهر فقط في القرن التاسع عشر خلال عهد أسرة سونغ الصينية. ومن الشائع أن الرهبان البوذيين الذين يزورون الصين جلبوه إلى الدول المجاورة مثل اليابان.
واليوم، يُحفظ فن صناعة التوفو التقليدي جيدًا في مدينة كيوتو اليابانية، حيث لا تزال المطاعم المخصصة لأطعمة المعابد والمأكولات التقليدية وفيرة.
ويعد مطعم Okutan، الذي تأسس منذ أكثر من 380 عامًا، أحد أقدم مطاعم التوفو في المدينة.
وقال تاداسوكي أوغورا، البالغ من العمر 47 عامًا، وهو المالك السادس عشر لشركة Okutan Kiyomizu، إنه لم يكن مهتمًا بالتوفو عندما كان صغيرًا.
وأضاف: "بعدما طلب والدي مني المساعدة، أصبحت مهتمًا بعمق بالتوفو".
وترك أوغورا عمله الخاص لتكريس المزيد من الوقت لمطعم عائلته عندما كان في الثلاثينيات من عمره.
وتعد قائمة توفو "الأيام الخوالي"، هي الأفضل في المطعم.
وتبدأ مع بودنغ التوفو بالسمسم البارد المعروف باسم goma tofu، ثم التوفو المشوي مع طبقة من ميسو، هو نوع من التوابل اليابانية يحضر من تخمير الصويا.
ثم يتبع ذلك طبق yutofu الشهير، وهو عبارة عن مكعبات من التوفو المغلي في مرق يعرف باسم داشي في المطبخ الياباني.
التوفو يسافر حول العالم
في حين أن شرق آسيا عرفت التوفو منذ أكثر من ألف عام، فقد استغرق الأمر وقتًا أطول بكثير حتى ينتشر على مستوى العالم.
كتب بنجامين فرانكلين، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، رسالة شغوفة أثناء وجوده في لندن، أرفقها مع بعض حبوب الصويا، حول "الجبن الصيني" عام 1770.
وكانت واحدة من أقدم الوثائق المسجلة التي تذكر التوفو في الغرب.
غالبًا ما يُنسب الفضل إلى لي شيزينغ، وهو جاسوس تحول إلى مهتم بالتوفو، في جعل التوفو طعامًا مقبولًا على نطاق واسع خارج آسيا.
ويقال إن شيزينغ أرسل لأول مرة من قبل الحكومة الصينية للمشاركة في مدرسة عسكرية فرنسية كجاسوس، وانتهى به الأمر بالدراسة في المدرسة الزراعية في مونتارجي وطوّر شغفًا بالترويج للتوفو في فرنسا.
وقام شيزينغ ببناء مصنع توفو في باريس عام 1908، وتقدم بطلب للحصول على براءات اختراع حليب الصويا الأولى في العالم، وكتب كتبًا واستضاف مأدبة غداء فاخرة محورها التوفو.
دحض الخرافات حول التوفو
قلة من الناس في الولايات المتحدة مهووسون بالتوفو، مثل مارك ميسينا، الطبيب الذي تعرّف أيضًا على هذا المكون في السبعينيات.
ولم يبدأ اهتمام ميسينا المهني بالتوفو حتى عام 1989 عندما كان مدير برنامج فرع النظام الغذائي والسرطان في المعهد الوطني للسرطان.
كان ميسينا مسؤولاً عن تحديد مجالات البحث الواعدة عندما تلقى مذكرة تستفسر عن العلاقة بين فول الصويا والوقاية من سرطان الثدي.
خلال بضعة أشهر، نظم ورشة عمل حول دور فول الصويا في الوقاية من السرطان وعلاجه ونشر النتائج.
وقال ميسينا: "عندما تعلمت المزيد عن فول الصويا، أصبحت مهتمًا بفوائده المحتملة بخلاف السرطان. ونتيجة لذلك، تركت المعهد الوطني للسرطان في عام 1992 لتكريس كل وقتي لدراسة فول الصويا".
وهو الآن مدير علوم وبحوث التغذية في معهد Soy Nutrition Institute، مؤسسة غير ربحية تضم أعضاء من خبرات مختلفة، ضمنًا العلامات التجارية الكبيرة للأغذية والعلماء ومزارعي فول الصويا، والتي تهدف إلى الترويج للأطعمة التي تعتمد على فول الصويا.
وأشار ميسينا إلى أن هناك العديد من الخرافات تطال الصويا، مثل أن التوفو يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي، إلا أن الأبحاث السريرية اليوم أظهرت خلاف ذلك.
وقال إنه "فيما أشارت الأبحاث التي أجريت على الحيوانات في تسعينيات القرن الماضي إلى أن فول الصويا قد يكون ضارًا بالنساء اللواتي لديهن تاريخ من سرطان الثدي، فإن الأبحاث البشرية اليوم، تشير إلى أنه يمكن أن يكون نافعًا".
ويوصي ميسينا بتناول نصف كوب من منتجات التوفو والصويا مرتين إلى ثلاث مرات في أسبوعيا، لا سيما الفتيات الصغيرات.
ولفت ميسينا إلى أن التوفو غير مكلف، ومتعدد الاستعمالات، ومتوفر على نطاق واسع، إلى جانب كونه مصدرًا للبروتين، يمكن أن يكون مصدرًا جيدًا للكالسيوم وغنيًا بالإيسوفلافون.