دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عندما شرعت عشرات المدن في أنحاء إيطاليا ببيع بيوتها المتداعية مقابل سعر فنجان قهوة، طُلب من سكان الأرض أن يكونوا جزًءا من هذا الحدث، لأسباب عديدة مختلفة.
والأمر لا يتعلق دائمًا بمطاردة الحلم المثالي لعيش "الحياة الحلوة" في قرية ريفية نائية حيث توقف الزمن.
فبالنسبة للبعض، يعد هذا جزءًا من تغيير مهني، أو بمعنى أصح ترقية مهنية جذرية تترافق مع أسلوب حياة أكثر استرخاءً.
وتجذب البيوت بسعر يورو واحد (دولار واحد) ومباني زهيدة الثمن في بلدة موسوميلي في صقلية، الأطباء الأرجنتينيين من أصول إيطالية، الذين يخططون للاستقرار فيها وإضفاء لمسة جديدة على حياتهم.
من جهته قال رئيس بلدية موسوميلي، جوزيبي كاتانيا، لـCNN إنه "نظرًا للنقص بعدد الأطباء في مستشفى القرية، تم توقيع شراكة بين جامعة روزاريو في الأرجنتين وقاعة المدينة لملء الشواغر، وقريبًا سيكون لدينا أطباء أرجنتينيون يتحدثون الإيطالية بطلاقة".
وبدأت هذه الشراكة كأداة ترويجية لجذب الاستثمار الأجنبي في التجديد الحضري بموسوميلي، بحسب كاتانيا، وباتت الآن أكثر من مجرد معالجة حالة طارئة في مجال الرعاية الصحية.
وأضاف كاتانيا: "هؤلاء الأطباء الجدد مهتمون أيضًا بالمساهمة بمشاريع التنشيط الجارية لبث حياة جديدة في قريتنا الآخذة بتراجع عدد السكان فيها، من خلال شراء وإعادة تصميم المنازل المهجورة في المركز التاريخي، الذي كان أعظم نجاح نحققه".
وخلال السنوات الأخيرة، باعت موسوميلي أكثر من 300 عقار بثمن زهيد، 5 آلاف يورو بالحد الأدنى لكل منها، و150 منزلًا بثمن يورو واحد لكل منها، ما جذب المهنيين الأجانب.
ويأتي العديد من الشارين الجدد من الأرجنتين، حيث هاجر سكان موسوميلي الأصليين في القرن العشرين.
وزار في الآونة الأخيرة عدد من الأطباء الإيطاليين والأرجنتينيين قرية موسوميلي للقاء السلطات، وأطفال المدارس، والزملاء المستقبليين، وكذلك بهدف التعرّف على أجواء القرية.
بالنسبة للجراح ليوناردو رولدان، المقيم في مدينة روساريو الأرجنتينية، فإن الانتقال إلى صقلية يعد أكثر من مجرد تحول مهني في مسيرته المهنية، إنه "خيار عيش حياة مختلفة، مغايرة عن تلك التي أعيشها في الأرجنتين"، على حد تعبيره.
يقول رولدان، الذي عاش سابقًا في شمال إيطاليا، إنه لم يدرك أبدًا مدى جمال صقلية حتى اكتشف موسوميلي، ما ساعده أيضًا للتغلب على بعض الأفكار المسبقة حول الجنوب العميق التي اكتسبها خلال إقامته في الشمال.
ويصف رولدان القرية قائلًا إنها "أشبه بعالم آخر، هادئ وسلمي، حيث يعيش السكان المحليون أسلوب حياة بسيط"، مضيفًا أنه أدرك "أنه ينبغي علينا جميعًا، في مرحلة ما، أن نبطئ من وتيرة حياتنا ونأخذ الأمور بسهولة، ونستغرق المزيد من الوقت للاستمتاع بالأمور الجميلة".
وبالنسبة لرولدان، تشكل موسوميلي فرصة ليعيش حياة وتيرتها أبطأ، ويستغل وقت فراغه مستمتعًا بأكثر ما يحب ممارسته، أي الركض عبر تلال القرية البكر المليئة بمراعي الأغنام، واستكشاف عجائب صقلية.
ويخطط رولدان للانتقال من الأرجنتين مع عائلته، ويقوم بتفقد بعض العقارات في القرية.
ويقول رولدان: "لقد قام مجلس المدينة بعمل رائع من خلال مخطّط بيع المنازل الرخيصة، وفي مرحلة ما، بمجرد أن أستقر، قد أشتري وأعيد تصميم أحدها، كمشروع حياة من دون أي عجلة".
كبداية، يخطط رولدان للانتقال إلى منزل ريفي مع حديقة في ضواحي موسوميلي، وفي حال تم تمديد عقده لمدة عام، فسيكون سعيدًا بالشروع في مغامرة إعادة تصميم منزل بسعر يورو واحد، أو منزل بخس الثمن، ليصبح مكانًا يمكن أن يعتبره "موطنًا للمستقبل".
سيسمح الانتقال إلى موسوميلي لرولدان أيضًا بإعادة الاتصال بجذوره الإيطالية، نظرًا لأن أربعة من أجداد أجداده هاجروا إلى الأرجنتين من إيطاليا.
تمر الأرجنتين راهنًا بأزمة اقتصادية، وهو ما شكّل عاملًا مقرّرًا للانتقال بالنسبة لطبيب الأطفال الإيطالي الأرجنتيني دييغو كولابيانتشي، من روساريو أيضًا.
ويحتمل أن تنضم زوجة كولابيانتشي، طبيبة أمراض نسائية، إلى صفوف الأطباء في موسوميلي أيضًا.
ويقول كولابيانتشي إنه يتوق إلى تجربة جديدة في بيئة هادئة محاطة بالطبيعة، حيث نملك فرصة الاستمتاع بمأكولات صقلية الرائعة والأصيلة.
وتعد فكرة اقتناص فرصة شراء الممتلكات المتداعية وتجديدها للمساعدة بإحياء الحي القديم مغرية بالنسبة لكولابيانتشي، إلا أنه يريد أن يأخذ المشروع بتروٍّ.
ويضيف: "سنقضي العام الأول نتكيف مع المحيط الجديد، لكن حلمي هو البقاء هناك والاستقرار إلى الأبد، لذلك في مرحلة معينة، سيكون شراء منزل بسعر يورو، أو منزل رخيص مهجور بحال أفضل، بمثابة خيار".
أما بالنسبة للاختصاصي بالجهاز الهضمي المقيم في مدينة بوينس آيرس، إدجاردو ترابي، فإن العمل كطبيب في موسوميلي، يمثل تحديًا مزدوجًا.
ويقول ترابي: "أريد البدء بالقيام بأعمال مختلفة، وأرى أمورًا مختلفة. قبل كل شيء، أود أن أقوم بصدمة احترافية وعندما زرت موسوميلي، شعرت بهذه الطاقة تتدفق عبر القرية، إنها مليئة بالحياة".
ويشير ترابي إلى أن العمل في صقلية سيسمح له أيضًا بإعادة الاتصال الكامل بتراثه الصقلي، إذ أن ثلاثة من أجداده جاؤوا من مدينة كالتانيسيتا، وموسوميلي تعتبر جزءًا من المقاطعة ذاتها، لذلك لا يعتقد أن يكون الأمر مجرد مصادفة.