دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- حتى قبل غروب الشمس في أيام ديسمبر/ كانون الأول الباردة، تكون "منطقة الضوء الأحمر" المثيرة للجدل في أمستردام في أوجها، من الهتافات الحماسية التي تصدح بأنحاء الحانات المزدحمة خلال مباريات كأس العالم لكرة القدم، إلى نفحات دخان الماريغوانا المتصاعدة من المقاهي.
وتتجول جحافل من السياح على طول الشوارع الضيقة، ما يجعل من الصعب - إن لم يكن من المستحيل - مرور سيارة أو حتى دراجة. وهناك، ترى عددا قليلا من الرجال يتوقفون لسؤال عاملات الجنس، اللوتي يقفن خلف نوافذ بيوت الدعارة، عن أسعار خدماتهن. لكن الغالبية العظمى من السياح يتجولون ببساطة أو يتوقفون لالتقاط الصور.
إنه مجرد يوم آخر في واحد من أكثر المراكز السياحية شهرة في العالم. ولكن إذا كان الأمر بيد مسؤولي المدينة، فإن حي "دي فالين"، كما هو معروف محليًا، سيجذب الزوار الذين يأتون لتقدير تراث المدينة الفريد، وعمارتها، وثقافتها بدلاً من رذائلها.
وفي أحدث مبادرة لمحاولة جارية لتعزيز صورة أمستردام وتقليل السلوك المشاكس من الزوار، وتحسين سبل العيش والسلامة للسكان، أعلن مسؤولو المدينة مؤخرًا، عن مقترحات سياسية "للحد من نمو السياحة والإزعاج" ومكافحة الاكتظاظ.
وتتضمن الإجراءات المقترحة الأخيرة، مبادرات تستهدف السلوك السياحي المزعج، مثل الحد من عدد الرحلات النهرية؛ تطبيق مواعيد إغلاق مبكرة للحانات، والنوادي، وبيوت الدعارة؛ وحظر تدخين القنب في أجزاء معينة من المدينة. ويركز جزء آخر من المبادرة على "تثبيط عزيمة الزوار الدوليين بخطط الانطلاق الجامح في أمستردام"، والتي أطلق عليها اسم حملة "ابقوا بعيدًا".
وقال نائب رئيس البلدية سفيان مباركي في بيان إن "بعض الشركات تسيء لصورة أمستردام بعرضها كوجهة لـ"(إمكانيات غير محدودة)". وأضاف مباركي: "ونتيجة لذلك، يعتقد بعض الزوار أنها مدينة يسمح فيها بكل شيء. وهذا النوع من السياحة، بالإضافة إلى العروض التي تستهدف هذه المجموعات على وجه التحديد، لا يعتبر مرغوبًا فيه من قبل السلطة التنفيذية للبلدية".
وقبل سنّها، يجب أن تمر مقترحات هذه السياسة، التي أعلن عنها في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، وهي جزء من مبادرة أوسع لمعالجة السياحة الجماعية، بتصويت مجلس المدينة في 21 ديسمبر/ كانون الأول الحالي.
ولكن بعض العاملين في قطاع السياحة بأمستردام قد أبدو موافقتهم عليها بالفعل. ويقول المدير العام لفندق موفنبيك أمستردام سيتي سنتر، ريمكو جرونهويزين: "يجب أن نتخلص من الصورة النمطية المتمثلة في الجنس، والمخدرات، وموسيقى الروك أند رول".
ويضيف:"ليس من السيئ أن لدينا مدينة منفتحة أكثر من غيرها بعض الشيئ، لكن هذا ليس تصريحًا مجانيًا للمجيء إلى هنا وإساءة التصرف".
التوازن الصحيح
ويشير جرونهويزين إلى أن غالبية أعضاء جمعية الفنادق الفاخرة في أمستردام، والتي تضم 24 فندقًا من فئة الأربع وخمس نجوم، توافق بشكل عام على محاولة المدينة لتلميع سمعتها من خلال تدابير مختلفة تحاول معالجة (ومنع) العواقب الوخيمة للسلوك السيء من قبل السياح.
ولكن خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع عودة السياحة بعد الجائحة، أدت السياحة المكتظة إلى قلب هذا التوازن بشكل مثير للقلق، خاصة في الأحياء التي يزورها الكثيرون، مثل حي دي فالين الشهير.
وفي عام 2023، من المتوقع أن يتجاوز عدد زوار أمستردام 18 مليون شخص- وهو رقم يزيد بحوالي 22 مرة عن عدد سكانها البالغ حوالي 822 ألف نسمة.
وبحلول عام 2025، يمكن أن يصل هذا العدد إلى 23 مليونًا، بالإضافة إلى ما يتراوح بين 24 إلى 25 مليون زيارة يومية أخرى. وعندما يصل عدد الزائرين إلى 18 مليونًا، فإن مجلس المدينة "ملزم بالتدخل" بناءً على مرسوم عام 2021 يسمى "التوازن في السياحة لأمستردام".
لا يزال "المركز الإيروتيكي" قيد الانتظار
وغالبًا ما يتجنب مسؤولو المدينة استخدام مصطلح "منطقة الضوء الأحمر" لحي فالين، ومع ذلك، فإن هذه الأضواء سيئة السمعة، لا تزال مضاءة حتى الآن.
ولكن، ربما في أكثر الجوانب إثارة للجدل في إعادة تنشيط السياحة في المدينة، قد تتضاءل هذه الأضواء في العام المقبل، اعتمادًا على حالة "المركز الإيروتيكي" المقترح، الذي سينقل بيوت الدعارة إلى مبنى واحد يقع في ضواحي المدينة.
وكان تصوّر المشروع في الأصل باعتباره "فندقًا مثير جنسيًا" من قبل عمدة أمستردام، فيمكي هالسيما، التي انتخبت عام 2018 كأول رئيسة لبلدية العاصمة الهولندية.
وقد حصل المشروع على موافقة بعض الجهات، بما في ذلك مختلف الأحزاب السياسية، ولكنه انتقد بشدة من قبل الآخرين، وعلى الأخص من قبل عاملي الجنس، الذين يزعمون أن حرمانهم من النوافذ المضاءة يجعل عملهم أقل أمانًا، وأن وضع مركزهم في منطقة نائية من المدينة، بعيدًا عن المناطق السياحية المعروفة، من شأنه أن يضر بأعمالهم.
وتوقع كبير مسؤولي العمليات في جولات "منطقة الضوء الأحمر"، جيروين دي يونغ، أن المركز الإيروتيكي سوف يفشل ويصبح كارثة مالية. وأشار دي يونغ أيضًا إلى وجود عدة مناطق أخرى حول أمستردام بها بيوت دعارة ذات النوافذ المضاءة بالأحمر، وقال عبر البريد الإلكتروني: "عاملات الجنس لديهن بالفعل خيار العمل في أماكن مختلفة في العاصمة".
"اتركوه كما هو"
قد يكون مستقبل منطقة الضوء الأحمر غير واضح، ولكن في الوقت الحالي، يسير العمل كالمعتاد. وبالنسبة للعديد من العمال والزبائن الذين يترددون على متجر البضائع الجنسية، ومقاهي القنب، والعروض الإباحية وغيرها من المؤسسات في الحي، فهذا بالتحديد ما ينبغي أن يكون عليه الحال.
وبالنسبة إلى دي يونغ، فإنه بدلاً من إنفاق الأموال على الحملات المناهضة للسياحة، سيكون من الأفضل خدمة المدينة من خلال زيادة تواجد الشرطة في منطقة الضوء الأحمر، وهو مطلب شائع بين السكان ورجال الأعمال المقيمين في الحي.
يقول: "الشكوى التي تُسمع كثيرًا..وهي: (أننا لا نريد المزيد من القواعد، ولكن المزيد من الشرطة ومنفذي القانون)".
من جانبها، تقول ليندا ناب، وهي موظفة لدى إحدى متاجر البضائع الجنسية بحي "دي فالين"، إن الإجراءات المستمرة في المدينة "ستجرد الحي من روحه الفريدة، والتي كانت مزدهرة منذ قرون".
وبينما تتفهم ناب إحباط السكان من الازدحام والضوضاء، فإنها تؤكد أن عواقب العيش في هذا الحي لطالما كانت واضحة للغاية. وتوضح ناب أن "[صناعة الجنس] موجودة هنا منذ القرن السابع عشر"، مضيفًة أن الناس لا تأتي إلى هنا فقط من أجل القنوات المائية وزهور الزنبق". وتضيف: "اتركوه كما هو، إذا كانت لديكم مشكلة، فانتقلوا للعيش بمكان آخر".