دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تجسد جزيرة ساموثراكي اليونانية مشهديّة باللون الأخضر. فالصخور الوعرة لجبل ساوس، أعلى جبل في الجزيرة (1611 مترًا)، تفسح المجال أمام منحدرات لطيفة مغطاة بأشجار مستوية غريبة الشكل، وغابات البلوط، وأشجار الأرز المهيبة.
وتتغذّى من المياه الصافية المتأتية من ثلاثة أنهار، وتقع فيها على نباتات نادرة ومتوطنة. كما تزدهر فيها أنواع الخضار التي تنمو في الحقول المحيطة بميناء كاماريوتيسا القريب من الطرف الغربي للجزيرة، فيما تصطف أشجار الزيتون والألواح الشمسية على المدرّجات المنحوتة، على طول الساحل الجنوبي.
وتقع جزيرة ساموثراكي في بحر إيجه بالقرب من الحدود الشمالية الشرقية لليونان مع تركيا، وتصل إليها في رحلة قصيرة بالعبّارة من مدينة أليكساندروبولي الواقعة في البر الرئيسي. ولطالما عرفت جزيرة ساموثراكي في العالم القديم بملاذها الديني. بيد أنّها تمثّل اليوم نقطة جذب للسياح البيئيين. وهنا لمحة عن أبرز معالمها.
جزيرة "الأقدام الشابة"
وتُشكّل ثيرما على الساحل الشمالي، قاعدة جيدة لاستكشاف الجزيرة. وتُعتبر غالبية أماكن الإقامة هنا بسيطة، وتركز على احترام البيئة قدر الإمكان، إذ من يحتاج إلى الرفاهية عندما يكون هناك جدول يعزف سيمفونية تصلك من النافذة؟
وبالنسبة لكاليوبي بارسيلياس، مالكة استوديوهات بارسيلياس (Parselias) منذ أكثر من 30 عامًا، فإن الطبيعة هي كل شيء، إذ قالت: "ساموثراكي جزيرة مختلفة، فيها غابات خضراء، وأنهار، وشلالات، يقصدها الناس للمشي على دروب الجبل وبعض الناس يحبون البحر. إنها جزيرة عذراء".
وتدير بارسيلياس نزلها للإقامة وتناول وجبة الفطور منذ أكثر من 30 عامًا، وكان ضيوفها بداية من العائلات اليونانية وعدد قليل من الألمان. لكن حاليًا يقصدها الكثيرون من جميع أنحاء أوروبا. وأوضحت بارسيلياس أنه ثمة تحذير واحد فقط: "الشباب، لأنّ جزيرة ساموثراكي تحتاج إلى أقدام شابة للمشي".
ويختار العديد الإقامة في مخيم فارادس (Camping Varades)، المجاور للبحر مباشرة، الذي استقى اسم "varades"، من نوع من خلية نحل داخل أشجار جوفاء، وفق ما أوضح مدير المخيم أناستاسيوس فافوراس.
وتمتلك موقع المخيم مجموعة مؤلفة من 7 أشخاص، هدفهم تقديم "طريقة بديلة للزوار لقضاء عطلتهم.. مع التركيز على الأنشطة الجبلية، وسط بيئة هادئة وأكثر حرية".
المشي لمسافات طويلة في النهر وبرك الشلال
وفي شمال ساموثراكي، تتدفق الشلالات فوق الصخور الملساء لتشكل قيعانًا، أي بركًا نهرية تتكون بشكل طبيعي. وتقع البرك الثلاث على ضفاف نهر Tsivdogiannis، خارج ثرما مباشرة، وهي الأسهل للوصول إليها. ويستحيل لمس الجزء السفلي في البركة الأولى بقدميك، لكن البركة الثانية، ليست عميقة جدًا.
وتوجد ثلاث برك أخرى في مسار يبعد حوالي ثلاثة أميال ونصف الميل شرق ثيرما، على طول الطريق الساحلي. أما النهر الذي يتدفق عبرها فهو نهر الفونيا، الذي يبدأ من جبل ساوس ويتدفق باتجاه البحر. وتعني كلمة Fonias في اليونانية "القاتل"، وهي مفردة تتناسب بالتأكيد مع قوتها الوحشية عندما يفيض الماء. ومع ذلك، خلال الطقس الجاف، يكون الطريق المؤدي إلى أول بركة سهلًا إلى حد ما ويستغرق أقل من ساعة واحدة من الوقت.
وتتجول العائلات برفقة أطفال صغار، على طول مجرى النهر الذي تظلله الأشجار الدائرية الضخمة، والأقواس الذهبية الملونة، والأحجار الرمادية القديمة.
وعند الشلال الأول، الذي يُطلق عليه أيضًا اسم "Fonias"، يستسلم الناس لأشعة الشمس فيما يلعب الأطفال في البرك الخارجية الضحلة، ويحاول السباحون البقاء تحت الشلالات القوية للبركة الأولى. وفي منتصف الطريق فوق الصخرة يوجد حبل متصل بشجرة، يتأرجح عليه المغامرون قبل الغطس في المياه شديدة البرودة.
ومن المحبذ ارتداء أحذية المشي لمسافات طويلة. ويتضمن القسم الأول تسلقًا شديد الانحدار مدعومًا بكابل معدني، ثم يصبح متعرجًا وصعبًا عندما يصل فوق مجرى مائي جاف يفضي إلى مسار ضيق مستوي حول الجبل، (جزء منه فقط مسوّر). ويكشف انحدار أخير قصير عن المكافأة التي يستحقها الزوار: جسم مائي أخضر متلألئ.
ويُطلق على الطريق المؤدي إلى كلايدوس، الشلال الثالث، لقب "القاتل"، بسبب خطورته.
تسلق الجبال للمحترفين
وتزيد الرحلة ذهابًا وإيابًا من ثرما إلى قمة فنغاري، ويسميها اليونانيون جبل ساوس، قليلاً عن 11 ميلًا. ولكن وفقًا لـفافوراس، فإن الهدف "الأكثر جرأة" يقتصر على القمة، إذ أوضح أن طريق تسلّقها صعب، ولكن هناك مسارات منظمة، لذا لن يتعرض الأشخاص لأي خطر، أو انزلاق، أو سقوط. وإسوة بالعديد من المسارات في الجزيرة، يترافق هذا المسار مع علامات تحذير على طول الطريق مفادها "تذكر أنك لوحدك إذا حدث خطأ ما".
الشواطئ وركوب القوارب
وبالنسبة للأشخاص الأقل ميلًا لأنشطة الطاقة، توجد حمامات حرارية تغذيها الينابيع في ثيرما يعود تاريخها إلى العصر البيزنطي، بالإضافة إلى انتشار الشواطئ أينما تواجد الأشخاص.
أما كيبوس، الشاطئ القريب من الساحل الشرقي، فتتواجد فيه حصى جميلة لونها أزرق، فيما يقع الشاطئ الرملي الوحيد على الجزيرة، باتشيا أموس، في الجنوب.
وتبدأ رحلات القوارب من كاماريوتيسّا أو ثيرما وتتوقف عند شاطئ فاتوس بالقرب من "Pachia Ammos"، ولكن لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال نزهة شاقة عبر "Kremasto Nero" أي "الشلال المعلق"، وتتساقط المياه مباشرة في البحر من دون لمس المنحدرات، ومن هنا جاءت التسمية.
وعلى طول الساحل الجنوبي، تلوح الصخور الرمادية الصارخة في الأفق بشكل خطير فوق الأمواج، مغطاة بما يشبه عملًا عملاقًا من الفن التجريدي. وهذا هو "Tis grias ta Pania"، أو "مغسلة السيدة العجوز". وأشارت الأسطورة إلى أنه في أحد الأيام، هبت ريح شديدة رمت مغسلة المرأة على الصخور. وغضبت المرأة لفقدانها وكالت اللعنات، فتحوّلت ملابسها إلى حجر.
بقايا قديمة
ويتم الاعتناء بهواة التاريخ أيضًا في ساموثراكي. وعُثر في Arsinoëion ، أو ملاذ الآلهة، على تمثال Nike، المعروف باسم "انتصار ساموثراكي المجنح". وتُعرض المنحوتة التي تعود للقرن الثاني قبل الميلاد الآن في متحف اللوفر، وهي واحدة من أشهر الأعمال الفنية القديمة.
كورا
وتقع كورا على قمة جبل ساوس، وهي عاصمة الجزيرة. وبُنيت القلعة في القرن الخامس عشر على يد حاكم جنوى بالاميديس غاتيلوتزي، ويستحق الأمر تناول القهوة بالمقهى الموجود عند قاعدتها والاستمتاع بإطلالة المدينة. وهناك شوارع جميلة للتجول فيها حيث تتدلى الأزهار من النوافذ، وأغصان الأشجار تلعب دور الستائر للمطاعم والمقاهي.
وتم تصميم متحف ساموثراكي الصغير للفولكلور على شكل منزل قروي تقليدي، مليء بالأيقونات الدينية، والصور، والأدوات المنزلية. وبالإضافة إلى الهدايا التذكارية العادية مثل المغناطيس وطواحين الهواء، يمكنك أيضًا شراء عصا الرعاة.
الماعز وأنواع مختلفة من الخضار
وهناك ماعز في كل مكان في ساموثراكيس. وتتسكع قطعان الماعز على الطرقات بلا هدف، أو تمضغ الأغصان بشراهة، وتبحث عن الطعام بين أشجار الجوز. وأوضحت بارسيلياس أنّ "قطعان الماعز مشهورة في جميع أنحاء اليونان"، والسبب "أنها ترعى بالقرب من البحر، لذا فهي لذيذة جدًا".
ويمكن تذوق أفضل أطباق لحم الماعز داخل المطاعم التي تديرها العائلات في الغابات المورقة أو تلك المطلة على مناظر رائعة لغروب الشمس.
ويُعد السكان أطباق لحم الماعز بأكثر من 20 طريقة مختلفة. سواء بطهي اللحم في الفرن مع الخوخ، أو تتبيله بالنبيذ الأحمر، أو خلطه بالسفرجل.
ولا يقتصر الأمر على اللحوم، فهناك مأكولات بحرية رائعة، كما تتوقع في أ] جزيرة يونانية.
وتبيع بعض المطاعم منتجاتها في الموقع، ويمكنك شراء الجبن، والعسل، وزيت الزيتون مباشرة من المزارع في جميع أنحاء الجزيرة.
الاحتفال مع الهيبيز
وفي الليل، تنبض ثيرما بالحياة بسوق الشارع، حيث يبيع سكان الجزيرة المجوهرات المصنوعة جيدًا باستخدام الأحجار شبه الكريمة، والحقائب الجلدية المصنوعة يدويًا، وغيرها.
وتتنزه النساء اللواتي يرتدين ملابس علوية قصيرة والرجال الذين يلبسون سراويل فضفاضة باتجاه المدينة. ويتأخرون بتناول العشاء، ويتحدثون بحماس، قبل أن يستمتعوا بالإصغاء للأغاني التقليدية.