دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عند التفكير في مستقبل زراعة الغذاء، قد يخطر في البال خطط بعيدة المدى، كزراعة المحاصيل على سطح المريخ.
ولكن إحدى العائلات الإيطالية العاملة في مجال معدات الغطس تعتقد أن المساحة الصالحة للزراعة التالية غير المستغلة موجودة هنا على الأرض، أي المحيط.
وتُعد مزرعة "Nemo’s Garden" أول نظام زراعة للنباتات تحت الماء في العالم.
وتقع المزرعة قبالة ساحل نولي بإيطاليا، جنوب غرب جنوة، وتتكون من مجموعة من البيوت الزجاجية المعلقة والشفافة على شكل قبة تُسمى "البيوسفير"، والمثبتة في قاع المحيط.
ويقول المؤسس المشارك، لوكا غامبيريني، لـCNN: "تتمثل مهمة هذه التكنولوجيا في تغيير مفهوم الزراعة، لمنحها إمكانية إضافية لزراعة المنتجات على المساحات الهائلة من السواحل على الأرض، مع كونها مستدامة ولا تؤثر على البيئة".
واستوحى والد لوكا، ومؤسس شركة "Ocean Reef Group" للمعدات تحت الماء، سيرجيو غامبيريني، هذه الفكرة من خلال الجمع بين شغفه بالممارستين، أي الغوص والبستنة.
وفي عام 2012، بدأ المشروع بزراعة أعشاب الريحان داخل بالون تحت الماء. وبعد مرور عشر سنوات، فإن مزرعة "Nemo’s Garden" تزدهر بقوة.
فوائد تحت الماء
ومع توقع وصول عدد سكان العالم إلى نحو 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050، تقدّر منظمة الأمم المتحدة أنّ إنتاج الغذاء سيحتاج إلى زيادة تصل إلى 60% لتلبية هذا الطلب.
ويقول غامبيريني: "لدينا كمية محدودة من الموارد، وطريقتنا (الحالية) في حصاد هذه الموارد غير مستدامة، ونعتقد أن المساحات تحت الماء تمنحنا بعض المزايا (على) الزراعة التقليدية".
ويوضح غامبيريني أن النباتات في مزرعة "Nemo’s Garden"، والتي تطفو بعمق يتراوح بين 6 إلى 10 أمتار تحت الماء، مفصولة عن أي مسببات أمراض وآفات خارجية، بينما لا يزال بإمكانها الوصول إلى المياه العذبة التي تحدث نتيجة للتكثيف المحلى داخل "البيوسفير".
ويشير أيضًا إلى أن درجة الحرارة الثابتة نسبيًا لمياه المحيط، تُعد بيئة مثالية للحياة النباتية.
وتستخدم مزرعة "Nemo’s Garden" تقنية الزراعة المائية - التي تعتمد على العناصر الغذائية القائمة على الماء بدلاً من التربة، وهي الطريقة ذاتها المستخدمة في غالبية المزارع الرأسية الداخلية.
ورغم وصول ضوء الشمس إلى النباتات، إلا أنه يمكن استخدام أضواء النمو التكميلية عند الحاجة.
وتتم مراقبة العملية بأكملها على الأرض من خلال الكاميرات وأجهزة الاستشعار، ويمكن ضبط الإعدادات عن بُعد من أي مكان في العالم، حسبما ذكره غامبيريني. وعندما يحين وقت الحصاد، يقوم الغواص بقص النباتات ووضعها داخل أكياس لتطفو إلى سطح المياه.
ويبلغ قُُطر "البيوسفير" (المحيط الحيوي) حوالي مترين فقط. لذا لا يمكن زراعة محاصيل أكبر داخلها مثل الذرة أو القمح، ومع ذلك يمكن أن تتسع لـ70 إلى 100 من النباتات الأصغر.
ويضيف: "لقد اختبرنا مئات النباتات المختلفة مثل الفراولة، والطماطم، والفاصوليا، وبالطبع الأعشاب".
وخلصت دراسة أجريت عام 2020 في جامعة بيزا الإيطالية إلى أن نباتات الريحان في المزرعة تحتوي على تركيز أعلى من الزيت العطري والمزيد من مضادات الأكسدة.
أما عن بصمتها المادية، فيشير غامبيريني إلى أن المزرعة المائية تجذب الحياة البحرية بدلاً من إزعاجها.
ويضيف: "تمتلك مزرعة Nemo’s Garden أسماكًا أكثر بنسبة 58% من البيئة المحيطة، لذلك تتمتع بتأثير في إعادة التوطين".
منطقة غير مدونة على الخريطة
ويؤكد غامبيريني أن المشروع التجريبي لم يخل من التحديات، وبالأخص أحداث الطقس التي لا يمكن تجنبها.
وفي عام 2019، حطمت عاصفة قوية بعض منازل "البيوسفير".
وعن موقع نولي، الذي وقع الاختيار عليه لقربه من منزل العطلات الخاص بعائلته، يقول غامبيريني إنه "لم نستكشف موقعًا مثاليًا أفضل من حيث الشمس وفصول السنة، والتعرض للعواصف القوية".
وبعيدًا عن الكوارث الطبيعية، لم يكن إنشاء مشروع ما من الصفر - في بيئة قاسية - أمرًا سهلاً، حسبما يُوضح لـCNN، لكنه كان مثيراً برأيه.
وتستكشف شركات أخرى حول العالم أيضًا فوائد المحيط للزراعة. وتعمل "GreenWave"، وهي منظمة غير ربحية في أمريكا الشمالية، على زراعة الأعشاب البحرية والمحار على سقالة تحت الماء.
وقامت شركة "Sea6 Energy" التي تتخذ من بنغالور مقراً لها بإنشاء جرار ميكانيكي يمكنه زراعة وحصاد الأعشاب البحرية في قاع المحيط.
ويتمتع الفريق في مزرعة "Nemo’s Garden" بخطط لمناطق حيوية أكبر في المستقبل، بالإضافة إلى مواقع أخرى.
وبهدف اختبار الجدوى في بيئات مختلفة، يخطط الفريق لإنشاء نسخة مصغّرة في محجر للمياه الباردة في ولاية أوهايو الأمريكية هذا العام.
ويُوضح غامبيريني: "أعتقد أنه يمكن تكييف التكنولوجيا مع كل بيئة تقريبًا"، لكنه يعتقد أن مستقبل مزرعة "Nemo’s Garden" سيكون في الغالب على طول السواحل، حيث يمكن للمجتمعات الاستفادة من المساحة الإضافية التي توفرها.