دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كانت كريستينا وورد تعرف وحيد قنديل منذ 6 أشهر فقط عندما طلب منها الزواج.
وكان الثنائي يجلسان على مقعد يطل على نهر النيل في إحدى الليالي، حيث كانت أضواء معبد الأقصر القديم تتلألأ خلفهما.
ثم التفت وحيد إلى كريستينا قائلاً: "إذاً، هل سنتزوج أم ماذا؟"
وكادت كريستينا أن تضحك، إذ أتى السؤال فجأة ولكنه كان منتظرًا منذ فترة طويلة.
ومنذ أن التقيا كزميلين في رحلة بنهر النيل، قضت كريستينا من المملكة المتحدة ووحيد من مصر كل لحظة يمكنهما أن يقضياها معُا.
وتقول كريستينا لـ CNN: "قد يبدو الأمر رومانسيًا للغاية أن أقول إنني وقعت في الحب أثناء الإبحار على نهر النيل تحت ضوء القمر والنجوم، ولكن هذا ما حدث بالضبط".
وصلت كريستينا إلى مصر في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1996، بدافع "حماسها الشديد للسفر". وكانت في الـ28 من عمرها، وترغب بشدة في استكشاف العالم، لذا بدا العمل كمرشدة سياحية في مصر لمدة ستة أشهر في شركة سفر المغامرات فرصة مثالية، إذ كانت ستحصل على أجر مقابل السفر. بالإضافة إلى ذلك، كانت تحب مصر ومفتونة بتاريخها القديم.
وبصفتها مرشدة جولات سياحية، كانت كريستينا مسؤولة عن إرشاد مجموعات تتكونّ من 25 مسافرًا خلال رحلات مدتها أسبوعين حول البلاد.
وتتذكر كريستينا: "كنا نزور الأقصر، وأسوان، والغردقة، والقاهرة ونقوم بالعديد من الرحلات الجانبية مثل ركوب الحمير إلى وادي الملوك وقت شروق الشمس، وركوب الإبل إلى الأديرة المهجورة في الصحراء، وتناول العشاء في منازل العائلات النوبية".
وكان جزء من من تلك الرحلات يشمل ما تسميه كريستينا بـ"قارب المسافرين المتجولين على نهر النيل".
وكان القارب يدعى "كيمو"، وهو قارب سياحي صغير يضم مجموعة من الكبائن المليئة بأسرّة ذات طابقين، حيث كانت كريستينا والمسافرون ينامون خلال رحلتهم، بالإضافة إلى غرفة للطعام، وسطح علوي مفتوح، حيث كانت تقام الحفلات الصاخبة أثناء إبحار القارب على النيل.
وفي ليلتها الأولى في مصر، قدّمت كريستينا نفسها لطاقم قارب "كيمو". وأرادت إقامة علاقة جيدة مع زملائها الجدد، وكانت متحمسة بشكل خاص للقاء مدير القارب، البالغ من العمر 26 عامًا، وحيد قنديل، إذ سيعملان معًا عن كثب.
وبصفته مديرًا للقارب، كان من مهام وحيد التأكد من سلامة سير الأمور على متن القارب، والاهتمام بشؤون الطاقم والمؤن، والميزانية، بالإضافة إلى مساعدة كريستينا في التأكد من راحة السياح، وضمان قضائهم وقتًا ممتعًا.
وكان وحيد، الذي وُلد في القاهرة، قد سبق له العمل بشهادته، بكالوريوس في الزراعة، كمهندس زراعي في مزرعة كبيرة في الصحراء، ولكنه وجد العمل على متن قارب سياحي أكثر متعة.
وكان وحيد يستمتع بلقاء الناس من جميع أنحاء العالم، مع إبقاء شغفه بالبستنة، إذ كان يصطحب السياح في جولات جانبية إلى الجزر المنتشرة على طول النيل، ويشرح لهم أنواع النباتات المحلية.
وفي ليلتها الثانية في مصر، وجدت كريستينا نفسها تجلس بجوار وحيد خارج إحدى الكبائن على متن القارب، وكان هناك تقارب نوعا ما، حسبما ذكرته كريستينا.
وأعجبت كريستينا بوحيد على الفور، وفي الليلة ذاتها، كتبت سطرين أو ثلاثة عنه في مذكرتها.
ورغم أن وحيد كان يبادلها الإعجاب، إلا أنه كان حذرًا. ومع مرور الأيام، اقترب وحيد وكريستينا من بعضهما البعض. وبسبب انشغالهما بالجولات السياحية وعدم وجود خصوصية على القارب، لم ينشأ بينهما أي "حوار عميق".
ومع ذلك، حاول الثنائي استغلال كل فرصة للدردشة والمغازلة.
الوقوع في الحب على ضفاف النيل
ومنذ اليوم الأول، أحبت كريستينا عملها كمرشدة سياحية، وكانت تستمتع بالسفر حول مصر، إلا أنها كانت تفضّل بشكل خاصة الأيام التي تقضيها على متن القارب السياحي "كيمو".
وفي إحدى الليالي، قامت كريستينا بإيصال مجموعتها السياحية لتناول العشاء على اليابسة في مدينة أسوان المصرية، ثم عادت إلى القارب لترى ما إذا كان يمكنها مقابلة وحيد، وعندما رأته اتجهت إليه لتقول "مرحبًا"، وسألته عما الذي سيفعله لاحقًا. واتفق الإثنان على اللقاء في حانة فندق قريب.
ولسوء الحظ، استُدعيت كريستينا لتأدية مهامها كمرشدة سياحية، وتأخرت لـ45 دقيقة عن موعدها مع وحيد، ولم يكن لديها وسيلة للاتصال به لتخبره، إذ لم يكن لديهما هاتفاً نقالاً. لذا، بعد انتهاء عملها، توجهت إلى الفندق بأسرع ما يمكن.
وعندما دخلت، كان وجه وحيد غاضبًا، ويقف بالقرب من مكتب الاستقبال، ويكتب ملاحظة لكريسيتنا، والتي كان يعتزم تركها مع العاملين.
ويذكر وحيد أنها "كانت ملاحظة شديدة اللهجة"، كتب فيها: "لم يسبق لأحد أن وضعني بهذا الموقف".
ولكن عندما شرحت كريستينا أن تأخرها كان خارج نطاق سيطرتها، تراجع وحيد عن موقفه.
وتوجه الاثنان معًا إلى داخل الفندق، وقاما بايجاد طاولة على شرفة الحانة.
ويُعد فندق "كتاراكت أسوان" منشأة فاخرة من فئة الخمس نجوم على ضفاف النيل، ويشتهر بكونه المكان الذي كتبت فيه الكاتبة الإنجليزية آغاثا كريستي رروايتها الشهيرة بعنوان "موت فوق النيل".
وقالت كريستينا: "كانت الشرفة جميلة حقًا وتتميز بأجواء رومانسية وإطلالة على النيل، كانت لحظة رائعة".
وتخطت محادثتهما حدود المغازلة التي كانا يتبادلانها على متن القارب، لتصبح أعمق.
وكانت هذه المرة الأولى التي تحدثا فيها عن مجموعة واسعة من المواضيع، وتناولا فيها أفكارهما حول العائلة، والمعتقدات الدينية، وأهدافهما في الحياة.
وفي اليوم التالي، عاد الإثنان للعمل على متن القارب، وتلاشى بريق الليلة السابقة قليلاً عندما واجها صراعًا في مكان العمل، كما تصفه كريستينا.
وخطط وحيد لتوقف غير مجدول في القارب، ما دفع كريستينا لتوجيه السؤال إليه عن جدوى هذا القرار، إذ كانت تشعر بالقلق، بشأن تأخر الجولة.
وانتهى الأمر بنزاع بسيط بينهما، رغم أن النقاش كان محتدما قليلاً، إلا أنه كان وديًا. وكان واضحًا أنه حتى عندما يتشاجران، كانت كريستينا ووحيد يستمتعان بوجود بعضهما البعض.
ومع ذلك، لم يعتقد أي منهما أن العلاقة الناشئة بينهما ستتطور إلى أي مكان.
ومن وجهة نظر كريستينا، كان لإقامتها في مصر تاريخ انتهاء، وبالتالي علاقتها مع وحيد أيضاً.
وبعد العمل في مصر، كانت تخطط لقضاء ستة أشهر كمرشدة سياحية في تركيا.
أما بالنسبة لوحيد، فكان هناك ضغوط أخرى تثقل عاتقه. وقبل دخول كريستينا إلى حياته، شُخّصت والدته بمرض السرطان، وهو خبر قلب حياته رأسًا على عقب، ودفعه للتساؤل عن كل جزء من حياته، وإنهاء علاقته بحبيبته السابقة.
وفي البداية، لم يُخبر وحيد كريستينا عن حبيبته السابقة. ومع ذلك، اكتشفت كريستينا هذه الحقيقة فيما بعد، وشعرت بالألم وأنّها كانت مخدوعة.
وعندما تسرّب هذا الخبر، كان الثنائي على متن سفينة أخرى في نهر النيل، إذ تعطلت السفينة التي كانا يستقلانها، وقامت شركة السفر بتأجير بعض الكبائن على سفينة رحلات فاخرة كبيرة.
وخلال المشاجرة التي حدثت بينهما بسبب ما حدث، أدرك كل من كريستينا ووحيد لأول مرة أن مشاعرهما تجاه بعضهما البعض عميقة، وليست مجرد علاقة عابرة، وقررا أنهما في علاقة جدية، يجب أن تتطور أكثر.
وهكذا وصل الزوجان إلى لحظة جلوسهما على ضفاف نهر النيل في الأقصر، ليتحدثا عن الزواج.
وفي ذلك الحين، كانت كريستينا متأكدة من أنها تريد مستقبلا مع وحيد، لكن كان هناك الكثير من الأمور المبهمة في هذه المعادلة، مثل أين سيعيشان؟ وماذا عن رأي عائلتهما؟ وهل يجب أن ينتظرا قليلاً قبل الالتزام بالزواج؟
وتتذكر أنها كانت متردّدة فيما يجب فعله. وشعرت أنها بحاجة للعودة إلى المملكة المتحدة لبعض الوقت، لتفكر بشكل منطقي، وترى ما إذا كان هذا هو الأمر الصحيح للقيام به.
ولكن لم تستطع كريستينا ترك مصر من دون وحيد، إذ كانت تُرشد مجموعة سياحية في القاهرة عندما اتخذت القرار. وتتذكر أنه كان يومًا طويلاً ومرهقًا، ووجدت نفسها تتمنى وجود وحيد بجانبها.
لذلك، اتجهت ببساطة إلى هاتف عام، ورفعت السماعة، واتصلت به وقالت: "حسنًا، في أي تاريخ سنتزوج؟"
وقام الثنائي بتخطيط كل ما يتعلق بالزواج في الأسبوع الذي تلى انتهاء الجولة السياحية.
وبالنسبة لكريستينا ووحيد، كان الزواج بداية فصل جديد في حياتهما، وقررا أنهما لن يعيشا في مصر، ولن يعيشا في إنجلترا أيضًا، بل سيبدآن حياة جديدة في مكان جديد.
وكانت عائلة وحيد مساندة له، إذ نصحته بأن يفعل ما يراه مناسبًا له.
وفي غضون ذلك، اتصلت كريستينا بوالدتها في المملكة المتحدة، وقالت لها: "تعالي إلى مصر أريدك أن تتلقي بشخص ما".
وعندما التقت والدة كريستينا بوحيد، عرفت مباشرة أنه الشخص المناسب.
وكان رد الفعل الذي تلقته كريستينا من السفارة البريطانية في مصر مقلقًا، إذ تتذكر تواصلها مع السفارة لمناقشة التأشيرات، ونُصحت على الفور بعدم الزواج من وحيد، إذ حذرها المسؤولون من أنه على الأرجح يستغلّها للحصول على جواز سفر بريطاني.
لكن كريستينا ووحيد تجاهلا تلك التعليقات وحددا موعد الزفاف، بتاريخ 26 أبريل/ نيسان عام 1997.
ورغم خططهما لإبقاء الاحتفالات "صغيرة وبسيطة"، ولكنها تحولت لحفل كبير.
وحضرت عائلة كريستينا من المملكة المتحدة، وقامت والدتها وشقيقتها بمرافقتها لشراء فستان زفاف في القاهرة.
واجتمعت عائلة وحيد لهذه المناسبة، وكذلك طاقم قارب "كيمو"، والذين نسقوا جولاتهم لتنتهي في القاهرة حتى يتمكنوا من حضور زفاف زميليهما.
وبعد حفل الزفاف، سافر الزوجان إلى مدينة الإسكندرية لقضاء شهر العسل.
ووضع الزوجان أنظارهما على الانتقال إلى كندا معًا، لكن الوثائق استغرقت وقتًا أطول مما توقعا. وفي غضون ذلك، استقر الزوجان في مدينة بورتسموث مسقط رأس كريستينا، على الساحل الجنوبي لإنجلترا.
وبعد فترة وجيزة من وصولهما، أقاما حفلة كبيرة لأصدقاء كريستينا الذين لم يتمكنوا من حضور حفل الزفاف في مصر.
واليوم، يعيش وحيد وكريستينا في دبي، ويقولان إنها المكان الأنسب لهما.