دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في الصين، أرض النودلز الساخنة والأرز المطهو على البخار والحساء الدافئ، يلقى نوع جديد من الطعام رواجًا عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة.
كان الناس يشاركون صورًا لما اعتبره معظمهم أطعمة خفيفة جدًا، مثل الجزر النيء الملفوف بالجبن، والسندويشات المؤلفة من مكونين، والسلطات الخالية من التتبيل، ملحقة جميعها بوسم واحد (هاشتاغ) #bairenfan.
سيقع المشاهد على صور غير شهية لأطباق غير مزينة، وباردة، ومجمّعة، تتطلّب القليل من الوقت للطهي أو لا تحتاج وقتًا لتوضيبها، وترتبط عادة بوجبات الغداء التقليدية لدى الغربيين.
هذا الاتجاه بدأ بالظهور فعليًا في مايو/ أيار، عندما شرع الناس بنشر صور ومقاطع فيديو لهذه الوجبات البسيطة على منصات التواصل الاجتماعي في الصين، رغم وجود منشورات بعلامة الوسم، هذه يعود تاريخها إلى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ومع انتشار هذا الاتجاه، بدأ مستخدمو الإنترنت الصينيون في أنحاء العالم بمشاركة تجاربهم الخاصة مع هذه الوجبات البسيطة، ما جعل #bairenfan إحدى أبرز الهاشتاغات على مختلف المنصات ووسائل الإعلام المحلية خلال الشهر الماضي.
التطور السريع لـ#whitepeoplemeals
أثارت هذه الصور السؤال التالي: هل حقا يعتقد الصينيون أنّ العرق القوقازي يأكلون هذا الطعام طوال الوقت؟
بالنسبة للطاهي الصيني البريطاني أندرو وونغ، مالك الجيل الثالث من مطعم A. Wong الصيني الحائز على نجمتي ميشلان في لندن، قال "إنّي أشعر أنه من المهم الاعتراف بهذا المفهوم الذي هو في طور الانتشار".
وتابع: "الصين غنية بالمراجع الثقافية الغربية مثل الفن والفلسفة والأزياء والطعام. حدث هذا في إطار زمني قصير وحديث نسبيًا نظرًا لتاريخ علاقة الصين بالغرب. يستغرق الأمر وقتًا للتكيف مع فهم الأسباب الكامنة وراء بعض الأمور، ضمنًا بعض الأطعمة".
وانطلاقًا مما قال، استغرق هذا الاتجاه أسابيع فقط كي يتطور. واقتصرت بداية معظم المشاركات في الصين على السخرية وعدم التصديق.
ثم راج هذا الاتجاه على تطبيق تويتر، حيث شارك مستخدمو اللغة الإنجليزية صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم المذيلة بعلامة الوسم #whitepeoplemeals. (وحققت إحدى هذه التغريدات 4.3 مليون مشاهدة في الأسابيع الثلاثة ونصف الماضية).
ومع انتشار هذا الوسم على مستوى العالم، أعربت بعض التقارير الإعلامية عن دهشتها من سرعة تبني المجتمع الدولي للصورة النمطية.
وأفادت العديد من الوسائل الإعلامية أن موضوعًا جديدًا بات شائعًا وتم اكتشاف وسم #Whitepeoplemeals من قبل أشخاص بيض، وذيّل ردودًا مرحة من قبل المستخدمين في جميع أنحاء العالم.
لكن لم يكن هذا نهاية المطاف. فقد ظهرت مجموعة أخرى قدمت دعمًا لهذه الوجبات البسيطة، مع علامة وسم جديدة#Bairenfanyeshifan و#whitepeoplemealsmatter، على منصات التواصل الاجتماعي في الصين.
وقال البعض إن تناول مثل هذه الأطعمة سيساعدهم على إنقاص الوزن. ورأى آخرون أنّ الاتجاه يعكس نمط الحياة والصعوبات التي يواجهها مجتمع اليوم.
وكشفت إحدى المشاركات على مدونة/ موقع إعلامي صيني 163.com، أوجه الشبه بين هذه الوجبات البسيطة والذهنية "المريحة" الحالية، المتمحورة حول فكرة إبطاء وتيرة تقدمك في العمل ببساطة بدلاً من التخلي عن الوظيفة، للعمال المتعبين في الصين.
شكر المنشور الوجبات اللطيفة وغير المريحة لـ"الحفاظ على حياتهم" من دون الحاجة إلى بذل الكثير من الجهد، لا سيّما أثناء تناول وجبة الغداء في العمل. بعبارة أخرى، يتماشى نهج عدم الاحتجاج مع قلة اهتمامهم بوظائفهم.
تم تسليط الضوء على إيجابية أخرى في المنشور: بخلاف الوجبات الصينية الكاملة، فهذه لا تجعلك تشعر بالنعاس، ما يسمح لك بتجنب الرغبة بأخذ قيلولة بعد الظهر أثناء العمل.
الاختلافات العابرة للثقافات
الشيف إدوارد فون المولود في ماليزيا ومؤسس مطعم Auor المتأثر بالمطبخ الفرنسي في هونغ كونغ، رأى أنّ هذا الاتجاه يسلط الضوء على الاختلافات بين الثقافات.
وقال لـCNN "لم أفكر مطلقًا في صنع شطيرة عندما كنت صغيرًا لأنني كنت دومًا محاطًا بأطباق البيراناكان والملايو والهوكين". وتابع: "لم أتناول السلطة في ذلك الوقت".
واقتصرت ذكرياته الوحيدة حول تناول وجبة مماثلة لـ"وجبة الأشخاص البيض" في طفولته على بيضة مسلوقة وسمك تونة معلب.
يتذكر: "لم يكن لدينا طعام غربي في المنزل عندما كنت طفلاً لأن الأجيال الأكبر سناً في عائلتي لم تتذوقه. كان التجمع حول المائدة لتناول الأطباق الآسيوية هو التقليد، كما هي الحال بالنسبة لمعظم العائلات حينها، وكانت الفرحة متمثلة بتشارك الجميع أطباق الطعام الساخن واللذيذ المطبوخ في المنزل، والمحادثات الحيوية الأمر الذي جذبني إلى مهنة الطهي".
في لندن، يعتبر الشيف وونغ نفسه محظوظًا لأنه نشأ في عائلة من أصل صيني، لكنه محاط بأفراد الأسرة، والأصدقاء، والأقران من خلفيات وثقافات مختلفة. ويؤكد أن أي ثقافة وتجربة جديدة يمكن فك رموزها بشكل خاطئ أو مبالغ فيه، وهذا الأمر ينسحب على الطعام.
وأوضح أنه "(من حيث) الثقافة، ثمة أوجه تشابه أكثر من الاختلاف عندما يتعلق الأمر بالطعام. وهو أمر تعلمته أكثر بصفتي طاهٍ".
وجبات غداء سريعة وسهلة لها تاريخ طويل
بالإضافة إلى الحد منها لافتقارها إلى المذاق الطيب والحصة الصغيرة لما يسمى #whitepeoplemeals، فقد أعرب العديد من الصينيين عن حيرتهم من الطعام غير المطبوخ بشكل عام. فالطب الصيني التقليدي فرض منذ فترة طويلة أن الأجسام تستجيب بشكل أفضل للأطعمة والمشروبات الدافئة.
لكن ما فشلت بعض المنشورات الرائجة بتوضيحه، أنّ هذه الأطعمة الباردة البسيطة لا يتم تناولها إلا وقت الغداء فقط. وهناك سبب تاريخي لذلك، كما تقول ميغان إلياس، مؤرخة الطعام ومديرة فن الطهو في جامعة بوسطن.
وقالت إلياس لـCNN إنه "في منتصف القرن الـ19 حتى أواخره، مع تحول شمال العالم إلى مناطق حضرية وصناعية، ظهرت أسواق للناس تبيع وجبات الغداء لعمال المصانع وموظفي المكاتب".
ولفتت إلى أنّ "توحيد ساعة الغداء في إعدادات المصنع للناس منحهم وقتًا أقل لتناول الطعام، كما أن التوسع الحضري يعني أنهم ربما يكونون بعيدون عن منازلهم، وبالتالي ليس لديهم القدرة على الطهي. فظهرت عربات الغداء، والمقاهي السريعة، خصوصًا في أمريكا لتقديم وجبات غداء رخيصة وسهلة يمكن للناس تناولها في الخارج أو في على مكاتبهم".
وأوضح الشيف فون أنه "مع تصغير العالم (وزيادة انشغاله)، أصبح تناول الأطعمة الباردة الملائمة، سواء كانت شطائر أو سلطات أو وجبات خفيفة آسيوية، أمرًا شائعًا".
وتابع: "بصفتي طاهٍ، أحب الجمع بين العديد من النكهات المتنوعة من آسيا وما تقدمه الطبيعة في أنحاء العالم. الطعام البارد الذي نشتريه من المتجر له مكانه في حياتنا العصرية المزدحمة.. لكن لا يمكنه التغلب على الميزات الاجتماعية والحسية لوجبة مطبوخة طازجة في المنزل أو في مطعم جيد".
لكن فون أشار إلى "أنني لا أحب مصطلح" وجبات الأشخاص البيض"، حتى عندما يتم استخدامه من باب المزاح". ولفت إلى أن "التنوع جزء مهم من فلسفتي في الطهي ومن المستحيل إجراء تعميم وفقًا للعرق أو البلد أو الثقافة".