عمره 500 عام.. حمام تركي تاريخي يعيد إحياء ماضي إسطنبول

سياحة
نشر
6 دقائق قراءة
شاهد مقاطع فيديو ذات صلة
كان للسلاطين فقط.. حرفيون أتراك يعيدون إنتاج بلاط إزنيق بأسلوب القرن الـ16

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أعاد حمام زيريك تشينيلي المذهل، الذي بقي مغلقًا أمام الجمهور لأكثر من عقد من الزمان، فتح أبوابه الخشبية أمام العالم.

وعلى الجانب الأوروبي من مضيق البوسفور، بجوار منطقة الفاتح التاريخية، يقع الحمام في حي زيريك بإسطنبول، وقد شيّد في ثلاثينيات القرن السادس عشر على يد معمار سنان، المهندس الرئيسي لأشهر السلاطين العثمانيين، مثل سليمان القانوني.

حمام تركي
تظهر أشكال سداسية على جدران غرفة الرجال في الحمامتصوير: Sıtkı Kösemen

كلمة "تشينيلي" تعني "البلاط" باللغة التركية، ما يسلط الضوء على أبرز سمات التصميم الداخلي للحمام؛ كان الحمام مغطى ذات يوم بآلاف من بلاط إزنيق الأزرق اللامع.

على مدار خمسة قرون، كان يخدم الجمهور في الغالب كحمام، ولكن لفترة وجيزة استعمل كمخزن في أواخر القرن الثامن عشر، وكان الحمام متهالكًا إلى حد ما بحلول الوقت الذي أغلق فيه عام 2010.

وكانت جدرانه مغطاة بالعفن، لدرجة أنه لا يمكن رؤية بلاطات إزنيق.

وأعيد افتتاح الحمام مؤقتًا في عام 2022 من أجل بينالي إسطنبول، والآن على وشك الحصول على فرصة جديدة للحياة.

وبعد إغلاق دام 13 عامًا، سيعاد فتح حمام تشينيلي بتاريخ 30 سبتمبر/ أيلول الجاري: أولاً كمكان لإقامة المعارض؛ ثم، اعتبارًا من مارس/ آذار 2024، كحمام عام مرة أخرى، مع أقسام منفصلة للرجال والنساء.

حمام تركي
شيد حمام زيريك شينيلي في الأصل في ثلاثينيات القرن السادس عشر.Credit: Murat Germen

بالإضافة إلى إجراء تجديد كامل للواجهة الخارجية، سيحصل الحمّام على مساحة للفن المعاصر تحت قبو الخزان البيزنطي الذي كان يملأ حنفياته بالماء، إلى جانب متحف جديد يجمع بين قطع تاريخ المبنى، وحديقة حضرية مليئة بأشجار الغار

مشروع الترميم التاريخي الكبير هذا تشرفه عليه مجموعة مرمرة Marmara Group للتطوير العقاري، التي اشترت المبنى في عام 2010.

ويقول كوزا يازغان، المدير الإبداعي للمشروع: "عندما اشترينا الحمام، لم نكن نعرف أيًا من القصص وراءه، لكن في زيريك، أينما تحفر، ستعثر حتما على شيء ما".

حمام تركي
أدى التجديد إلى إنشاء منطقة استرخاء فاخرةCredit: Murat Germen

ويتابع: "في قسم الرجال وجدنا هذه البلاطات المستطيلة، مختلفة عن البلاطات السداسية (المعتادة). كانت على الجدار وكانت تحمل هذه القصيدة الفارسية [بآيات مختلفة على كل بلاطة]. قمنا بترجمتها وأجرينا بحثًا حولها واكتشفنا أنه تم وضعها في مكان خاطئ في وقت ما - لم تكن حيث وضعها سنان في الأصل."

وعندما شيّد الحمام لأول مرة، كانت الجدران مغطاة بحوالي 10 آلاف بلاطة، ولكن لم يبق منها سوى القليل. وكان بعضها في غير محله، والبعض الآخر سُرق، وبعضها تضرر إثر الحرائق والزلازل.

وقد بيعت البلاطات إلى متاحف أجنبية في أواخر القرن التاسع عشر - وقد تتبعت مجموعة مرمرة الكثير منها إلى مجموعات ومتاحف خاصة بعيدة، بما في ذلك متحف فيكتوريا وألبرت في لندن. وقد ساعد فريق من علماء الآثار والمؤرخين تلك المؤسسات على تحديد مصدر بلاط إزنيق بالضبط.

أما بالنسبة للبلاطات الفارسية الغامض، فيتابع يازغان: "قررنا ألا نتركها حيث وجدناها، بل نعرضها في متحف".

حمام تركي
تطلب الحمام أعمال تجديد مكثفة، هذه الصورة هي لغرفة في قسم النساء، من عام 2010 عندما استخدم الحمام لآخر مرة.تصوير: Sıtkı Kösemen

وسيعرض متحف حمام تشينيلي، المصمم من قبل شركة أتيلييه بروكنر الألمانية التي تشمل مشاريعها السابقة المتحف المصري الكبير المرتقب في القاهرة ومتحف اللوفر في أبوظبي، بعضًا من العديد من القطع الأثرية الرومانية والعثمانية والبيزنطية التي عثر عليها خلال عملية الترميم، من العملات المعدنية إلى كتابات غير عادية للسفن الأجنبية.

يمكن للزوار أيضًا الاطلاع على مجموعة من الأغراض الانتقائية التي استخدمها رواد الحمام السابقون، بما في ذلك القباقيب المتلألئة المصنوعة من عرق اللؤلؤ والتي تسمى نالين.

وبطبيعة الحال، سيُخصص طابق كامل في المتحف لبلاط الإيزنيك المذهل، وسيكون العرض الرئيسي عبارة عن شاشة مزودة بالواقع المعزز تنقلك إلى زمن الحمام كما كان في عهد معمار سنان، مع تركيب جدرانه البيضاء المغطاة بالبلاط فيروزي اللون رقميًا بكامل بهائها. 

وتعد محاولة مثيرة للإعجاب لإعادة بناء شيء من الماضي البعيد، لكن يازغان اعتبره ضروريًا.

حمام تركي
يتنقل زوار الحمام عبر سلسلة من الغرف، وهي عملية نموذجية لجميع الحمامات التركية.Credit: Murat Germen

ويضيف يازغان: "بالنظر إلى كيفية تغير المدينة على مدى السنوات العشرين الماضية، أعتقد أنه من المهم أكثر من أي وقت مضى حماية هذه المواقع التاريخية. وإلا فسوف تضيع جميعها".

ويقول يازغان إن حمام زيريك سينيلي سيعكس بشكل وثيق تقاليد الحمام العثمانية العريقة.

وبدلاً من خدمة التدليك السويدي والزيوت المعطرة، ستكون هناك غرف حارة ورطبة، وعلاجات تقويم العمود الفقري لتشقق، وجلسات تدليك تعتمد على الفقاعات حيث يتم فرك الرغوة الكثيفة في الجلد.

ومع ذلك، يسلط يازغان الضوء على أحد فوارق القرن الحادي والعشرين التي تميز شينيلي عن الحمامات التقليدية في تركيا قائلا: "عادةً ما يكون تصميم قسم الرجال في الحمامات أطول وأكثر تفصيلاً. إذ لديهم المزيد من الأسقف المقببة المزخرفة والبلاط. ولكن سيكون لدينا أيام متناوبة لكل قسم [حسب الجنس]، حتى يتمكن الجميع من الاستمتاع بكل جانب".

من المؤكد أنه سيكون المكان الوحيد في مدينة الذي يمكنك من خلاله تعلم شيء جديد، أو الاستمتاع بتجربة الواقع المعزز، أو خلع ملابسك في الأماكن العامة لتشعر بالاسترخاء عند الخروج.

نشر