دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يُعد La Molina المخبأ بين جبال البرانس أقدم منتجع للتزلج في إسبانيا، ويضم أكبر ممر جليدي في جبال البرانس. واستضافت منحدراته أحداثًا رفيعة المستوى، بدءًا من كأس العالم للتزلج على جبال الألب، حتّى بطولة العالم للتزلج على الجليد.
لكن منتجع التزلج يواجه تهديدًا بسبب ندرة الثلوج.
ومع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، يضطر المنتجع، مثل العديد من المنتجعات حول العالم، إلى الاعتماد بشكلٍ متزايد على الثلج الاصطناعي.
مع ذلك، الثلج المزيف يأتي بتكلفة، فهو يستهلك كميات كبيرة من المياه والطاقة، وهو مزيج يصعب الوصول إليه في أي مكان، وخاصةً في بلد يتصارع مع موجة جفاف طويلة الأمد وشديدة بسبب تغير المناخ.
ولهذا السبب، سيقضي منتجع التزلج السنوات الثلاث المقبلة في اختبار تقنية جديدة لصنع الثلج تَعِد بأن تكون أقل استهلاكًا للموارد، فضلاً عن قدرتها على إنتاج الثلج في درجات حرارة أكثر دفئًا.
وتتزايد أهمية هذا الأمر نظرًا لأن بعض منتجعات التزلج تقترب من درجات حرارة دافئة جدًا بحيث لا يمكن حتى للثلوج المزيفة البقاء فيها.
سيصنع المشروع، الذي يُطلق عليه اسم "مختبر الثلج"، ويديره معهد برشلونة لعلوم المواد وشركة FGC Turisme، التي تدير منحدرات التزلج العامة، ثلجًا مزيفًا عن طريق إضافة معدن إلى الماء الذي يدخل في مدافع الثلج، وهي الآلات التي تضخ الماء والهواء تحت ضغط عالٍ لتكوين الثلج.
وقال ألبرت فيرداغير، وهو عالم في معهد برشلونة لعلوم المواد يقود المشروع، إنّ الفكرة تتمثل في محاكاة العمليات التي تحدث في السُحب.
ويتشكّل الجليد في الغلاف الجوي من قطرات الماء الموجودة في السحب من خلال عملية تسمى "تنوّي الجليد" (ice nucleation). ويمكن أن تظل قطرات الماء النقي غير متجمدة في السُحب عند درجات حرارة منخفضة تصل إلى 38 درجة مئوية تحت الصفر.
ولكن يمكن أن يحدث "تنوّي الجليد" عند درجات حرارة أعلى بكثير عندما تتفاعل قطرات الماء مع جزيئات في الغلاف الجوي، مثل الهباء الجوي أو الغبار، ما يؤدي إلى تجمدها.
وقبل عامين، قرأ فيرداغير ورقة بحثية وجدت أن أحد المعادن، الفلسبار، كان فعالاً بشكلٍ خاص في هذه العملية، وأنّه يمكن أن يؤدي إلى تجميد قطرات الماء عند درجات حرارة قريبة من الصفر.
حينها خطرت له الفكرة، ماذا لو كان الفلسبار قادرًا على المساعدة في جعل عملية صنع الثلج أكثر كفاءة؟
وخلال الاختبارات المعملية، وجد فيرداغير وفريقه أن هذه التقنية خفضت تكاليف الطاقة بحوالي 30%، وكانت قادرة على إنتاج الثلج في درجات حرارة أعلى بحوالي 1 إلى 1.5 درجة مقارنةً بالطرق التقليدية.
وذكر فيرداغير أنّهم تمكنوا أيضًا من الحصول على "نسبة تحويل" أفضل، في إشارة إلى حجم الثلج الذي يخرج من مدافع الثلج مقارنةً بكمية المياه المستخدمة.
وأشار إلى أنّ النسبة عادة تبلغ حوالي 75%، حيث يبقى بعض الماء في مدفع الثلج، أو لا يتجمد، ويتطاير. ويتوقع "مختبر الثلج" زيادة هذه النسبة إلى 90%.
وأوضح فيرداغير أنّه من شأن كمية بحجم علبة مشروب غازي تقريبًا من الفلسبار، وهو معدن وفير يشكل حوالي 60% من قشرة الأرض، إبقاء مدفعي ثلج يعملان طوال الموسم.
صناعة في خطر
وتعاني إسبانيا من موجات الحر الحارقة والجفاف المستمر منذ سنوات، وكانت كاتالونيا، المنطقة التي تقع فيها La Molina، هي الأكثر تضرراً بشكلٍ خاص.
وقال خبير الأرصاد الجوية في وكالة الأرصاد الجوية الإسبانية، رامون باسكوال بيرجهاينل، إنّها "واحدة من أشد حالات الجفاف خلال السنوات الأخيرة".
لكن La Molina ليس منتجع التزلج الوحيد الذي يحاول رسم مستقبل في عالم أكثر دفئًا وجفافًا.
وأدّى شتاء دافئ على نحو غير معتاد في العام الماضي إلى ترك منتجعات التزلج في جميع أنحاء أوروبا خالية من الثلوج، وهذا العام، أصبحت المنتجعات في جبال الهيمالايا الهندية فارغة لأن نقص الثلوج أدى إلى إبعاد السياح.
من جهتها، قالت عالمة البيئة الرياضية، مادلين أور، التي لم تشارك في "مختبر الثلج": "بالطبع هناك تحولات وتغيرات سنة بعد سنة، لكن الاتجاه طويل المدى (للثلوج) يشير إلى الانخفاض".
وأظهرت دراسة حديثة أنّه على مدى العقود الأربعة الماضية، أدى الاحتباس الحراري الذي يسببه الإنسان إلى انخفاض الثلوج في معظم أنحاء نصف الكرة الشمالي.
وتعني هذه التغييرات أنّ الثلج الصناعي، الذي استخدمته المنتجعات لعقود من الزمن، أصبح شريان حياة بشكلٍ متزايد.
وقالت أور لـCNN: "تُشير أفضل التقديرات الحالية إلى أنّ 95% من منتجعات التزلج تعتمد على صناعة الثلج إلى حدٍ ما لتظل مفتوحة".
ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة، هناك تساؤلات حول مدى جدوى صناعة الثلج في المستقبل عندما لا يكون الجو باردًا بدرجة كافية.
ولهذا السبب فإن التقنية الجديدة لـ"مختبر الثلج" جذابة للغاية.
وقال عالم الثلوج البارز وكبير المستشارين العلميين لأنتاركتيكا في نيوزيلندا، جوردي هندريكس، والذي لم يشارك في "مختبر الثلج"، لـCNN: "إنّها مسألة تتمحور حول ما إذا كان من الممكن توسيع نطاق ذلك".
وهذا هو بالضبط ما يهدف مشروع La Molina إلى القيام به، وهو معرفة ما إذا كان من الممكن تكرار نتائج المختبر في العالم الحقيقي.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، ركّب فيرداغير وزملاؤه مدافع الثلج في المنتجع.
وتُجلب المياه من خزان يمتلئ بالثلوج الذائبة من الجبال في الربيع ولا يُستخدم لمياه الشرب.
وبالإضافة إلى اختبار كفاءة صناعة الثلج، سيجري المشروع اختبارات بيئية للتأكد من عدم وجود أي آثار سلبية. ويشعر فيرداغير بالثقة بشأن عدم حدوث ذلك، فيُستَخدَم الفلسبار بالفعل على نطاقٍ واسع في صناعة الزجاج، والسيراميك، والطلاء.
وقالت أور: "إذا كانت هذه التقنية الجديدة قادرة على إنتاج الثلج باستخدام كمية أقل من المياه، ودون إضافة عوامل كيميائية إضافية.. فقد يكون ذلك بمثابة انتصار كبير".
مع ذلك، حذّر هندريكس من أنّه حتّى لو كانت هذه التقنية مفيدة، إلا أنّها قد لا تكون كافية.
وعلى نطاق أوسع، يعتقد هندريكس أنّ صناعة الثلج عبارة عن "طريقة تكيّف سيئة" للتكيف مع تغير المناخ يمكن أن ينتهي الأمر به إلى إحداث تأثير ضار، وقال: "أنت تحل مشكلة محليًا، لكنك تزيد المشكلة عالميًا من خلال استخدامك للطاقة".
وستشهد الأعوام الثلاثة المقبلة اختبار "مختبر الثلج" لتقنيته في La Molina ، إضافةً لمنتجعين آخرين للتزلج في المنطقة لاستكشاف مدى نجاحها في ظل ظروف مختلفة.