دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لم يتغير التصميم الأساسي للطائرات التجارية كثيرًا خلال الستين عامًا الماضية.
ويرجع ذلك إلى أن الطيران التجاري يعطي الأولوية للسلامة، ويفضل الحلول المجربة والمختبرة، ولأن التطورات الأخرى، في المواد والمحركات، على سبيل المثال، تعني أنّ التصميم التقليدي لا يزال ذات صلة.
وتمّت الموافقة على شكل طائرة جديد تمامًا للإقلاع في سماء ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
وفي نهاية الشهر الماضي، أعلنت شركة JetZero التي تأخذ من لونغ بيتش مقرًا لها، أنّ طائرتها التجريبية "باث فايندر" (Pathfinder ) بمقياس 1:8 "ذات الجناح المخلوط"، قد حصلت على شهادة صلاحية الطيران من إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) وأنّ الرحلات التجريبية وشيكة.
وفيما تبذل صناعة الطيران قصارى جهدها للحد من انبعاثات الكربون، فإنّها تواجه تحديًا أصعب إلى حدٍ ما من القطاعات الأخرى، لأن تقنياتها الأساسية أثبتت صعوبة التخلّي عنها.
يشبه "جسم الجناح المخلوط" تصميم "الجناح الطائر" الذي تستخدمه الطائرات العسكرية مثل القاذفة الشهيرة "B-2"، لكن الجناح المخلوط يتمتع بحجم أكبر في القسم الأوسط.
تعمل كل من "بوينغ" وإيرباص" على تعديل هذه الفكرة، والإنجاز الجديد الذي حققته JetZero يجعلها أقرب قليلاً إلى هدفها الطموح المتمثل بوضع طائرة ذات جناح مخلوط في الخدمة بحلول عام 2030.
وفي أغسطس/ آب من عام 2023، قال المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة JetZero، توم أوليري: "نحن نبذل جهدًا كبيرًا نحو مسار صفري من الانبعاثات في الطائرات الكبيرة، ويمكن لهيكل الطائرة ذي الأجنحة المختلطة أن يوفر حرقًا وانبعاثات أقل للوقود بنسبة 50%. هذه قفزة هائلة إلى الأمام مقارنةً بما اعتادت عليه الصناعة".
تحت الضغط
مفهوم الأجنحة المختلطة ليس بجديد، وتعود المحاولات الأولى لبناء طائرات وفق هذا التصميم إلى أواخر عشرينيات القرن الماضي في ألمانيا. ابتكر مصمّم الطائرات والصناعي الأمريكي، جاك نورثروب، تصميم جناح طائر يعمل بالطاقة النفاثة في عام 1947، والذي ألهم صنع طائرة "B-2" في تسعينيات القرن المنصرم.
وكنوع هجين بين تصميم الجناح الطائر وتصميم "الأنبوب والجناح" التقليديين، يسمح الجناح المخلوط للطائرة بأكملها بتوليد الرفع، ما يقلّل من السَّحب. وأفادت وكالة "ناسا" إنّ هذا الشكل "يساعد على زيادة الاقتصاد في استهلاك الوقود وإتاحة مناطق حمولة أكبر (للبضائع أو الركاب) في الجزء الأوسط من هيكل الطائرة".
واختبرته الوكالة من خلال إحدى طائراتها التجريبية، "X-48".
ومن خلال حوالي 120 رحلة تجريبية بين عامي 2007 و2012، أثبتت طائرتان بدون طيار من طراز "X-48" تم التحكم فيهما عن بُعد مدى جدوى هذا المفهوم.
وشرحت الوكالة: "ستتمتع طائرة من هذا النوع بطول جناحين أكبر قليلاً من طائرة بوينغ 747، ويمكن أن تعمل من محطات المطار الحالية"، كما أضافت أنّ الطائرة ستكون "أخف وزنًا، وتولّد ضوضاء وانبعاثات أقل، وتتكبد كلفة تشغيل أقل" من طائرات النقل التقليدية المتقدمة".
في عام 2020، قامت شركة "إيرباص" ببناء نموذج صغير لناقلة بجناح مخلوط ببلغ طولها حوالي 6 أقدام (1.8 متر تقريبًا)، ما يشير إلى الاهتمام بالسعي وراء طائرة كاملة الحجم في المستقبل. لكن إذا كان الشكل فعالاً إلى هذا الحد، فلماذا لم ننتقل بعد إلى مرحلة صناعة الطائرات بناءً عليه؟
وبحسب أوليري، هناك تحدٍ تقني رئيسي يجعل الشركات المصنّعة تتريّث. وقال: "إنه ضغط جسم الطائرة غير الأسطواني"، مشيرًا إلى حقيقة أنّ الطائرة ذات الشكل الأنبوبي تكون أكثر قدرة على التعامل مع دورات التمدّد والانكماش المستمرة التي تترافق مع كل رحلة.
وتابع: ""إذا فكرت في ’الأنبوب والجناح‘، فإنه يفصل بين الأحمال، لديك حمل الضغط على الأنبوب، وأحمال الانحناء على الأجنحة. لكن الجناح المخلوط يمزج الاثنان معًا بشكلٍ أساسي. أصبح بإمكاننا الآن فقط فعل ذلك باستخدام مواد مركبة خفيفة وقوية في الوقت ذاته".
ومن شأن شكل جذري جديد كهذا جعل الجزء الداخلي من الطائرة يبدو مختلفًا تمامًا عن الطائرات ذات الهيكل العريض اليوم.
الإمكانات الثورية
تريد شركة JetZero تطوير ثلاثة أنواع مختلفة من الطائرات في وقتٍ واحد، وهي طائرة ركاب، وطائرة شحن، وناقلة وقود.
ويتناسب شكل الجناح المخلوط بشكلٍ جيد مع الأخير لدرجة أنّ القوات الجوية الأمريكية منحت شركة JetZero للتو مبلغ 235 مليون دولار لتطوير نموذج عرضي واسع النطاق، والتحقق من أداء مفهوم الجناح المخلوط.
وطائرة "باثفايندر" المعتمدة حديثًا من قبل إدارة الطيران الفيدرالية، والتي يبلغ طول جناحيها 23 قدمًا (7 أمتار تقريبًا)، هي نسخة بمقياس 12.5% من الطائرة التجريبية كاملة الحجم، ويتوقع أن تطير بحلول عام 2027.
وقد تم تصميم الطائرة بحيث تتوافق بنسبة 100% مع وقود الطيران المستدام (SAF)، وللتمتع بالحجم الداخلي لاستيعاب انبعاثات الهيدروجين الخالية من الكربون.
ولكن يشكّل بناء طائرة جديدة تمامًا من الصفر مهمة هائلة، وتبدو أهداف JetZero طموحة، نظرًا لأنّ العملية الكاملة لإصدار الشهادات حتى لنوع مختلف من الطائرة الحالية يمكن أن تستغرق سنوات.
ومن المزايا التي تتمتع بها JetZero في هذا المجال هي كونها ستستعير في البداية محركات من الطائرات ذات الهيكل الضيق الحالية، مثل طائرة "بوينغ 737"، رغم أنّ الخطة تهدف في النهاية للانتقال إلى نظام دفع خالٍ تمامًا من الانبعاثات مدعوم بالهيدروجين، الأمر الذي سيتطلب محركات جديدة لم يتم تطويرها بعد.
ولم تعلن شركة JetZero عن أي طلبيات لطائرتها، لكن أوليري قال لـCNN العام الماضي إنّ شركات الطيران مهتمة. "نحن نتحدث بالفعل مع جميع شركات الطيران الكبرى على مستوى العالم، لأنّهم متحمسون لسماع مكاسب الكفاءة".
ويبقى أن نرى ما إذا كان تخفيض استهلاك الوقود بنسبة 50% أمراً ممكناً بالفعل.
ويرى محلل الطيران في شركة AviationValues للاستشارات، بيلي مايلز، أنّ تصميم الجناح المخلوط فكرة "ثورية" ذات إمكانات، ولكنها تأتي مع عدد من العقبات، ومنها التعقيد الديناميكي الهوائي المتزايد الذي يمكن أن يجعل التصميم والاختبار صعبًا، وسلسلة من التحديات التنظيمية والمتعلقة بإصدار الشهادات، وشكل قد لا يكون مناسبًا للبنى التحتية الحالية للمطارات
ولفت ريتشارد أبو العافية، محلل الطيران لدى شركة الاستشارات Aerodynamic Advisory، إلى أنّه لا يمكن التحقق من جميع ادعاءات JetZero، فإنّ "فكرة جسم الجناح المخلوط كانت جذابة للغاية لسنوات، ويبدو أنّهم قاموا ببعض الأبحاث المثيرة جدًا للاهتمام. أنا وزملائي نعتبر أنّ ذلك أمراً واعداً للغاية".
وما يُشعره بالقلق هو كون الشركة في الغالب "متجرًا للتصميم" في الوقت الحالي، لكنه يعتقد أنّ المشروع قد ينطلق بمساعدة المقاولين. وقال: "هناك بالتأكيد مجال لمن يرغب بالفعل إضافة قيمة إلى هذه الصناعة".