دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- ينتصب الهرم الأكبر في مصر والآثار القديمة الأخرى في الجيزة فوق شريط معزول من الأرض على تخوم الصحراء الكبرى.
لطالما حيّر الموقع "غير المضياف" علماء الآثار، غير أن بعض العلماء اكتشف سابقًا أدلة تشي بأنّ نهر النيل كان يتدفق ذات يوم بالقرب من هذه الأهرامات في بعض السعات، ما سهّل بناء المعالم الأثرية التي استُهلّ بأعمالها قبل 4700 عام.
غير أنّ دراسة جديدة نشرت في مجلة Communications Earth & Environment الخميس، تمكنت بواسطة التصوير عبر الأقمار الصناعية وتحليل نوى الرواسب، من رسم خريطة لفرع نهري جاف من نهر النيل يبلغ طوله 64 كيلومترًا (40 ميلًا)، مدفونًا قبل فترة طويلة تحت الأراضي الزراعية والصحراء. .
وقالت إيمان غُنيم، أستاذة ومديرة مختبر الفضاء والاستشعار عن بعد باستخدام الطائرات بدون طيار، بقسم علوم الأرض والمحيطات في جامعة نورث كارولينا ويلمنغتون، والمؤلفة الرئيسية للدراسة، إنه "رغم بذل العديد من الجهود لإعادة بناء الممرات المائية المبكرة لنهر النيل، إلا أنها اقتصرت إلى حد كبير على مجموعات من عينات التربة من المواقع الصغيرة، ما أدى إلى رسم خرائط لأقسام مجزّأة فقط من أنظمة قنوات النيل القديمة".
وأوضحت أنّ "هذه الدراسة هي الأولى التي تقدم أول خريطة لفرع نهر النيل القديم المفقود منذ فترة طويلة".
وتشير غنيم وزملاؤها إلى هذا الفرع المندثر من نهر النيل باسم "الأحرامات"، وهي كلمة عربية تعني الأهرامات.
وقالت غُنيم إنّ الممر المائي القديم كان عرضه حوالي 0.5 كيلومتر (حوالي ثلث ميل) وعمقه لا يقل عن 25 مترا (82 قدما)، على غرار نهر النيل المعاصر.
وأشارت غُنيم إلى أنّ "الحجم الكبير، والطول الممتد لفرع الأحرامات وقربه من الأهرامات الـ 31 في منطقة الدراسة يشير بقوة إلى وجود ممر مائي فعال ذات أهمية كبيرة".
ولفتت إلى أن النهر كان سيلعب دورًا رئيسيًا في نقل المصريين القدماء لكمية هائلة من مواد البناء والعمال اللازمين لبناء الأهرامات.
وأضافت: "كما يظهر بحثنا أن العديد من الأهرامات في منطقة الدراسة لديها جسر، وهو ممر احتفالي مرتفع، يمتد بشكل عمودي على مسار فرع الأحرامات وينتهي مباشرة على ضفة النهر".
آثار مخفية لممر مائي مفقود
وشرحت غُنيم أن آثار النهر غير مرئية في الصور الجوية أو في صور الأقمار الصناعية. في الواقع، لم ترصد شيئًا غير متوقع إلا أثناء دراسة بيانات الأقمار الصناعية الرادارية للمنطقة الأوسع للأنهار والبحيرات القديمة التي كشفت عن احتمال وجود مصدر جديد للمياه الجوفية.
وأوضحت: "أنا عالمة جيومورفولوجية، واختصاصية في الهيدرولوجيا القديمة أبحث في التضاريس. لذا أملك هذا النوع من العين المدربة".
وأضافت: "أثناء العمل مع هذه البيانات، لاحظت هذا الفرع الواضح حقًا أو ما يشبه ضفة النهر، ولم يكن الأمر منطقيًا لأنه بعيد جدًا عن نهر النيل".
ولدت غنيم ونشأت في مصر، وكانت على دراية بمجموعة الأهرامات في هذه المنطقة، وكانت تتساءل دومًا عن سبب بنائها هناك. تقدمت بطلب إلى مؤسسة العلوم الوطنية لإجراء مزيد من التحقيق، وأكدت البيانات الجيوفيزيائية المأخوذة على مستوى الأرض باستخدام الرادار المخترق للأرض، والتصوير المقطعي الكهرومغناطيسي، أنه فرع نهري قديم لنهر النيل. كشفت نواتان طويلتان من الأرض استخرجهما الفريق بواسطة معدات الحفر عن رواسب رملية تتوافق مع قناة نهرية على عمق حوالي 25 مترًا (82 قدمًا).
ويحتمل أن تكون المعابد "التي لا تعد ولا تحصى" لا تزال مدفونة تحت الحقول الزراعية ورمال الصحراء على طول ضفة نهر فرع الأحرامات، وفقا للدراسة.
لا يزال سبب جفاف هذا الفرع من النهر أو اختفائه غير واضح. ورجّحت غنيم أن تسببت فترة من الجفاف والتصحر واجتياح الرمال إلى المنطقة بذلك، ما أدى إلى تراكم الطمي في النهر.
وقال نيك مارينيه، عالم الجغرافيا في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في باريس، غير المشارك في الدراسة، لكنه أجرى بحثًا عن تاريخ نهر الجيزة، إنّ الدراسة أظهرت أنه عندما تم بناء الأهرامات، كانت جغرافية نهر النيل ومناظره النهرية تختلف بشكل كبير عما هي عليه اليوم.
وأضاف مارينيه: "تكمل الدراسة جزءًا مهمًا من لغز المناظر الطبيعية الماضية". "من خلال تجميع هذه القطع معًا، يمكننا الحصول على صورة أوضح لما كانت تبدو عليه سهول فيضان النيل في زمن بناء الأهرامات، وكيف سخّر المصريون القدماء بيئاتهم لنقل مواد البناء من أجل مساعيهم الإنشائية الضخم".