دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- في كلّ يوم، تتنقّل الإشارات اللاسلكية، من الأقمار الصناعية الرئيسية للاتصالات والملاحة، بحرّية،عبر طبقة من الغلاف الجوي للأرض تُعرف باسم "الغلاف الأيوني".
تطفو هذه المنطقة في الغلاف الجوي العلوي على ارتفاع يتراوح بين 50 و400 ميل، أي 80 و643 كيلومترًا، فوق رؤوسنا.
وتُعتبر موطن العديد من الألغاز التي لم يتم حلّها، بينها لغز اكتشاف معالم غير عادّية على شكل أحرف أبجدية، لديها القدرة على إحباط كلّ ما تفعله تلك الإشارات اللاسلكية للحفاظ على سير كوكبنا بسلاسة.
عرف علماء الفلك منذ بعض الوقت أنّ هياكل تشبه القمم وتشكّل حرف "X" يمكن أن تظهر في بلازما الغلاف الأيوني، وهي بحر من الجسيمات المشحونة، بعد العواصف الشمسية. كما يمكن أن تتسبب الأحداث البركانية والأحوال الجوية المتطرفة على الأرض في حدوث هذه الظاهرة.
لم تستطع بيانات الأقمار الصناعية دومًا التقاط الصورة الكاملة لما يحدث في الغلاف الأيوني.
لكن، ساعدت مهمة "غولد" التابعة لوكالة "ناسا" على تقديم رؤية شاملة لطبقة الغلاف الجوي فوق نصف الكرة الأرضية الغربي من الفضاء، موضحةً كيف تتسبب عوامل مختلفة في حدوث اضطرابات بالغلاف الأيوني.
واليوم، وجد علماء الفلك، الذين يبحثون في البيانات التي جمعتها مهمة "غولد"، أشكالًا مشابهة لحرفي "X" و"C". ويبدو أنها ظهرت بشكل مفاجئ خلال "أوقات هادئة"، عندما لم تكن هناك اضطرابات في الغلاف الجوي، بحسب ما جاء في بحث جديد.
حرف "X"
تراقب مهمة "غولد" الغلاف الأيوني منذ إطلاقها في شهر يناير/ كانون الثاني للعام 2018.
رصدت بدورها أوضح صورة لملامح حرفي "X" و"C" في أعوام 2019 و2020 و2021، وفي أماكن غير متوقعة، ما دفع الباحثين للتساؤل عن تأثيراتها المحتملة على إشارات الاتصالات في المستقبل.
وقال فازلول لاسكار، المؤلف الرئيسي لدراسة نُشرت في أبريل/ نيسان حول شكل حرف "X": "غولد هي أول مهمة ترصد الأشكال الأبجدية بشكل لا لبس فيه".
وأضاف: "تكشف هذه الأشكال أن الغلاف الأيوني يمكن أن يكون ديناميكيًا للغاية، بحيث يعرض هياكل غير متوقعة.. وقد يكون لدى طقس الغلاف الجوي السفلي أيضًا تأثيرًا هائلًا على الغلاف الأيوني".
وقال لاسكار إنّ رصد العلماء لهذه الأشكال أثناء "ظروف الهدوء المغناطيسي الأرضي"، أي عوض رصدها أثناء اضطرابات الغلاف الجوي، يُخبر العلماء أن هناك آلية أخرى قد تكون مسؤولة عن تشكيل هذه الهياكل.
حرف "C"
على نحو منفصل، رصدت مهمة "غولد" أيضًا فقاعات بلازما على شكل حرف "C"، التي قد تتأثر بعوامل أخرى.
عادةً ما تكون فقاعات البلازما طويلة ومستقيمة، لأنها تتشكل على طول خطوط المجال المغناطيسي للأرض. لكن بعض الفقاعات تشبه الأشكال المنحنية، والتي تبدو مثل "C" أو "C" معكوسة، ويعتقد العلماء أنها قد تتشكّل بفعل رياح الأرض.
ولاحظت مهمة "غولد" فقاعات البلازما، على شكل حرفي "C" و"C" معكوسة، قريبة من بعضها بشكل غير مألوف، أي على بعد 400 ميل فقط، وفقًا لدراسة أُجريت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، ونُشرت في مجلة البحوث الجيوفيزيائية.
وقال ديباك كاران، عالم الأبحاث في مختبر فيزياء الغلاف الجوي والفضاء بجامعة كولورادو: "ضمن هذا القرب الشديد، لم يتم التفكير في هاتين الفقاعتين البلازميتين المتقابلتين أو تصويرهما سابقًا".
يعمل كاران في مهمة "غولد"، وهو المؤلف الرئيسي لدراسة الشكل "C" والمؤلف المشارك في دراسة الشكل "X".
وأوضح أن نشاطاً شبيهاً بالإعصار يمكن أن يخلق اضطراباً في الغلاف الجوي، ما يتسبّب بتغيير أنماط الرياح في مثل هذه المنطقة الصغيرة. لكنهم لم يتوقعوا أبداً رؤية مثل هذه الفقاعات المتناقضة بشكل متقارب جداً.
وقال جيفري كلينزينغ، وهو عالم أبحاث يدرس الغلاف الأيوني في مركز "غودارد لرحلات الفضاء" التابع لوكالة "ناسا" بولاية ماريلاند الأمريكية: "حقيقة أنّ لدينا أشكالاً مختلفة جداً من الفقاعات بهذا القرب من بعضها البعض تخبرنا أن ديناميكيات الغلاف الجوي أكثر تعقيداً ممّا توقعنا".
وحتى الآن، لاحظت "غولد" حالتين فقط من حالات الاقتران المتقاربة، لكن الفقاعات على شكل حرف "C" لديها القدرة على تعطيل الاتصالات.
وأوضح كاران: "كشف لغز تشكيلات فقاعات البلازما هذه ليس مجرد فضول علمي فحسب، بل له أهمية عملية أيضاً للتخفيف من الآثار السلبية على أنظمة الاتصالات والملاحة".
وأشار إلى أن محاولات فهم كيفية تشكّل الفقاعات بالقرب من بعضها البعض، باستخدام أدوات النمذجة الحالية، لم تنجح. وأعرب عن أمله في أن يتمكن المجتمع العلمي من التكاتف لحلّ هذا اللغز.