دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كان حي"تشاندني تشوك" ذات يوم من الأحياء التي يتحدث عنها الناس بدهشة في الهند.
ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الـ17 على يد الإمبراطور شاه جهان، وقد عكس ثروة الإمبراطورية المغولية العظيمة ذات يوم، وسرعان ما أصبح واحدا من أكثر المناطق المرغوبة في الهند، حيث أقام الأثرياء داخل منازل أنيقة.
واليوم، تتمتع هذه الزاوية من المدينة التاريخية المسورة، أي دلهي القديمة، بأجواء مختلفة، إذ تجذب الزوار إلى مشهد طعام الشارع النابض بالحياة. ولا تزال التذكيرات المعمارية تبرز بمجدها السابق، لكن منازل الأثرياء الفخمة لم تعد موجودة، نظرا لأن العديد منها تحوّل إلى فنادق أو منشأت تجارية أخرى، ورحل عنها سكانها منذ فترة طويلة، باستثناء شخص واحد، وهو أجاي بارشيد.
ويجلس بارشيد، الذي يبلغ من العمر 80 عاماً، في فناء قصره الضخم الذي يضم 120 غرفة، وهو آخر من تبقى في "تشاندني تشوك"، متمسكاً بروعة عصر مضى.
وقال بارشيد، وهو من نسل تشونا مال، الذي كان تاجرا بنى المنزل في عام 1864، وفقاً للوحة ذهبية منقوشة داخل رواق المبنى إنه "القصر الوحيد الحيّ في شارع تشاندني تشوك التاريخي".
وبعد مرور 160 عاماً، ورغم تمسك بارشيد بإرث أسلافه، إلا أن الكثير من بريق القرون السابقة قد اختفى، حيث أُغلقت غالبية غرف القصر، فيما تراكم الغبار على التحف الموجودة بداخلها.
ومن بين ورثة تشونا مال البالغ عددهم 32 فردا، لم يبق سوى بارشيد وعائلته المكونة من 10 أفراد، إذ أوضح أنه الوحيد الذي يرغب بالاحتفاظ بالمكان، قائلًا: "تخطط الأسرة لبيعه (القصر)، لكنني ضد ذلك. لقد كنت أحاول أن أجمعهم على الطاولة ذاتها".
ويأمل بارشيد بعدم تحويل أحد القصور الخاصة القليلة في المنطقة إلى فندق.
وبالنسبة لرامين خان، وهو مؤسس شركة "City Tales" التي تنظّم جولات ورحلات تراثية في دلهي وخارجها، فإن أهمية هذا الشارع تمتد إلى ما هو أبعد من عروضه المادية.
وفي حديثه عن مجد الشارع، أشار خان إلى أنه كان هناك في السابق مسبح مثمن الشكل يعكس صورة القمر في مياهه ويتلألأ. ومن هنا جاء اسم "تشاندني تشوك"، أي "المعبر المضاء بالقمر".
وخلال أيام إمبراطورية المغول، التي تأسست في القرن الـ16 وازدهرت لتسيطر على جزء كبير من شبه القارة الهندية قبل أن تتلاشى وتتفكك في عام 1857، اكتسب التراث الثقافي والمعماري في الهند العديد من الهياكل الأيقونية.
وفي دلهي، تشمل هذه الأماكن ضريح "هميون"، والمسجد الجامع، والقلعة القديمة. كما حصلت مدينة أغرا المجاورة على ضريح تاج محل، الذي يُعد واحدا من عجائب الدنيا السبع، ويجذب الآلاف من الزوار كل يوم.
ويُضاف إلى هذه المعالم شارع "تشاندني تشوك"، الذي بُني كجزء من العاصمة الجديدة للإمبراطور شاه جهان، التي تُعرف اليوم باسم دلهي القديمة.
وتعرضت أجزاء عديدة في هذا الشارع للتدمير عندما ثار السكان ضد الاحتلال البريطاني في عام 1857. وقام البريطانيون بإنهاء التمرّد، وبالتالي أنهوا حكم المغول في دلهي، وشكّلوا بداية الحكم البريطاني.
ومع ذلك، لم يتم المساس بالقصور مثل القصر الذي تملكه عائلة تشونا مال، حيث ذكر بارشيد: "كان تشونا مال مؤيدًا للبريطانيين. لقد استمتعنا بالكثير من الامتيازات بسبب ذلك"، لافتًا إلى أن جدّه عيّن كأول مفوض بلدي لدلهي القديمة.
واليوم، أصبح قصر بارشيد رمزًا لمجد القرن الـ17، حيث تتناقض الرحابة الكئيبة داخل القصر المترامي الأطراف بشكل صارخ مع شارع "تشاندني تشوك" الحديث بالخارج.
ويبدأ أقدم شارع في المنطقة، في قلب دلهي، عند مدخل القلعة الحمراء التي تعود إلى عصر المغول، حيث يُرفع علم يوم الاستقلال السنوي تحت إشراف رئيس وزراء الهند، ويمتد لمسافة 1400 ياردة إلى مسجد "فاتحبوري" الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن السابع عشر.
هذا الشارع الذي يعج بالتجّار وعربات "الركشا"، والمتسوقين الذين يأتون لشراء الملابس، والمجوهرات، أو تناول الطعام اللذيذ، يجذب الآلاف من السياح والزوار كل يوم.
في الشارع لا تتشابك عصور متعددة من التاريخ فحسب، بل تتعايش العديد من دور العبادة، منها معبد هندوسي، ومسجد، ومزار سيخي، وكنيسة معمدانية.
وقال خان: "هذا يدل على قدرة الهند للتعايش السلمي كدولة علمانية، رغم التحديات العديدة".
وأكدّت شيتال ساكسينا، البالغة من العمر 23 عامًا، وهي ربة منزل ومقيمة محلية، إن الشعور بالمودة لا يزال قائمًا بين المجتمعات المختلفة هنا، موضحة: "حقيقة أن هذا المكان يستوعب الجميع تجعله رمزًا حقيقيًا في الهند".