دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- ينتاب مهندس طيران طائرة "كونكورد"، وارن هازلبي، القشعريرة كلما تذكّر أول رحلة أسرع من الصوت خاضها من لندن إلى نيويورك في عام 2002.
ويتذكّر هازلبي دخوله قمرة القيادة وتأمّله لكل التفاصيل.
وكان التصميم الداخلي أصغر من طائرات بوينغ من طراز 707 و747 التي عمل عليها طوال حياته المهنية، لكن مفاتيح التحكم كانت أكثر تعقيدًا.
شعر هازلبي بمزيج من الإثارة والقلق عندما جلس خلف الطيارين، مواجهًا لوحة هائلة من الأزرار والمفاتيح التي تتحكم في أنظمة الطائرة والمحركات والوقود.
ورُغم طيرانها بسرعة أكبر من أي طائرة ركاب تجارية أخرى في التاريخ، لم تخضع "كونكورد" أبدًا للتحديث بتقنيات القرن الـ21. وكان الحاسوب المسؤول عن التعامل مع هذه المعدات المعقّدة بشريًا.
وباعتباره مهندس طيران، كانت مهمة هازلبي هي تشغيل مفاتيح التحكّم، أي إجراء التعديلات اللازمة لضمان اختراق الطائرة لحاجز الصوت بأمان للوصول إلى سرعات تزيد عن 2 ماخ.
في ذلك اليوم الأول، نظر هازلبي إلى اللوحة الممتدة من الأرض إلى السقف وشعر "بالتوتر الشديد". وكان زملاؤه من مهندسي الطيران قد حذّروه من أن متطلبات "كونكورد" تستهلك كل الوقت، أي لن يكون لديه الوقت الكافي لتناول الطعام أو شرب فنجان من القهوة طوال مدة الرحلة.
ونشأ هازلبي وهو يراقب الطائرات بالقرب من مسقط رأس "كونكورد" في جنوب غرب إنجلترا.
وبدأ مسيرته المهنية كمتدرب في مجال الهندسة عندما كان يبلغ من العمر 16 عامًا لصالح شركة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار (BOAC)، التي سبقت الخطوط الجوية البريطانية.
وقد أعجب بطائرة كونكورد لسنوات، ثم وجد نفسه أخيرًا خلف أدوات التحكم في طائرة نفاثة أسرع من الصوت.
وأكّد هازلبي لـ CNN: "تمثل المرة الأولى التي تمر فيها عبر حاجز الصوت تجربة رائعة".
ورغم التوتر، والإجهاد، شعر هازلبي برضا لا مثيل له من مهنة ذات ضغوطات عالية.
وأشار هازلبي إلى أن "كونكورد" كانت بمثابة طائرة أحلام أي مهندس طيران، وأوضح: "عندما تفعل كل شيء بشكل صحيح، وتشغّل كونكورد بشكل جيد، فإنك تحصل على شعور كبير بالإنجاز. وفي نهاية الرحلة، تشعر بالإرهاق، لكنك تجاوزت كل هذه المراحل المختلفة، وأوصلت الركاب بأمان إلى وجهتهم في غضون ثلاث ساعات وربع الساعة. انتابني شعور خاص للغاية عندما وصلت إلى نيويورك".
العقل المدبر وراء الطائرة
واليوم، عندما يخبر هازلبي الناس أنه كان مهندس طيران على متن طائرة "كونكورد"، فإنه يتلقى نظرات مستغربة، إذ نادرًا ما تجد أحدًا يعلم بوجود مهندسي الطيران، على حدّ تعبيره.
ولا تساعد حقيقة اختفاء هذه المهنة منذ أكثر من 20 عامًا في تخفيف الارتباك، إذ تولّت أجهزة الحاسوب مهام مهندس الطيران بالكامل في مجال الطيران التجاري على الأقل.
ولكن شكل مهندسو الطيران عنصراً حاسماً خلال العقود الأولى من السفر بالطائرات النفاثة، إذ كانوا مسؤولين عن مراقبة أنظمة الطائرات طوال الرحلة.
على متن "كونكورد"
انضم هازلبي إلى طاقم "كونكورد" كمهندس طيران متمرس، لكنه سرعان ما أدرك أن القيام بهذه المهمة على متن طائرة أسرع من الصوت كان لعبة أخرى تمامًا.
وقال هازلبي: "على متن طائرة بوينغ 747، تقود الطائرة نفسها بشكل كبير بمجرد الإقلاع، وإجراء فحوصات ما بعد الإقلاع، والدخول في وضع الطيران. كان يجب فقط التعامل مع الملاحة ونظام الوقود، ولكن كان الأمر آليًا إلى حدٍ كبير لبقية المهمة".
أمّا على متن طائرة "كونكورد"، نظرًا لضرورة تغيير السرعة والارتفاع طوال الوقت، لم تكن هناك فترة ينعدم فيها الانشغال، وفقًا لهازلبي.
العمل كفريق
وعلى متن طائرة "كونكورد"، تعلم هازيلبي بسرعة أن الطيار والمساعد الأول ومهندس الطيران يعملون كفريق مترابط للغاية.
وكان الثلاثي يضبطون ساعاتهم بمجرد بدء مناوبتهم. وخلال الرحلة، كان كل عضو في قمرة القيادة يعتمد على الآخر.
وشرح هازلبي: "مع طائرة كونكورد، لم يكن باستطاعة الطيارين القيام بمهام معينة بدون مهندس الطيران، ولم يكن مهندس الطيران قادراً على القيام بمهام معينة بدون الطيارين. لذا كان يجب العمل كفريق مترابط للغاية، والتأكد من أن الجميع على اطلاع بما يجري".
وبالنسبة لهازلبي، كان العمل كمهندس طيران لآخر رحلة على الإطلاق لطائرة "كونكورد" في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2003 "مؤثرًا للغاية".
وكان يأمل في تشغيل أدوات التحكم في الطائرة النفاثة الأسرع من الصوت لفترة أطول بكثير ، لم يكن لدى هايزلبي سوى عام واحد لقيادة طائرة "كونكورد" قبل أن توقف الخطوط الجوية البريطانية الطائرة عن العمل.
وكانت الخطوط الجوية الفرنسية قد أوقفت طائرات "كونكورد" الخاصة بها قبل بضعة أشهر.
وفي رحلتها الأخيرة، حلّقت طائرة "كونكورد" من مطار هيثرو بلندن إلى مطار فيلتون، بالقرب من بريستول في جنوب غرب إنجلترا، حيث بدأت قصتها قبل أربعة عقود من ذلك.