دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- منذ خمسين عامًا، بدأ أعضاء من كنيسة جيم جونز المعروفة باسم "معبد الشعوب" في سان فرانسيسكو، بالانتقال إلى مجتمع زراعي في الريف بدولة غيانا بأمريكا الجنوبية. وانتهت تجربة "جونز تاون" بعد أربع سنوات بحادثة مأساوية وغريبة من حالات القتل والانتحار الجماعي، وهي تُعد واحدة من أكثر الأحداث المروعة في التاريخ الأمريكي.
ولقي أكثر من 900 شخص مصرعهم في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 1978، ضمنًا عضو الكونغرس الأمريكي، ليو رايان.
والآن، مع دراسة غيانا لمقترح من مشغّل سياحي مدعوم من الحكومة لفتح المجمّع الذي ابتلعته النباتات، أمام الزوار، يثار نقاش مثير للاهتمام حول جاذبية وأخلاقيات وحساسيات ما يُعرف بـ"السياحة المظلمة"، أي زيارة المواقع المرتبطة بالمآسي.
لماذا تحظى مواقع الفظائع الماضية، والكوارث الطبيعية، والوفيات الشهيرة، وأماكن السجن، بشعبية كبيرة بين الزوار؟
هل فعلًا يرغب الزوّار بالاقتراب من هذه الدوامات من الكوارث والشر؟
من الذي يقرّر كيفية تقديم التاريخ للزوار؟
وما التأثير الذي تتركه هذه الأحداث بالزوار ومن يعيشون بالقرب من هذه الأماكن؟
مجرد تاريخ؟
السياحة المظلمة (وتُعرف أيضًا بالسياحة التذكارية، أو "ثاناتوريسم" المشتقة من الكلمة اليونانية "ثاناتوس" وتعني الموت، أو بشكل أكثر ازدراءً بالسياحة الموربة أو سياحة الحزن) تأتي بدرجات وظلال مختلفة.
على سبيل المثال، يعد موقع "غيتيسبيرغ" ساحة لأكثر المعارك دموية في الحرب الأهلية الأمريكية، حيث لفظ 51 ألف شخص أنفاسهم الأخيرة، ومع ذلك، يجذب المكان العديد من الرحلات المدرسية، وحوالي 1.5 مليون زائر سنويًا، وفقًا لإدارة المتنزهات الوطنية.
هل يُعتبر ذلك سياحة مظلمة؟ ماذا عن زيارة الشواطئ في فرنسا حيث قُتل ما بين 8,000 و14 ألف جندي خلال غزوات يوم الإنزال التي غيرت مجرى الحرب لصالح الحلفاء في الحرب العالمية الثانية؟
وماذا عن نصب "غراوند زيرو" ورحلة 93 التذكارية لأكثر من 3,000 شخص قضوا في أحداث 11 سبتمبر/ أيلول عام 2001؟
الغرض من زيارة هذه الأماكن هو الشعور بعدم الراحة، والشهادة على ما حدث، ومشاركة ما رأيته وكيف شعرت. السفر يغيرنا، وأحيانًا، نتيجة التعرض لأسوأ ما في الطبيعة البشرية.
ربما سمعتم عن إضافة طابع "ديزني" (المكان الأسعد على وجه الأرض) على الأماكن، لكن السياحة المظلمة هي خلاف ذلك تمامًا. فهذه هي الأماكن الأكثر حزنًا على وجه الأرض، ومع ذلك هي أماكن يجب ألا تنساها أبدًا. فالذهاب إليها يعد تكريما للموتى، وذكراهم، وآلامهم.
الشهر الماضي، تحوّل قصر في لوس أنجلوس، حيث قتل لايل وإريك مينينديز والديهما، إلى أحدث وجهة في ما يسمى بـ"السياحة المظلمة". وعاد الأخوان إلى الأضواء وأصبحا موضوع فيلم وثائقي حديث، لكن من الصعب تخيّل ما الذي يمكن للزوار تعلمه من مجرد التحديق في مسرح الجريمة.
لكن، ما مدى الاختلاف بين هذه المحطات وزيارة مسرح فورد في واشنطن العاصمة، حيث تم اغتيال الرئيس؟
وهل من المقبول رؤية الآلاف من ضحايا بركان فيزوف في بومبي بإيطاليا لأنهم قُتلوا قبل 2000 عام؟
ماذا عن القيام بجولة ترفيهية للتعرف على ضحايا جاك السفاح في لندن بأواخر القرن التاسع عشر؟
أو دفع مبالغ طائلة للنزول عميقاً تحت الماء لمشاهدة حطام "تيتانيك"، حيث مات زوار العام الماضي خلال استكشاف حطام سفينة توفي حوالي 1،500 شخص ممّن كانوا على متنها قبل أكثر من 100 عام؟
هل يجعلنا مرور الزمن أقل حساسية تجاه هذه الجرائم والمآسي؟
قد نشعر بجاذبية تدفعنا إلى متابعة كابوس تلك القصص في العالم الحقيقي، حيث لا تزال آثارها قائمة في مكانها.
لكن السؤال الأهم الذي يجب أن يطرحه المرء على نفسه قبل التخطيط لمثل هذه الرحلات هو: ما الغاية منها؟
هل الهدف هو التعلم والفهم؟ أم هو مجرد إشباع فضول؟
فكر في السكان المحليين، وفي الأصدقاء والعائلة الذين يرتبطون بالمأساة واسأل نفسك ما إذا كانت زيارتك تكرّم الإرث أم تستغل المأساة.
وفي النهاية، قد تكون أنت الوحيد القادر على الحكم على أخلاقيات زيارة هذه الأماكن.