رأي: أمريكا تتغاضى عن تردي أوضاع حقوق الإنسان في مصر لحاجة واشنطن تعاون العرب

العالم
نشر
8 دقائق قراءة
رأي: أمريكا تتغاضى عن تردي أوضاع حقوق الإنسان في مصر لحاجة واشنطن تعاون العرب
Credit: Win McNam - VASILY MAXIMOV/AFP/Getty Images

مقال لآرون ديفيد ميلر، المحلل ونائب رئيس مركز وودرو الدولي لشؤون المبادرات الجديدة، وكاتب كتاب "نهاية العظمة: لماذا لا تستطيع أمريكا (ولا تريد) رئيسا عظيما آخر." وكان ميلر مفاوضا في شؤون الشرق الأوسط في الحزبين الجمهوري والديمقراطي. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.

نيويورك الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- أعلن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، في كلمة أمام الكونغرس الأمريكي، عن إزالة الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان من عملية إرسال المساعدات لمصر، ما خذل وأغضب الجماعات الحقوقية. ولكن من الصعب أن يفاجئ ذلك متابعي تطور سياسة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في الشرق الأوسط.

مضت أيام "الربيع العربي" في 2011، والتي كان يتحدث أوباما حينها عن البقاء على الجانب الصواب من التاريخ، ودهم قوى الأمل والتغيير.

تعلمت الإدارة الأمريكية درسا قاسيا حول ما أدركه المؤرخ الروماني، تاكتيوس، والذي قال: "اليوم الأول بعد وفاة إمبراطور سيء هو دائما أفضل الأيام". وهذا تماما ما حدث في الربيع العربي، فإسقاط الطغاة كان الأمر السهل، ولكن إنشاء حكومة جديدة قوية تدفع البلاد إلى بر الأمان هو الأصعب.

تونس كانت البلد الوحيد الذي خطط لإنشاء دولة قد تتيح فرصة التغيير الحقيقي والإصلاح وتقاسم السلطة. لكن بعض دول "الربيع العربي" الأخرى، مزقتها التجزئة وأثقل بعضها القمع والبعض الآخر عانى من الاثنين معا. إذ تصارعت القوتين الحاكمتين، الجيش والتيار الإسلامي في مصر على السلطة، وقامتا بقمع قوى التغيير غير المنظمة والتي لم تمتلك المال الكافي لتوفير حكومة مستقرة وصالحة لخدمة البلاد.

وبعد مغازلة إدارة أوباما الإسلاميين في مصر ودعمتهم ونفرت من الجيش، وتمكن الأخير من الاستيلاء على السلطة بفضل الدعم الشعبي الذي لا يستهان به، وجدت الإدارة الأمريكية نفسها مضطرة لقبول ما لا يمكن تجنبه، وانتقلت إلى وجهة النظر التي تميل أكثر إلى البراغماتية وقبول الواقع، على عكس سياستها المثالية السابقة.

ويبدو أنها قررت في المستقبل القريب، تزامنا مع اقتراب انهيار الوضع في الشرق الأوسط، أنه ليس من الحكمة وضع قضايا حقوق الإنسان والحكم الشفاف على رأس قائمة أولويات علاقاتها مع شركائها في المنطقة. ويبدو أن إدارة أوباما وصلت بالفعل إلى نتيجة تُفيد بأنه في هذه المرحلة الحرجة، وجود دولة سيئة هو أفضل من عدم وجود دولة إطلاقا.

الشتاء العربي

كان الأجدر بمن توقع نهاية "هوليوودية" للربيع العربي، أن يذهب لمشاهدة الأفلام، حيث تدهورت الأوضاع في المنطقة في وقت قصير جدا، إلى مستوى صعق جميع المحللين، حتى خبراء شؤون الشرق الأوسط المتشائمين بشدة مثلي.

تواجه ليبيا وسوريا واليمن مستويات مختلفة من التجزئة، وحتى الدول التي لم تتهاوى حتى الآن، تُصنف كدول ضعيفة جدا. أما التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه العراق ولبنان ومصر، فتتعلق بهيكل الدولة ذاته وهي طويلة المدى.

انسوا الحكم السليم للبلاد، القضية الأساسية تتمحور حول قدرة هذه الحكومات على توفير احتياجات الشعب الأساسية، والسيطرة على أمن دولهم ووحدتها واستقرارها.

وفي حين سلم الحكام والملوك العرب نسبيا من آثار الربيع العربي، إلا أنهم يواجهون مجموعة من التحديات الخاصة بهم، فعلى سبيل المثال، تواجه المملكة العربية السعودية، شريكة الولايات المتحدة الأمريكية الأهم في منطقة الخليج العربي، تحدي انهيار أسعار النفط، الأمر الذي يشكل خطرا على الفوائد الدائمة التي هي جزء من سبب استقرارها.

لا جديد

يعد انتقال السياسة الأمريكية إلى البراغماتية تحولا أساسيا في سياستها تجاه الشرق الأوسط، إذ تتعامل واشنطن منذ 50 عاما مع الحكومات الديكتاتورية العربية وتصرف النظر عن قضايا الفساد وحقوق الإنسان. أذكر خلال فترة عملي كمفاوض في الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية في التسعينيات من القرن العشرين، كيف قمنا بتجاهل حُكم الرئيس الفلسطيني السابق، ياسر عرفات، التعسفي، والتي تشمل محاكم أمن الدولة وغياب الإجراءات القانونية اللازمة، لأننا كنا نحتاج إلى مساعدته في عملية السلام. وكان الإسرائيليون سعيدون باتباع نفس النهج.

وها هي واشنطن اليوم تصرف النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر والسعودية والبحرين، بل وحتى عن جرائم الحرب في النزاع ضد الحوثيين في اليمن. وعلينا ألا ننسى العراق أيضا، فرغم سوء معاملة الحكومة للأقلية السنية هناك، لم تشترط واشنطن لإرسال المساعدات تحسين الأداء الحكومي والحفاظ على حقوق الإنسان في البلاد.

وعادت الولايات المتحدة الأمريكية إلى سياستها الأولى، بطريقة أو بأخرى، بسبب خشيتها الجزئية من الفوضى في المنطقة وإدراكها أيضا بأنها لا تملك النفوذ الكافي لإعادة تشكيل هذه البلدان. ما الداعي لقطع المساعدات، بينما تموّل البنوك الخليجية والسعودية مصر، خاصة وأن واشنطن تحتاج إلى تعاون الدول العربية؟

وكما قال كيري للكونغرس: "دعوني أسألكم، من يمتلك النفوذ؟ مَن سيطيعون؟ مِن أين يظنون أن مساعداتهم تأتي؟" إنه تناقض مثير للسخرية، فالولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تأمل بالديمقراطية في الشرق الأوسط، تجد نفسها تعتمد على أنظمة ديكتاتورية من جديد.

ولكن هذه المرة، يبدو الأمر أكثر تعقيدا، حيث أن حكومات البحرين ومصر والسعودية لا تثق بدعم وتشجيع الإدارة الأمريكية للربيع العربي، سواء كان شكليا أو فعليا، وهناك أيضا وعي بأن إدارة أوباما قد رضخت لتأثير إيران على المنطقة، الأمر الذي وتّر العلاقات بشكل أكبر.

الاستقرار الكاذب

والحقيقة هي أن المنطقة تنهار، وأصبح اللاعبون غير المنتمين إلى دول معينة، مثل تنظيم "داعش،" يشكلون مصدر تهديد فعلي، وباتت واشنطن تعتمد بشكل أكبر على العرب الذين تعجز عن تركهم أو إصلاحهم. أما الضربة القاضية لحقوق الإنسان ستحدث في حال قررت الولايات المتحدة إبقاء الرئيس السوري، بشار الأسد، كجزء من الحل في سوريا، رغم أنه أحد المسببين الرئيسيين للحرب هناك.

إنه أمر بعيد عن الحتمية، ولكن التأثير الروسي والإيراني، إضافة إلى الحاجة لوقف العنف في سوريا قد يجبر الإدارة الأمريكية على قبول وجود الأسد لفترة أطول مما تتمنى.

كما لعبت الاتفاقات السابقة مع القوى في مصر وتونس والسلطة الفلسطينية دورا فاعلا في حماية مصالح واشنطن في المنطقة. ولكن الخطر يكمن في أن الاعتماد على الأنظمة الديكتاتورية سيزرع بذور الفوضى التي تحاول أمريكا منعها.

ولكن حتى الآن، يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية عالقة في منطقة محروقة لا تستطيع الخروج منها أو إعادة بناءها، ويُرجح أن ينعكس ذلك التناقض والنفاق، ليس فقط في سياسة شركاءنا الدكتاتوريين ولكن في سياسة أمريكا أيضا.