تونس (CN.)-- في بلد تهب عليه رياح التغريب من كل جهة بما تحمله من أنماط جديدة في الاستهلاك، أُطلقت في تونس حملة إلكترونية تهدف للفت الانتباه إلى القيم الثقافية والهوية الوطنية بدءا بارتداء اللباس التقليدي وإعادة الإعتبار له في الحياة اليومية مقابل وقف الإقبال على الماركات العالمية واللباس الوافد من الخارج. حملة يرى أصحابها أنها قد تساعد الحرفيين الذين لا ينتفعون إلا من قطاع الصناعات التقليدية وتجعل مستقبلهم أفضل.
ويغزو هاشتاغ "خلّيك تونسي" هذه الأيام موقع الفيبسوك في تونس، دعوة انطلقت منذ أكثر من أسبوع سرعان ما لاقت تجاوبا واسعا من قبل النشطاء الفيسبوكيين خاصة من النساء اللاتي قمن بنشر صورهن وهن مرتديات ملابس تقليدية من ثياب وإكسسوارات ومجوهرات وذلك في خطوة تشجيعية منهن للإقبال على هذا القطاع.
فاتن عبد الكافي ناشطة في المجتمع المدني وصاحبة الفكرة، أكدت أن هذه البادرة لم تأت من فراغ حيث خطرت على بالها مع انطلاق صالون الابتكار في الصناعات التقليدية الذي انتظم مؤخرا بتونس خاصة عندما شاهدت معاناة الحرفيين التونسيين والصعوبات التي اعترضهم في تسويق منتوجاتهم ولاحظت ضعف الاقبال عليها.
وأضافت لـCNN بالعربية أنه تبعا لذلك قررت إطلاق هذه الحملة وذلك لتحسيس التونسيين بأهمية الإقبال على الإنتاج المحلي وتشجيعهم على إرتداء اللباس التونسي خاصة أنه أصبح مواكبا للموضة وذلك من أجل مساعدة آلاف العائلات التي تسترزق من هذا القطاع على إنعاش مبيعاتها.
وأضحت أنه في هذا السياق قامت أولا بإنشاء صفحة خاصة بالحملة تحت عنوان " خليك تونسي"، وبدأت بصديقاتها وطلبت منهن أن توشحن أزيائهن كل يوم بقطعة تونسية وتنشرن صورهن على الصفحة، لتفاجىء في وقت قياسي بتفاعل كبير من قبل العديد التونسيين الذين راقت لهم الفكرة وعبروا عن دعمها.
وخلّصت عبد الكافي أنها اكتشفت من خلال هذه الحملة عودة الإهتمام باللباس التقليدي، مضيفة أن هذه الحملة لن تبقى حبيسة الفضاء الافتراضي بل ستنتقل خلال الأيام القادمة إلى الأسواق والشوارع ومحلات الصناعات التقليدية، مؤكدة أن الحملة بدأت تحقق أهدافها حيث أعلن عديد الحرفيين أنهم بدؤوا في تلقي الطلبات.
وختمت قائلة: "المهم بالنسبة لي هو أن لا تقفل المحلات ولا يموت الحرفي الصغير، إذا لم يقبل السياح، فسوف نساهم نحن في إنقاذ الحرفيين هذه الصائفة".
وتشهد أسواق الصناعات التقليدية هذه الفترة كسادا غير معهود بعد هجرة السياح خاصة أن السياحة تعد المحرك الرئيسي لهذا القطاع الذي كان في وقت من الأوقات ركيزة من ركائز الاقتصاد لا سيما في السنوات التي تلت الاستقلال.
أحلام اللموشي إحدى الداعمات لهذه الحملة أكدت أنها قامت من خلال هذه المبادرة بدعوة جميع التونسيين للتوجه للأسواق ومحلات اللباس التقليدي للتسوق منها حتى يكون هذا اللباس طابعًا مميزًا يُلبس في البلاد كل يوم وليس في المناسبات فقط، كما قامت بدعوة المصممين أيضا من أجل ابتكار موديلات وتصاميم جيدة تصلح للاستعمال اليومي سواء في العمل أو خارجه.
يذكر أن تونس تحتفل سنويا باللباس التقليدي بتخصيص يوم لذلك وهو اليوم المصادف لـ 16 مارس من كل عام، يوم يرتدي خلاله التونسيون لباسهم الأصيل في مختلف المؤسسات، وذلك بهدف التعريف به ومد جذوره في الأجيال القادمة والمساهمة في ترسيخ الهوية وتثبيت الأصالة وروح الانتماء.
لكن محمد بن رحومة، موظف متقاعد، يقول إن يوما واحد غير كاف لقطاع الصناعات التقليدية الثري والمتنوع، مضيفا أنه من المفترض تخصيص مساحات أكبر من السنة لإعادة الروح لهذا المجال المهدد بالاندثار:" لا يعقل أن نترك منتوجنا وثقافتنا وهويتنا في الخلف ونلهث وراء جلب الماركات العالمية وإدخالها للبلاد، في الوقت الذي كنا ننتظر فيه أن يغزو منتوجنا المحلي الأسواق الخارجية حدث العكس، هذا مؤسف".
وأوضح لـCNNبالعربية أن اللباس التونسي أصبح مهددا سواء من قبل الأزياء الأوروبية المتحررة أو من قبل الملابس الطائفية التي غزت أسواقنا في الفترة الأخيرة والتي لا تعبر لا عن هوية التونسيين ولا عن ثقافتهم، معتبرا أن اللباس التونسي يجمع بين الحشمة والحداثة، داعيا إلى ضرورة أن يدخل هذا اللباس ضمن الحياة اليومية للتونسي ولا يقتصر فقط على مناسبات الأعراس.
ومن العادات التي دأبت عليها العائلات التونسية أن يتم تخصيص يوما خاصا باللباس التقليدي خلال حفلات الأعراس ترتدي فيه العروس اللباس التقليدي الخاص بمنطقتها وتتوشح بالقطع الذهبية التقليدية خاصة الخلخال الذهبي الذي يزين ساقها، كما يحرص العريس على إرتداء الجبة والسروال العربي وكذلك البلغة في ساقه إضافة إلى الشاشية على رأسه.
وعلى هذا الأساس يحرص المصممون كل عام على تطوير إنتاجاتهم وجعلها مواكبة مع مخلف أشكال الموضة العصرية حيث يتم المزج بين التراث والأصالة من ناحية والحداثة من ناحية أخرى.
سناء الجدي إحدى المصممات أكدت في هذا الجانب أنها تعمل منذ أكثر من 10 سنوات في مجال اللباس التقليدي وأنها تحاول خلق ابتكارات جديدة توفق فيها بين مستجدات الموضة العالمية وآخر الصيحات خاصة فيما يتعلق بالألوان وبين المحافظة على الروح واللمسة التونسية.
واعترفت سناء لـ CNN بالعربية بمواجهتها للعديد من الصعوبات في عملها خاصة فيما يعلق بالترويج، موضحة أن اللباس التقليدي ارتبط عند التونسي بمناسبات الأعراس أو بالمناسبات الدينية والسهرات العائلية وبقي منحصرا هناك رغم التطورات التي أدخلت عليه حتى يكون مناسبا للاستعمال اليومي، موجهة دعوة للتونسيين:"هذا الصيف الكل يرتدي لباس تونسي".