الرباط (CNN)— بابتسامة بريئة ووجه صبوح، تطل صورة إديا طفلة لا يتجاوز عمرها ثلاث سنوات، على آلاف المغاربة في الشبكات الاجتماعية منذ ساعات، ليس احتفاءً بمناسبة جميلة لا تضاهي في شيء الجمال الملائكي للطفلة، بل حنقا وغضبا على واقع الصحة بالمغرب العميق، بعد وفاة إديا متأثرة بإصابة تعرّضت لها إثر سقوطها عندما كانت في نزهة مع أسرتها.
إديا، ابنة تنغير بالجنوب الشرقي للمغرب، سقطت على رأسها يوم السبت الماضي، ممّا أدى إلى إصابتها على مستوى الرأس، قبل أن تلفظ أنفاسها أمس الثلاثاء، وبين السقوط والوفاة تُطرح الكثير من الأسئلة حول مدى استفادة إديا من حقها في العلاج، وحول حقيقة أوضاع مستشفيات الجنوب الشرقي للمغرب، في منطقة كثيرا ما سُميت بالمغرب غير النافع، أو بلغة أقل وطأة: المغرب العميق.
و حاولت CNN بالعربية أكبر من مرة التواصل مع إدريس فخر الدين، والد الضحية، غير أن هاتفه بقي يرن دون جواب، ثم تعذر الاتصال. وقد صرح إدريس لموقع هسبريس أن الطبيب الذي استقبل الطفلة بالمستشفى الجهوي طمأنه بأن حالتها عادية، وأنها أصيبت بكسر صغير في الجمجمة، ناصحا إياه بنقلها إلى فاس للعلاج، إلّا أن إيديا توفيت ساعة بعد وصولها، كما صرح لموقع اليوم 24 أن طبيبا معالجها أخطأ في التشخيص، ولم يرصد وجود حالة نزيف داخلي.
كمال هشكار، صديق إدريس فخر الدين، والد الطفلة الراحلة، قال إن الطفلة نُقلت بعد سقوطها إلى مستشفى مدينة تنغير، حيث لم يتم علاجها بسبب عدم وجود آليات العلاج، ومن ذلك جهاز السكانير، ومن ثمة جرى نقلها إلى مستشفى الرشيدية، البعيدة بمسافة 70 كلمتر، لتكتشف الأسرة استمرار النقص في التجهيزات ، ممّا دفعها إلى نقلها إلى مدينة فاس، البعيدة بـ470 كلم، لكن الأوان كان قد فات.
وتابع هشكار، وهو مخرج سينمائي، فيما كتبه على صفحته بفيسبوك، إن منطقة الجنوب الشرفي تستمر في المعاناة من التهميش الاقتصادي، و"أنه من الفضيحة ألّا تتوفر المنطقة على مستشفيات لائقة"، مضيفا أن العلاج "يبقى حقا من الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، وأنه من غير العادي أن تتنقل ساكنة وادي تودرا التي يصل عددها إلى مئة ألف نسمة لمئات الكيلومترات لأجل العلاج"، متهما المسؤولين السياسيين باللامبالاة وبعدم مساعدة سكان في وضعية خطر.
وأصدرت شبكة جمعيات تنغير للتنمية و الديمقراطية، بيانا حول الوضع الصحي بالإقليم، قالت فيه إن إديا توفيت "بسبب ما يعرفه الإقليم والجهة من اختلالات في الخدمات الطبية، وإن الأطباء أكدوا إمكانية إنقاذها لو توفرت الشروط الدنيا للتدخلات المستعجلة في مستشفى تنغير أو في الرشيدية، كما أن العائلة اضطرت لنقلها بسيارة لا تصلح حتى لنقل الجثث المتحللة إلى فاس حيث توفيت بسبب نزيف دماغي لم يتمكن أطباء تنغير و الرشيدية من رصده رغم تصويرها بجهاز السكانير".
وقالت الشبكة إن حالة إديا "ليست حالة عارضة أو استثناء بل أضحت طفولة إقليم تنغير و مواطنوها و مواطناتها يعيشون تهديدا يوميا يمس بالحق في الحياة والعيش في ظروف صحية سليمة"ّ، متحدثة عن " ضعف التجهيزات الطبية المتوفرة بالإقليم ، بالرغم من بناء مستشفى للقرب بقلعة مكونة يتوفر على أحدث التجهيزات إلا أن ولوج المواطنين و المواطنات إليها يعد محدودا و يضطرون للسفر مئات الكيلومترات من أجل الاستشفاء".
إدارة الصحة: الأسرة لم تتخذ قرار نقل الطفلة في أسرع وقت
غير أن عبد الرحيم الشعبي، المدير الجهوي للصحة بجهة درعة تافيلات، صرّح أنه الأسرة لم تتخذ قرارا سريعا بنقل الراحلة إلى المستشفى الجهوي بالرشيدية والمستشفى الجامعي بفاس بعد تأكد الطاقم الطبي من خطورة حالتها، متحدثا عن أن التأخر في نقلها دام يومين تقريبا، ممّا كان أحد أسباب الوفاة.
وقال الشعبي في تصريحات هاتفية لـCNN بالعربية إن نظام المستشفيات في المغرب هو نظام متدرج من الدرجة الدنيا إلى درجة عليا، وإن إديا نُقلت إلى مستشفى الإقليمي بتنغير يوم السبت بعد سقوطها، وهناك عاينها طبيب وقال إن حالتها تستدعي نقلها إلى المستشفى الجهوي بالرشيدية، إلّا أن أسرتها لم تنقل الطفلة في ذلك اليوم.
ويوم الأحد، يتابع المسؤول الصحي ذاته، أعادت الأسرة الطفلة إلى مستشفى تنغير، وهناك فحصها طبيب آخر في المستعجلات، وأمر بضرورة نقلها سريعا إلى الرشيدية، حيث جرى استقبالها بالمستشفى في ظروف جيدة، وعاين أربعة أطباء متخصصين حالتها الصحية، كما جرى فحصها بجهاز سكانير، وتبين لهم أن إصابتها تستدعي نقلها إلى المستشفى الجامعي بفاس، وأخذوا لها موعدا يوم الاثنين صباحا، يقول المسؤول.
ويردف الشعبي أن الأسرة طالبت الطاقم الطبي بنتيجة السكانير، وهو ما لم يكن متاحا يوم الأحد، إذ أخبرها الطاقم الطبي أن المستعجل الآن هو نقل الطفلة إلى فاس، خاصة وأن المستشفى وفر لها سيارة إسعاف، بيدَ أن الأسرة لم تتخذ قرار نقل إديا إلّا يوم الاثنين مساءً، ممّا أدى إلى إلغاء الموعد الأول وأخذ موعد جديد هو يوم الثلاثاء، غير أن الأوان قد فات حين نقلها.
وزاد المتحدث ذاته: "التعامل مع حالة هذه الطفلة التي نأسف كثيرا لوفاتها كانت سيحدث في أيّ مستشفى إقليمي بالمغرب، فالحالات الصعبة تُنقل إلى المستشفيات العليا ولا تعالح محليا"، مضيفا أن وزارة الصحة بصدد تزويد المستشفيات الإقليمية بأجهزة سكانير، غير أن المشكل الذي يواجهها، أنها تحتاج كذلك إلى طاقم متخصص في جراحة الدماغ والأعصاب وكذا الإنعاش والتخدير، إذ لا يمكن الاقتصار على التجهزيات دون الموارد البشرية المؤهلة، وفق قوله.