لندن، المملكة المتحدة (CNN)-- في مكتب صغير يقع بين عيادة طبية ومشروع إسكاني جنوبي العاصمة البريطانية لندن، يعمل هذا الرجل الذي ذكرته مجلة "تايمز" العريقة ضمن المائة شخص الأكثر تأثيراً في العالم.
هو بيرام ولد والداه ولد عبيدي، الناشط الموريتاني البارز المناهض للعبودية، والذي يعرف بكونه شخصاً غير تقليدي بالمرّة. إذ في الأعوام القليلة الماضية، رشّح عبيدي نفسه لرئاسة موريتانيا، وأسس حراكاً شعبياً مناهضاً للعبودية، وتلقى جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العام 2013، التي حاز عليها سابقاً أمثال الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا والزعيم الأمريكي مارتن لوثر كينغ جونيور.
لكن، لم يكن هذا الواقع الذي عاشة عبيدي في بلاده، حيث واجه السجن ثلاث مرات.
آخر مكان يدعم العبودية في العالم
وكانت دولة موريتانيا الشمال أفريقية آخر دولة في العالم تبطل العبودية، وذلك في العام 1981. ورغم تأكيد الحكومة الموريتانية المتكرر أنه لا وجود للعبودية في البلاد، في إشارة إلى القوانين والمحاكم التي أنشأت لمحاربة العبودية، إلا أن تقارير المنظمات غير الحكومية ووزارة الخارجة الأمريكية تشير إلى استمرار الرق في موريتانيا.
قد يهمك أيضاً: موريتانيا.. هيئة دفاع مناهضي العبودية تنسحب بسبب "خروقات" في المحاكمة
ومن مكتب المنظمة الدولية المناهضة للعبودية في لندن، يقول عبيدي: "كثير من الأطفال والنساء والرجال في موريتانيا يولدون عبيداً... ويعامل العبيد على أنهم ليسوا بشراً، وهم لا سجّلون كمواطنين. وإلى جانب افتقارهم للأوراق الرسمية والحالة المدينة، هم يجبرون على ممارسة العمالة الإجبارية."
ويضيف عبيدي عن العبيد في موريتانيا قائلاً: "لا تدفع لهم رواتب وليس لديهم نظام عناية طبية ولا طعام ولا ملابس. ويمنع الأطفال من الذهاب إلى المدارس لأنهم مجبرون على العمل، ويمنع عن النساء عيش أمومة طبيعية أو حياة جنسية أو حياة أسرية."
تقليد عمره مئات السنين
وغالبية العبيد في موريتانيا هم من سلالة أشخاص احتجزوا منذ قرون من الزمن. ولا يتم بيعهم أو شرائهم عادة، بل يوهبون كهدايا. ويعمل كثير منهم في رعي الأغنام أو الخدمات المنزلية، ويصبح أبناءهم عبيداً تلقائياً.
وبحسب المنظمة الدولية المناهضة للعبودية، غالبية هؤلاء العبيد هم من جماعة "هاراتين" ذوي البشرة السمراء، ويمتلكهم أصحاب البشرة الأفتح من الموريين.
وتنص المنظمة أنه رغم أن العبيد لا يكبلون بالأصفاد عادة، إلا أنهم لا يسعون إلى الهرب، لأن الحياة بعيداً عن أسيادهم ستكون صعبة بشكل لا يمكن تخيله، فهم لا يعرفون شكل آخر للحياة.
قد يهمك أيضاً: لَمْعَلْمِينْ..حرفيون يقبعون في قاع سلم الترتيب الطبقي بموريتانيا
ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية حول تعداد العبيد، إلى أن كتاب حقائق العالم الذي تصدره وكالة المخابرات المركزية (CIA) يقدّر أنهم يمثلون 20 في المائة من تعداد سكان موريتانيا البالغ 3.67 مليون شخص.
ويقول البروفيسور جيريمي كينان، الخبير الإقليمي في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، إن السبب وراء عدم معالجة قضية العبودية هو كونها معقدة "ومتداخلة بعمق تاريخياً." كما سيرتبط حلّ قضّية العبيد بخلق مشاكل أخرى للحكومة، مثل إيجاد طرق لجعل العبيد أشخاصاً قادرين على الحياة بدون أسيادهم.
عبيدي ووعد منذ الطفولة
وتمكنت مؤسسة عبيدي، والتي تدعى "مبادرة عودة ظهور حركة إلغاء الرق،" من إنقاذ عديدين من العبودية منذ تأسيسها في العام 2008، رغم عدم اعتراف الحكومة الموريتانية بها.
ويذكر عبيدي أن شغفه بمحاربة قضية العبودية يعود إلى طفولته، حين رأى أحد العبيد يتعرّض للضرب من قبل سيّده. عندها، سأل إعبيدي والده عن سبب السماح بهذه القسوة، وأعلمه والده حينها أنه هو أيضاً من سلالة عبيد، لكنهم أصبحوا أحراراً بعد أن أعتقت رقبة والده كعمل خير من قبل سيده. ومنذ تلك الحادثة، وهب إعبيدي حياته لقضية محاربة الرق.
وبين النشاطات التي تقوم بها المنظمة تنظيم المظاهرات، والرحلات إلى المناطق النائية للقاء العبيد في المناطق القروية، والمرابطة أمام منازل الأشخاص المشتبهين بامتلاك عبيد. ويقول إعبيدي إن هذه السبل ساعدت في التبليغ عن أصحاب العبيد وزجّهم في السجن، ما جعل كثيراً من أصحاب العبيد يعتقون عبيدهم تجنباً للسجن.
ويشير عبيدي إلى أن عدد المتظاهرين المناهضين للعبودية في ازدياد، لكن امتلأت السجون الموريتانية بالناشطين المناهضين للرق أيضاً على حد قوله. ويعتبر أن الطريقة الأمثل لجذب الانتباه إلى تلك القضية هو الاستمرار بإصدار الضجّة حول القضية في الداخل والخارج.
ويطمح عبيدي إلى الترشح لمنصب الرئيس في انتخابات العام 2019. وبحسب كينان من مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، تعتبر الحكومة الموريتانية إعبيدي خطراً سياسياً كامناً، بسبب العدد الكبير لأقلية الـ "هاراتين" في البلاد، والتي تمثل قاعدة دعم لإعبيدي في حال فوزه بالرئاسة.
ورغم آماله بالفوز بالرئاسة للتخلص من العبودية قدر المستطاع، يدرك عبيدي أن كثيراً من المؤسسات في البلاد ستناهضه. ولدى سؤاله عما إذا كانت لديه مخاف من العودة إلى موريتانيا، يقول: "حتى أكون ثابتاً في دعمي للضحايا، ليس لدي خيار آخر."