هذا المقال بقلم ديفيد باركر، الرئيس التنفيذي المشارك للاستثمار – الخدمات المالية، تقنية المعلومات والاتصالات، الشركات الناشئة، المكاتب الخارجية في مجلس التنمية الاقتصادية بالبحرين، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
بعد أن وصل تفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" إلى ذروته في الصين بواقع 14 ألف حالة في يوم واحد، بدأ عدد الحالات المصابة في الانحسار أخيراً حتى وصل عدد الحالات المبلغ عنها إلى أقل من 1000 مريض في أول أسبوعين من شهر مارس. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، كان للتكنولوجيا الحديثة، ومنها تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، دوراً محورياً في احتواء الصين للأزمة، وهو حل اقتبسته عنها الحكومات الأخرى في شتى أنحاء العالم. والآن، ومع استمرار انتشار المرض على مستوى العالم، وخاصةً في أوروبا، تتوجه الأنظار إلى الحلول التكنولوجية مع التركيز بقوة على الدور الحاسم للبنية التحتية السحابية في احتواء الأزمة.
كما وتفتح كل حالة يتم تسجيلها آفاقاً جديدة لربط الحقائق ببعضها البعض مما يمكّن العلماء من تحديد أماكن تفشي الوباء ومصدره. ومن خلال جمع المعلومات حول أماكن تواجد المرضى وأثار المرض على صحتهم وماهية الأعراض ووقت ظهورها، وقد لعبت مستودعات البيانات التي تعتمد تكنولوجيا الحوسبة السحابية دوراً مهماً في تمكين قطاع الصحة من استيعاب نطاق العدوى بسرعة ووفرت له صورة أوضح عن الأوضاع الحالية، إذ ومع وجود أكثر من 100 ألف حالة على مستوى العالم فسيكون حجم المعلومات هائلاً.
ويُعنى العلماء حالياً بإمكانية إيجاد توقعات فورية لتوفير معلومات مؤكدة عن إمكانية تزايد الحالات وأماكن تواجدها، حيث يستم استخدام المعلومات لاتخاذ القرارات الصحيحة في شتى المجالات، كتوفير العدد المناسب من العمالة في المستشفيات. وفي معرض حديثه عن جائحة الإنفلونزا الإسبانية التي عانت منها الدول في بدايات القرن العشرين وأصيب بها ما يزيد عن 500 مليون شخص، قال المحلل "بريان هوبكنز" من شركة "فورستر" للأبحاث في مقابلة له مع جريدة "وول ستريت جورنال" إن التقدم في تكنولوجيا المعلومات والبيانات الرقمية يمكنه أن يساعد على منع حدوث نتائج مماثلة مع انتشار فيروس كورونا.
ولكن تتطلب معالجة هذا الحجم الهائل من المعلومات قوة حوسبة كبيرة، بالإضافة إلى بنية تحتية قوية قادرة على التعامل مع هذه المسؤولية. وتقدم الحوسبة السحابية ميزة استراتيجية تسمح للمستخدمين بعمل المهام المعقدة عن بعد عبر خوادم كبيرة بدلاً من أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، مما يساعد على توفير التكلفة وزيادة السرعة.
ولحسن الحظ فقد أدركت العديد من الاقتصاديات الكبرى في العالم بالفعل قيمة هذه التكنولوجيا وتعمل في شراكة وثيقة مع مقدمي الخدمات لتسهيل افتتاح مراكز البيانات الكبيرة، كما هو الحال في البحرين التي افتتحت مراكز بيانات أمازون ويب سيرفيسز (AWS) العام الماضي لأول مرة الشرق الأوسط كبداية التزام رسمي بتحول جميع الخدمات الحكومية إلى العالم الرقمي. ووفقًا لدراسة حديثة، فإن حوالي 90% من الشركات حول العالم تعمل باستخدام الحوسبة السحابية ومن المقرر أن تعالج مراكز البيانات تلك 94% من جميع أعباء العمل بحلول العام المقبل.
كما أن العلماء وفرق العمل الوطنية ليسوا الوحيدين الذين يستخدمون الحوسبة السحابية في الاستجابة للأزمة، فالشركات تتوجه حالياً إلى اعتماد نظام العمل عن بعد تجنباً لتفشي المرض بين الموظفين، كما يدرس ملايين الطلاب في منازلهم. ولأن استمرارية العمل والتعليم أمر لا بد منه فقد تزايد استخدام التكنولوجيا لغرض التواصل وعقد الاجتماعات.
ومما لاشك فيه ستغير جائحة كورونا طريقة عملنا ونمط حياتنا للأبد، فقد أكدت تلك الجائحة مدى أهمية الاستفادة من التكنولوجيا، سواء للبحث العلمي أو استمرارية العمل أو تمكين الطلاب من الدراسة في بيوتهم. ومع استمرار المزيد من الشركات والحكومات في اعتماد الحوسبة السحابية، من الواضح أن البنية التحتية الحديثة سيكون لها أثراً قوياً على حياتنا.